شكل إعلان الأميرة كيت ميدلتون عن إصابتها بالسرطان، وهي في الـ42 من العمر، صدمة لكثيرين.
لم يتوقع أحد أن يكون غياب أميرة ويلز عن الأنشطة العامة، لبضعة أشهر، متعلقاً بإصابتها بورم خبيث، وكثرت الشائعات حول بتواريها عن الأنظار، بعد الإعلان عن إجرائها جراحة في البطن.
وبعد أسابيع من التكهنات، وجدت نفسها مجبرة على الظهور في تسجيل فيديو، وتقديم إجابات للقلقين حول العالم.
ومنذ إعلان الأميرة الشابة إصابتها بالمرض، أعاد كثيرون الحديث عن دراسة نشرت في سبتمبر/أيلول الماضي، في المجلة الطبية البريطانية، أكدت ارتفاع معدل الإصابة بالسرطان في مرحلة مبكرة من العمر، أي قبل بلوغ الخمسين عاماً، على مستوى العالم، بنسبة 79.1 بالمئة بين عامي 1990 و2019.
- كيت ميدلتون أميرة ويلز تعلن خضوعها للعلاج من السرطان
- كيف انتشرت نظرية المؤامرة حول "شبيهة كيت ميدلتون" على وسائل التواصل الاجتماعي؟
كما زاد عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالسرطان في سنّ مبكرة بنسبة 27.7 بالمئة بين عامي 1990 و2019.
وأشارت توقعات الباحثين العاملين على الدراسة إلى أن العدد العالمي لحالات الإصابة بالسرطان والوفيات الناجمة عنه في المراحل المبكرة من العمر، سيرتفع بين31 و21 بالمئة بحلول عام 2030.
واعتبر الباحثون أن عوامل الخطر الغذائية، كتناول نسبة عالية من اللحوم الحمراء، وقلة تناول الفواكه، واستهلاك الكثير من الصوديوم، والانخفاض في نسبة استهلاك الحليب، إضافة إلى استهلاك الكحول والتبغ، كلها عوامل رئيسية مسببة بظهور السرطانات في عمر مبكر.
ولم تكن هذه الدراسة الوحيدة التي أكدت ازدياد تشخيص حالات السرطان في عمر مبكر، إذ أشارت دراسة أخرى نشرت في مجلة "ذا لانسيت" الطبية المُحكّمة، إلى أن السرطان كان رابع أكثر الأسباب شيوعاً للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و39 عاماً خلال العام 2019 حول العالم.
شهدت البلدان التي تتمتع بأكبر قدر من التنمية الاجتماعية والاقتصادية أعلى زيادة في تشخيص الإصابة السرطان خلال هذه المرحلة العمرية.
وعلى الرغم من أن معظم الخبراء والأطباء يتفقون على وجود عوامل غذائية، تزيد من خطر الإصابة بالسرطان، إلا أنّ خبراء آخرين يؤكدون أن السرطان مرض معقد ويتأثر بمزيج من العوامل، منها عوامل وراثية، ومنها تعرّض المصاب لعوامل مختلفة منها غذائي ومنها بيئي وغيرها، خلال حياته. ولذلك، من غير المرجح أن يكون هناك تفسير واحد وبسيط لهذا الارتفاع.
هل السمنة هي السبب؟
أظهرت دراسة نشرت عام 2019 في مجلة "ذا لانسيت" الطبية، أن العديد من أنواع السرطان التي تزداد شيوعاً بين الشباب في الولايات المتحدة ترتبط بمرض السمنة.
ويعاني من مرض السمنة حوالي 39.8 بالمئة من البالغين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاماً، بحسب "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" في البلاد.
وأكدت الدراسة أن نصف حالات السرطان المرتبطة بالسمنة، أصبحت أكثر شيوعاً بين الشباب، مقارنة بواحد من كل تسعة أنواع سرطان غير مرتبطة بالسمنة.
ويجمع الخبراء على أن استهلاك الكثير من الأطعمة المصنعة، وعدم ممارسة الرياضة بشكل كافٍ، وشرب الكحول بانتظام، كلها عوامل تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
ويرى المختصون أن انتشار هذه العوامل، زاد بفعل نمط الحياة الحديثة، مما قد يفسر بدء إصابة من هم دون الخمسين عاماً بهذا المرض، في السنوات القليلة الماضية.
وفي دراسة نشرتها "المكتبة الوطنية الأمريكية" للطب على موقعها، وجد باحثون رابطاً محتملاً بين معاناة المرأة الحامل من البدانة أثناء حملها، وتأثير ذلك على مولودها لاحقاً، عبر إصابته بالسرطان قبل بلوغه سنّ الخمسين. إلا أن هذه النظرية لا تزال بحاجة إلى المزيد من الأبحاث للتأكد منها.
