وسط تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في إسرائيل، تلوح في الأفق احتمالية إقالة وزير الدفاع يواف غالانت. هل يعكس هذا القرار تصاعد الخلافات داخل حكومة نتانياهو؟ وهل ستكون هذه الخطوة نقطة تحول في مسار الحرب الدائرة؟ بينما تستمر التحذيرات من حرب شاملة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيتمكن نتانياهو من تحقيق توازن بين الأمن والسياسة؟
تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يخطط لإقالة وزير الدفاع يواف غالانت في المستقبل القريب، وسط تصاعد التوترات داخل الحكومة الإسرائيلية بسبب الحرب في غزة والنزاع على الحدود مع حزب الله. وتدور التكهنات حول احتمالية استبدال غالانت بالوزير جدعون ساعر، زعيم حزب "اليمين الرسمي"، مما يثير جدلاً واسعاً بشأن توقيت القرار وأسبابه.
وذكرت عدة صحف إسرائيلية أن السبب الرئيسي وراء نية نتانياهو إقالة غالانت هو معارضته لتوسيع العمليات العسكرية ضد جنوب لبنان. صحيفة "معاريف" أشارت إلى أن نتانياهو ينوي تبرير قرار الإقالة بادعاء أن غالانت "لا يتبنى موقفاً هجومياً بما يكفي" في إدارة الصراع.
ورغم ذلك، أصدرت رئاسة الوزراء الإسرائيلية بياناً نفت فيه هذه الادعاءات، في حين أكد حزب ساعر أنه لم يحدث أي تطور جديد فيما يتعلق بمفاوضات انضمامهم للائتلاف الحكومي.
وأبلغ نتانياهو الدائرة المحيطة به أن توسيع الحكومة "سيساهم في إبرام صفقة تبادل مع حركة حماس"، حسبما ما ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت. فيما اعتبر مسؤول أمريكي إقالة وزيرٍ لديه تجربة مثل غالانت في خضم الحرب "قرار مجنون"، حسبما ذكر موقع واللا الإسرائيلي.
ولم يتخذ نتانياهو قرارا نهائيا بشأن إقالة غالانت خشية من أن تؤدي إقالته إلى تصاعد احتجاجات الشارع الإسرائيلي ضده.
وعلى الفور أصدرت رئاسة الوزراء الإسرائيلية بيانا نفت فيه الادعاءات التي تفيد نية نتانياهو إقالة غالانت، تلاه حزب ساعر بقوله "لا يوجد أي جديد في موضوع المفاوضات للانضمام إلى الائتلاف الحكومي".
ذهب ليستلم شهادة ولادتهما، فعاد ليجدهما قُتلا في غارة إسرائيلية، ما قصة الأب محمد؟
نتانياهو ينتقد دخول جماعات يهودية للصلاة في الحرم الشريف، والأردن يؤكد حق الأوقاف في إدارة شؤون الحرم
"مسألة وقت"
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان لبي بي سي إن إقالة غالانت هي "مسألة وقت" حيث اعتبر أن نتانياهو يبحث عن فرصة لإقالته، وإمكانية ضم الوزير جدعون ساعر إلى الائتلاف الحكومي.
ويوضح نيسان خلال حديثه لبي بي سي أن السؤال المركزي "من سيكون وزير الدفاع؟" ورجح أن يستبدل وزير الخارجية يسرائيل كاتس بوزير الدفاع، وساعر بوزير الخارجية، وفق ترجيحاته.
واعتبر نيسان أن هناك معارضة كبيرة وشديدة لتعيين جدعون ساعر وزيرا للدفاع.
وبات غالانت الشخصية الوحيدة التي تواجه نتانياهو وقراراته بشأن إدارة الحرب وقضايا أخرى.
ويحظى غالانت بشعبية واسعة منذ احتجاجات التعديلات القضائية وكذلك ثقة قيادة الجيش، فيما يرى بعض المحللين الإسرائيليين أن هذا يعرقل سيطرة نتانياهو على مجريات الأمور.
