الكويت دولة ثرية وممتلئة بخيرات نفطية واستثمارية وذات تاريخ سياسي زاخر بالعطاء والتضحيات الوطنية والوعي الثقافي منذ عقود وقبل صدور الدستور والمبايعة الدستورية في العام 1961، لكن الجوع في العام 2024 بات ينحر الدولة والمجتمع!

الجوع يجتاح الكويت...جوع مختلف عن الجوع الجسدي والفقر والمجاعة...جوع النهش بالجسد الوطني...توحش بتدمير وتمزيق نسيج المجتمع...جوع يتلهم الدولة المدنية باسم القبيلة والطائفة والمنطقة والعائلة...جوع يتغذى على الوحدة الوطنية مع تنازل السلطة عن دورها في حماية الدستور.

الانتخابات ستحسمها صناديق الاقتراع في 4 ابريل 2024 لكن حسم مبكر لانتقام سياسي واجتماعي بات غاية نيابية قبل ولادة مجلس 2024، فالوعيد والتهديد طال نسيج المجتمع والنجاح والفوز تتحكم فيه عواصف العصبيات الاجتماعية وليس قواعد دستورية وقانونية.

فالمتأمل للمشهد الانتخابي يهيمن عليه الفزع السياسي من التعقيدات النيابية المحتملة والقادمة وهو نتيجة احتقان شديد وانحراف متعمد بلغة الخطاب الإعلامي وخروجه عن قواعد العمل السياسي بمباركة جماهيرية علنية تعبيراً عن غياب تلمس حقيقي لاحتياجات المرحلة والمستقبل.

والدستور أصبح فاقد الحماية من الدولة ومكشوف الغطاء الشعبي عن المؤسسة الدستورية، مجلس الأمة، إلى حد كبير بسبب عنتريات وتشنجات عصبية وتخلي السلطة عن قيادة الشارع، فالشارع يقود الشارع وليس الدولة تقود الشارع والرأي العام.

ووسائل التواصل الاجتماعي تعصف بشدة بالرأي العام والمشهد السياسي والتطورات المُرة تتصدر الواقع القبيح للانتخابات حتى تشعب الاهتمام الشعبي بالجوانب الهامشية والموضوعات الفرعية بدلا من التركيز على صلب المشكلات السياسية والاجتماعية ومصادر تعقيد ليست جديدة المنشأ ولا تطور خفي.

السلطة الحكومية لا تعترف بخطأ التقصير ولا الخطيئة السياسية ووسائل التواصل الاجتماعي تقود الرأي العام نحو الصدام المبكر بين الحكومة ومجلس 2024 ،البرلمان، في حين يتنزهة صوت السلطة في استثمار قوة الدستور لحماية الدولة والمجتمع.

اعتدنا على تخلي وتنازل السلطة عن قيادة الرأي العام ودعم المنابر التعليمية لصالح تنمية ثقافة مجتمع نحو وعي شعبي غير هش الأساس والقاعدة، فالوعي لصالح الدولة المدنية وليس التيار القبلي والديني مفقود منذ عقود ولازال مرغوب ومرجح من قبل سلطة تشعر بالأمان في ظل هذه التيارات وليس التيار المتفتح فكرياً وثقافياً...التيار المدني.

تدليس وتزوير وتشويه للتاريخ تشهده الساحة الانتخابية وتناوب وتبادل في الأدوار في حين دور السلطة غائب ومغيب في الدفاع عن الدستور وتاريخ الثقافة في الكويت حتى باتت الأخبار والمعلومات المغلوطة في وسائل التواصل الاجتماعي ودسائس معلومة المصادر لكنها متحفزة على التكاثر بسبب سلطة تنعم بالفوضى...ربما!

لا حاجة لتحديد اصحاب ومصادر تبادل الأدوار والمصالح في شن عواصف العصبيات الاجتماعية وفساد الذمم السياسية، فالبيانات والمعلومات تحت يد سلطة واحدة التي تملك القدرة والمعرفة بخيوط لعبة غير خفية لكن دون جدوى.

سيناريو إعلامي وانتخابي مكشوف الغاية ومعلوم الهدف ومن غير المعقول أن يكون واضح المعالم لنا وكأننا أمام لعبة رياضية واقعية أو مسرحية هزيلة تغذي الجوع لنهش نسيج المجتمع وتدمير مكتسبات ديمقراطية دستورية.

حقيقة تبادل الأدوار والمصالح في النيل من الحقائق التاريخية الجميلة والتطبيق الانتقائي القاتل للقوانين وضياع هيبة الدولة ستكشفها نتائج الانتخابات ومجلس 2024 وحكمة السلطة في التعامل مع القادم غير المجهول، فالمراوغة لن تغير الواقع القبيح ولا الانتهازية السياسية والاجتماعية ستدوم طويلا.

الجوع في الكويت حقائق مُرة وواقع قبيح وسد الجوع الثقافي والسياسي بغطاء دستوري بانتظار السلطة.

*إعلامي كويتي