إيلاف من بغداد: بينما كانت الحكومة الحالية في العراق تخرج إلى النور كان المشهد السياسي عبثيا لأبعد الحدود. فأروقة البرلمان يحتلها أنصار مقتدى الصدر والشوارع تعج بمتظاهرين يطالبون بالإصلاح ووقف الفساد، والصدامات المسلحة بين الجهات المتنافسة اسفرت عن سقوط عشرات الضحايا وعجلة الإنتاج متوقفة في جميع أجهزة الدولة، ومصابة بشلل تام استمر لمدة عام.

لم يكن هناك طريق سوى توافق بين الكتل السياسية على اختيار شخصية متوازنة ومشهود لها بالكفاءة لإدارة الدفة في هذا الوقت العصيب. وهنا ظهر اسم محمد شياع السوداني، ليصبح أول رئيس وزراء للعراق يتدرج في الوظائف الحكومية من قائمقام قضاء، الى محافظ الى وزير لدورتين وعضو في مجلس النواب لدورتين، وهو اول رئيس وزراء من عراقيي الداخل.

ومنذ ان تسلم مسؤوليته، يسعى السوداني إلى العمل الجاد والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين العراقيين، وبدأت الإنجازات تظهر على المستوى المحلي والعام في إعادة اعمار العراق.

الاحصائيات التي تطلقها الجهات الرسمية شاهد عيان للانجازات التي بدأت تقلق الغرماء السياسيين. اذ ان شعبية رئيس الوزراء في اعلى مستوياتها، وهذه الشعبية تثير القلق لدى الكثيرين فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب الأميركي أن غالبية العراقيين يرون أن العراق يقف على أرض أكثر صلابة وذلك رغم هيمنة حالة عدم الاستقرار على البلاد خلال السنوات الماضية. وابدى 56 في المئة من المشاركين في الاستطلاع ثقتهم بحكومة السوداني التي تم تشكيلها أواخر عام 2022 وهي اعلى نسبة تأييد لرئيس وزراء في العراق منذ 2008.

وبطبيعة الحال، وفي ظل هذه الأرقام التي يصاحبها هدوء في الداخل الذي يلمس فيه المواطنون تحسنا ملحوظا في كافة القطاعات لابد وان يتوتر البعض من ان يثبت السوداني أقدامه لفترة ولاية ثانية بعد الانتخابات المقبلة. ولهذا السبب، فإن الحديث عن تغير قواعد اللعبة الانتخابية لم يأتي من فراغ، بل انه هناك خشية لدى بعض القوى السياسية داخل الاطار التنسيقي، وتؤكد صحة هذا الطرح تصريحات زعيم تيار الحكمة في العراق، عمار الحكيم، والتي قال فيها إن هواجس بعض الأحزاب من صعود السوداني دفعهم إلى اقتراح تعديل قانون الانتخابات بنظام الدوائر لمنع فوزه في الانتخابات التشريعية المقبلة.

تلك الحالة تدفع لطرح عدد من الأسئلة وهي لماذا يهدف احد إلى تعديل القانون في ظل قانون موجود وتم الاتفاق عليه والعمل به في الانتخابات الماضية علما بان هذه هي المرة السابعة التي يتم تغيير القانون الانتخابي العراقي منذ سقوط نظام صدام حسين؟ ولماذا يتم طرح فكرة تعديل القانون في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد توترا امنيًا في العراق وتسعى فيها الحكومة إلى اخراج القوات الأجنبية من البلاد؟ وإذا كانت الانتخابات التشريعية مقررة في نهايات 2025 فلماذا يتحدث البعض عن قانون الانتخابات الآن أي قبل اكثر من عام ونصف على اقل تقدير على موعدها؟

لا تبدو النوايا طيبة من خلال طرح مثل هذه الفكرة وهو ما دفع الحكيم للدفاع عن قانون الانتخابات الحالي، الذي أجري عليه اقتراع مجالس المحافظات في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وقال إن القوى السياسية اتفقت عليه بعد 6 أشهر من النقاشات، ولأول مرة في العراق يصبح هناك قانون واحد لانتخابات مجلس النواب والمحافظات، وكانت مخرجاته طيبة، ولم تسجل أي شكوى حمراء على العملية الانتخابية وجميع القوى حصلت على ما يناسب أحجامها من المقاعد.

ربما كان السبب وراء طرح هذه الفكرة هو التحليل الذي أجراه الإطار التنسيقي (الائتلاف الحاكم في العراق) لنتائج انتخابات المحافظات والذي اظهر ان رئيس الوزراء سيتمكن من تأمين حصة كبيرة في البرلمان خلال الانتخابات المقبلة قد تصل إلى نحو 60 مقعدا، مستندا على أداء حكومي رفيع وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة.

وهنا لابد من الإشارة إلى بعض الخيارات الأخرى التي يتم تداولها في ممرات النخبة والقرار، على سبيل المثال ان تتوافق القوى السياسية فيما بينها على توقيع تعهد لرئيس الوزراء بإعادة تكليفه للدورة الثانية مقابل عدم مشاركته بقائمة مستقلة في الانتخابات المقبلة.

ومن المعلوم ان وعودا شبيهة بذلك تم إعطائها لرئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بان لا يشكل قائمته الانتخابية مقابل إعادة تكليفه، ولم يحصل، فيما طرح رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي فكرة جديدة لإبعاد السوداني والمحافظين من أمثال محافظ كربلاء والبصرة عن الساحة الانتخابية عندما قال في مقابلة تلفزيونية إنه ينبغي على من يريد الاشتراك في الانتخابات وهو في السلطة التنفيذية الاستقالة قبل الانتخابات بستة اشهر، لكنه نسى او ربما تناسى ان اغلبية رؤساء الوزراء السابقين بمن فيهم نفسه لهم كتل سياسية ودخلوا الانتخابات وهم على رأس السلطة وكذلك حيدر العبادي.

باختصار لم يكن كثير من السياسيين العراقين يتوقع ان يسطع نجم السوداني بهذه السرعة ولا ان يكون اداؤه منضبطا وملموسا إلى هذا الحد، فبدأت المخاوف من بروز رمز قيادي جديد في الساحة السياسية وهذا ما لا تبتغيه القيادات التقليدية، فبدأت النيران الصديقة تصيب موكب رئيس الوزراء وتحاول منعه من المشاركة الانتخابية او الوصول الى منصب رئيس مجلس الوزراء للدورة الثانية، الا ان هذه القوى تغامر بسمعتها وشعبيتها امام الجمهور الذي بدأ يتنفس الصعداء ويشم رائحة الاستقرار والازدهار التدريجي منذ 16 شهرا ويريد الشعب استمراره.