ويقول الدكتور دانيال هوانغ، اختصاصي أمراض الكبد في جامعة سنغافورة الوطنية، لمجلة "نيتشر" الطبية البريطانية، إن هذه العوامل ليست كافية لتفسير زيادة التشخيص بأمراض سراطنية في سن مبكرة.
ويضيف: "افترض كثيرون أن أشياء مثل السمنة واستهلاك الكحول قد تفسر بعض النتائج التي توصلنا إليها. ولكن يبدو أننا بحاجة إلى الغوص بشكل أعمق في البيانات"، لفهم الصورة الكاملة.
وبالفعل، يصاب الكثير ممن يأكلون طعاماً صحياً ويمارسون الرياضة ولا يعانون من السمنة، وعمرهم أقل من 50 عاماً، بالسرطان. فما تفسير ذلك؟
منذ تشكّل الجنين؟
تشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن السرطانات المرتبطة بالجهاز الهضمي هي من بين الأكثر انتشاراً حول العالم، وتشكل النسبة الأكبر من أنواع السرطان التي تصيب من هم دون الخمسين.
ووجدت دراسة نشرت قبل عام على موقع "المكتبة الوطنية الأمريكية للطب"، أن بعض الميكروبات المعوية يمكن أن تتسبب بالسرطان، إذ يمكنها أن تعمل كمحفزات أو مثبطات للمرض.
وعلى الرغم من ارتباط ذلك جزئياً بالطعام الذي نأكله، إلا أنه مرتبط أيضاً بالميكروبات والفيروسات التي نتعرض لها، مثل بكتيريا هيليكوباكتر بيلوري، وفيروس التهاب الكبد بي وسي، وفيروس الورم الحليمي البشري، بحسب الدراسة نفسها.
فيما يشير أخصائيون آخرون إلى أن الاضطرابات في تكوين الميكروبيوم (بكتيريا الأمعاء النافعة)، قد لا تنتج عن التغيرات الغذائية فحسب، بل جراء تناول المضادات الحيوية أيضاً، لكن الأبحاث حول إمكانية تسبب المضادات الحيوية بالسرطان مستمرة ونتائجها غير نهائية.
ومن جهتها، قالت عالمة الأوبئة باربرا كون في "معهد الصحة العامة في أوكلاند - كاليفورنيا"، في حديث لمجلة "نيشتر" العلمية، إن الأبحاث أظهرت أن السرطان يمكن أن يظهر بعد سنوات عديدة من تعرض الشخص لمادة مسرطنة، مثل مادة الأسبست التي تستخدم في الإسمنت، ودخان السجائر. وقالت: "إذا كانت الفترة الكامنة (المسببة للإصابة) منذ عقود، فأين نبدأ بالنظر (لاكتشاف مسببات المرض)؟".
وأشارت إلى أن الباحثين بحاجة إلى جمع بيانات تشمل فترة ما بين 40 إلى 60 عاماً على الأقل، تشمل آلاف الأشخاص، للحصول على عينة كافية تسمح بالوصول إلى استنتاجات حول الإصابة المبكرة بالسرطان.
وتدير كون مستودعاً هائلاً من البيانات وعينات الدم التي جمعت من حوالي 20 ألف أم حامل، منذ عام 1959. وقد تابع الباحثون حالات العديد من المشاركات وأطفالهن، منذ ذلك الحين.
وقد حاولت كون وكيتلين مورفي، عالمة الأوبئة في "مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس في هيوستن"، البحث عن عوامل مسببة للسرطان في بداية ظهوره.
ووجدت الباحثتان علاقة محتملة بين سرطان القولون المبكر والتعرض قبل الولادة لشكل اصطناعي من هرمون البروجسترون، يوصف للحوامل أحياناً لمنع الولادة المبكرة. لكن يجب تكرار هذه الدراسة على مجموعات أخرى من الأشخاص، حتى يتأكد الباحثون من النتائج.
ومن جهتها، تقول الدكتورة كيمي إنج من "جامعة هارفارد"، إن بعض العوامل البيئيةالتي يتعرّض لها الأفراد، في فترة مبكرة جداً من حياتهم، قد تلعب دوراً بإصابتهم لاحقاً.
تختص إنج بالجهاز الهضمي، وتبحث في سبب زيادة إصابة من هم دون الخمسين حول العالم بالسرطان. وتركز في فرضيتها الرئيسية على ما يتعرّض له الأشخاص في الرحم، أو في مرحلة الرضاعة، أو أثناء الطفولة، وكيفية ارتباط ذلك بإصابتهم بالسرطان في سن مبكرة.