ما هي ردود الفعل الإسرائيلية حول ذلك؟
توالت ردود الفعل حول نية نتانياهو إقالة غالانت واستبداله بالوزير جدعون ساعر.
حيث علقت عائلات الرهائن الإسرائيليين بأن اختيار ساعر وزيرا للدفاع إقرار واضح لا يقبل التأويل بأن نتانياهو "قرر التخلي نهائيا عن الرهائن".
وأشارت إلى أن ساعر صرّح سابقا بشكل واضح أنه يعارض صفقة استعادة الرهائن ووصفها "بالخضوع"، على حد تعبيرهم.
من جهته، قال عضو مجلس الحرب السابق بيني غانتس إنه بدلا من أن يكون نتانياهو منشغلاً في تحقيق النصر على حماس وإعادة الرهائن وفي الحرب ضد حزب الله وإعادة سكان الشمال إلى ديارهم، فإن انشغاله في مناورات سياسية يعكس "سوء تقدير وأولويات مشوهة"، وفق تعبيره.
وعلق وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير عبر منشور على موقع إكس قوله "منذ عدة أشهر وأنا أدعو نتانياهو إلى إقالة غالانت وقد حان الوقت لفعل ذلك على الفور".
وأضاف بن غفير أنه يجب اتخاذ القرار بالنسبة للجبهة الشمالية مشيرا إلى أن غالانت ليس الرجل المناسب للقيادة، وفق تعبيره.
في المقابل نشر زعيم المعارضة يائير لابيد عدة اقتباسات على موقع "اكس" تعود للوزير جدعون ساعر إحداها "لن أجلس في الحكومة مع نتانياهو لأنه يمثل نهجا يعرض مستقبل دولة إسرائيل للخطر وأن نتانياهو يضع مصلحته الشخصية فوق كل شي".
واعتبر حزب لابيد أن انضمام ساعر إلى الحكومة "وصمة عار سيسجل على اسمه للأبد".
ما سبب هذه الخلافات بينهما؟
تقول تال شاليف، كبيرة المراسلين السياسيين في موقع "والا"، لبي بي سي إن "الخلافات بين غالانت ونتانياهو بدأت منذ شهر آذار (مارس) الماضي في عام 2023 خلال أحداث التعديلات القضائية".
وقالت المحللة الإسرائيلية مزال موعاليم لبي بي سي إن الخلاف بين نتانياهو وغالانت في الأساس هو "مسألة سياسية" وإنهم وسط منافسة بكل تأكيد، معتبرة أن غالانت "يخطط لاستبدال نتانياهو في محاولة لإحراجه وجعله ضعيفا أمام العالم".
واعتبرت موعاليم أن غالانت بدأ هجومه على نتانياهو لذلك أصدر مكتب نتانياهو بيانا يوضح بأن غالانت يتبنى ما سمته "السردية المناهضة لإسرائيل واتهمه مكتب الحكومة بتهم وصفتها "بالصعبة والجدية ".
"قريب من الخيانة"
وترى موعاليم بأن المعنى الضمني هو أن تصريحات غالانت "قريبة من الخيانة" وأنه يضر بسمعة إسرائيل أمام العالم.
وقالت لبي بي سي إن ذلك لن يؤثر على الحرب في المستقبل القريب، مشيرة إلى أن "نتانياهو يتمتع بائتلاف حكومي قوي على الرغم من كل شيء، وأن حالته في حزب الليكود الحاكم جيدة وإن استطلاعات الرأي الأخيرة تثبت ذلك."
وأظهر آخر استطلاع رأي لصحيفة معاريف بأن "حزب الليكود" بزعامة بنيامين نتانياهو متقدم بشعبيّته، وأن أحزاب المعارضة تواصل الابتعاد عن أغلبية 61 عضو في البرلمان الإسرائيلي، باستثناء الأحزاب العربية.
"ليلة غالانت" مرة أخرى
يعتبر غالانت الوزير الوحيد الذي خرج ضد التعديلات القضائية وصرح أمام العالم بأن ذلك يشكل خطرا على دولة إسرائيل، وبعد مرور 24 ساعة على تصريحاته آنذاك أقاله نتانياهو وتظاهر الإسرائيليون في جميع أنحاء البلاد بشكل غير مسبوق بمشاركة ما يقارب مليون متظاهر، وسميت "بليلة غالانت"، بحسب ما قالت شاليف لبي بي سي.
