تتلاحق ثورات الحريات الإعلامية في اتجاهات شتى ليتنامى معها بتسارع ملحوظ كم هائل من المعلومات التي قد تخرج عن سياج الحقيقة والتعبير المشروع والمألوف لدى البلدان الغربية والشرقية ولكنها مهضومة غربياً ومرفوضة شرقياً في معظمها لأسباب سياسية وقانونية وثقافية.

معركة الحريات الإعلامية لها بدايات وثورات وشعوب وهي معركة مستمرة دون نهاية في ظل عالم مفتوح ومتطور تقنياً استطاع منافسة الإعلام التقليدي وتحقيق تحولات في المفاهيم والتغيير لدى الجماهير دون قيود سلطة الحارس الانتقائي غير المحايد قانونياً وسياسياً.

تحقق نضوج في الرأي العام في مجتمعات مختلفة حتى الشرقية منها وكذلك نضوج في احتواء بعض الأنظمة في التعامل مع سلطة الحريات الجديدة وهي قوة شرسة في الانتشار عبر الشبكة العنكبوتية، الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت سلطة مستقلة بذاتها.

السلطة الجديدة التي يقودها الشباب والشابات في مختلف بقاع العالم لم تنطوي على نفسها ولم تحتكر تطورها ولم ترفض الأعضاء الجدد حتى من جيل تقليدي لا علاقة له بالثورات التقنية وجيل آخر يصارع من أجل المحافظة على البقاء والتطور.

سلطة إعلام جديدة تكونت وتطورت في ميادين ومجالات مختلفة وباتت أدوات ونوافذ تسويق وترويج وتشويق وتحفيز في مجالات ومهن إنسانية كالطب والقانون لجذب جمهور غير تقليدي...جمهور يعتمد على الانترنت في التشخيص والدواء والعلاج والدفاع والمعرفة.

السلطة الرابعة التي برزت في منتصف القرن التاسع عشر لم تعد هي السلطة المهيمنة على الجماهير فقد تجاوزتها القوة الإعلامية الجديدة وهي سلطة قفزات تقنية متسارعة ومفاهيم حديثة وتحدي لسلطات تقليدية متحجرة ومتجبرة لم تفلح في مواكبة لغة العصر الحديث.

اقتحمت السلطة الجديدة منابر إعلامية وأكاديمية وبرلمانية بلغتها واساليبها وأدواتها في العالم وعلى صعيد تصدير الإرهاب الفكري والتطرف الديني أيضاً في حين ظلت بعض الأنظمة الشرقية متخلفة ومتحجرة ومتجبرة في مواقفها وسياساتها وقراراتها دون انفتاح على التجارب والتحديات في العالم.

استطاعت السلطة الإعلامية الجديدة أن تحقق شللا في الحياة الديمقراطية وفرض تغيير وتنافس سياسي جديد في العالم الغربي على عكس العالم الشرقي الذي ينظر إلى الديمقراطية والتاريخ من منظور النكران لتاريخ الشعوب وواقع الإنسان وطموحاته وتطلعاته وتطور العالم وتعلم الدروس وتجاوز الجمود.

سلطة جدلية تؤثر في الجماهير وسلطة دينية تخترق العالم الغربي بالرغم من بيئة ومناخ الامتصاص للتغيير والهضم والتمرد أيضاً ولكن تظل الادعاءات الأساسية التي تسود الجدل في بلدان شرقية خارج منطق القبول للجدل العلمي والعملي من أنظمة جامدة ومغامرة سياسياً وإعلامياً.

السلطة الإعلامية الجديدة لها أكثر من خطاب سياسي وأفاق حريات تعبير رحبة تتجاوز نصوص دساتير العالم وتحليلات ضد الخطاب السياسي المتخلف والمنفعل لكسب التعاضد والتعاون بين أطراف ومكونات هذه السلطة في حين تخسر دول ود وتفهم وتعاون السلطة الشبابية الجديدة.

الخطاب السياسي والإعلامي في الشرق يطغي عليه الانفعال والتحجر والجمود والمغامرة ومقاومة التغيير والتطوير والإصرار على تحليل خطاب السلطة الجديدة السياسي من منظور إقصائي وفرض وهم التفاؤل والفرح دون التدخل الجراحي في معالجة عناصر الأزمة!

معركة الخطاب السياسي المتحجر معركة خاسرة وغير متكافئة بين سلطات قانونية وسياسية تقليدية متعجرفة وواهمة وسلطة إعلامية وسياسية جديدة قد تبدو هادئة وضعيفة ولكنها بالتأكيد ليست متفرجة وجبانة، فالاضطراب من نصيب الهلع السياسي من الديمقراطية والحريات الإعلامية والتنصل من المسؤوليات المجتمعية.

السلطة الإعلامية الجديدة... سلطة قوية تستوعب الجدل والتحدي وتتحمل قسوة الحلول القانونية والسياسية وهي سلطة قد تتخلف وتتراجع ولكنها متحدة ومتفقة في النهاية الحتمية فهي سلطة تلد أخر.