وتشير في مقال منشور على موقع المجلة الخاصة بالجامعة، إلى ورقة بحثية نشرت حديثاً، وحظيت نتائجها باهتمام كبير، حول إمكانية ارتباط جزئيات البلاستيك (مايكرو بلاستيك) بالإصابة بسرطانات الجهاز الهضمي.
فيما تشير "جمعية السرطان الأمريكية"، إلى أن نمط الحياة قد يلعب دوراً بالإصابة بالسرطان، إلى جانب التعرّض لعوامل بيئية منها غاز الرادون، وتلوث الهواء، والمواد الكيميائية في مكان العمل، أو الإشعاع أثناء الاختبارات أو الإجراءات الطبية.
هل الوقاية ممكنة؟
بحسب "جمعية السرطان الأمريكية"، يتم تشخيص إصابة حوالي 80 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاماً بالسرطان كل عام في الولايات المتحدة.
ويعتبر السرطان السبب الرئيسي الرابع للوفاة في هذه الفئة العمرية، بعد الحوادث والانتحار والقتل. وتعتبر الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الشباب، ولكن احتمالية الوفاة بسبب السرطان متساوية بين الجنسين.
وتشير إحصائيات من دول أخرى حول العالم إلى اتجاه مماثل في ارتفاع عدد الإصابات بالسرطان لدى الفئة العمرية عينها.
وفي ظلّ انعدام اليقين الطبي، وعدم وصول الأبحاث العلمية إلى نتائج حاسمة، هل هناك سبل للوقاية من السرطان أو على الأقل تخفيف احتمال إصابتنا ببعض الأنواع منه؟
تُجمع الهيئات العلمية والطبية كافة، على خطوات يمكن اتباعها للتخفيف من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، أبرزها:
الامتناع عن التدخين أو التعرض لدخان سجائر الآخرين.
الحفاظ على وزن صحي، وممارسة الرياضة والنشاط البدني.
اتباع نظام غذائي صحي ومتنوع، عبر التقليل من اللحوم المصنعة والحمراء، وتناول المزيد من الحبوب الكاملة، والأطعمة الغنية بالألياف.
الحد من الوقت الذي نقضيه في الشمس، وتجنب أجهزة التسمير.
ممارسة الجنس الآمن للتقليل من خطر الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري، وفيروس نقص المناعة البشرية.
رغم تعدّد النظريات حول أسباب ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في سن مبكرة، تبقى النظرية الأكثر تداولاً متعلقة بنمط الحياة.
وفي مقارنة ملفتة للانتباه، قام كل من الدكتور شوجي أوجينو والدكتور توموتاكا أوغاي من "جامعة هارفارد"، بمراجعة ومقارنة البيانات من جميع أنحاء العالم، لمساعدة الأطباء والعلماء على فهم ما يحدث.
وقال الطبيبان اللذين يعيشان ويعملان في الولايات المتحدة، وأصلهما من اليابان، في حديث لمنظمة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، إن المقارنة بين معدلات السرطان في اليابان وكوريا الجنوبية كفيلة بطرح أسئلة كثيرة.
إذ إن كلا البلدين متشابهين عرقياً واقتصادياً، لكن اليابان لا تشهد نفس الارتفاع في حالات السرطان المبكرة المرتبطة بالجهاز الهضمي مثل جارتها.
وتعد اليابان واحدة من الدول القليلة ذات الدخل المرتفع التي لا يتناول معظم الناس فيها ما يعرف بالنظام الغذائي الغربي، والذي يعتمد على اللحوم الحمراء والأطعمة المصنعة الغنية بالدهون والسكر. إذ يعتمد اليابانيون بشكل أساسي على الأسماك والخضروات والبقوليات.
كما أن معظم الأطفال في اليابان، يذهبون إلى المدرسة سيراً على الأقدام أو على الدراجات الهوائية، بدلاً من ركوب الحافلات والسيارات، مما يؤمن لهم مستوى أعلى من الحركة والجهد البدني، مقارنةً مع الأطفال في الدول الأخرى.
فيما يختلف نمط الحياة في كوريا الجنوبية تماماً، وهو أقرب إلى نمط الحياة الغربي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وتشهد كوريا الجنوبية ارتفاعاً حاداً في معدلات الإصابة بالسرطان في المراحل العمرية المبكرة.
المزيد حول هذه القصة
- رحلة عبر الزمن: الذكاء الاصطناعي يأخذ مصابات بالسرطان "قبل رحيلهن" لمستقبل مفعم بالحب
- ماذا نعرف عن علاج السرطان الجديد "الألطف" من العلاج الكيميائي؟
التعليقات