وأعلنت حينها نقابة العمال في إسرائيل إضراب عام وتراجع نتانياهو عن قراره بإقالة غالانت ومنذ ذلك علاقة غالانت ونتانياهو توصف بـ "السيئة" علما أن لغالانت قرارات ووجهات نظر "تعارض رئيس حكومته".
ترى تال شاليف أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدعم أي صفقة على الطاولة وتريد الحصول على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.
واعتبرت أن جولة التفاوض المقرر لها الخميس بشأن صفقة التبادل مع حركة حماس ستساعد إسرائيل في الحصول على "الشرعية الدولية"، حتى وإن فتحت جبهة جديدة في الشمال ضد حزب الله، على حد تعبيرها.
تقول شاليف لبي بي سي إن نتانياهو يماطل ويضع شروطا لصفقة التبادل يجعل من الصعب التوصل إليها، وتوقعت بأن يتم إقالة غالانت من منصبه وأن نتانياهو يحاول أن يبحث عن بديل ليحل محله ولكن لم يجد حتى هذه اللحظة هذا البديل، مشيرة إلى أنه بالتأكيد قادر على القيام بذلك.
ويخشى نتانياهو من ردود الفعل الإسرائيلية في حال إقالة وزير الدفاع وتجدد الاحتجاجات ضد القرار وتكرار "ليلة غالانت" مرة أخرى حيث رجحت شاليف أنه من المحتمل أن تكون الاحتجاجات واسعة النطاق في إسرائيل في خضم الحرب "ما يخلق اضطرابا في الجيش".
ويفكر نتانياهو بإقالة رئيس الأركان الاسرائيلي هرتسي هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار واستبدال جميع كبار المسؤولين الأمنيين بأشخاص أكثر ولاءً لنتانياهو، على حد تعبيرها.
"غالانت لا يثق بنوايا نتانياهو"
يقول محلل الشؤون العسكرية، إيال عليمة، في مقابلة مع بي بي سي عربي إن إقالة غالانت في هذا التوقيت ستؤدي إلى تفكيك العمل المشترك بين المستوى العسكري والسياسي وأنه سيكون مؤشرا على أن الأمور وصلت إلى مفترق طرق فيما يتعلق بالوضع الداخلي في إسرائيل.
ويوضح عليمة لبي بي سي بأنه في خضم الحرب واستمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة ودون صفقة لعودة الرهائن "سيؤدي إلى تفجرالأوضاع الداخلية الإسرائيلية".
وأكد عليمة بأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مهمتها الأساسية هي عودة الرهائن وذلك يلزم إسرائيل بوقف الحرب، مشيرا إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي تحدث عن ذلك بشكل علني وأنه لا يختلف عما صرح به غالانت.
واعتبر عليمة بأن غالانت لا يثق بنوايا نتانياهو ويعد هذا أمر خطير، وأن اعتبار من يعارض رئيس الحكومة أصبح "خيانة" وعدو لدولة إسرائيل، يثير قلق المؤسسة العسكرية.
يرى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان أن "نتانياهو لا يحب أن يبرز أحد وزراء ائتلافه الحكومي في الساحة ويفضل أن يكون هو اللاعب الرئيسي".
يقول نيسان لبي بي سي إن هناك مناشدات من قبل الشعب الى إعادة الأمور إلى نصابها بسبب التوترات على الساحة الشمالية مع لبنان والتهديدات الإيرانية والحرب المستمرة على قطاع غزة.
وتوقع بأن في حال تهدئة الأمور على جميع الجبهات سيقيل نتانياهو غالانت من منصبه.
واعتبر نيسان بأن غالانت ارتكب خطأ عندما تحدث قبل أيام ووجه انتقادات إلى نتانياهو ما أثار غضب نتانياهو بخصوصه، مشيرا إلى أن تصريحاته أظهرت عمق الخلافات بينهما.
التعليقات