إيلاف من تل أبيب: دخلت الحرب بين إسرائيل و حماس عامها الثاني بلا نهاية تلوح في الأفق. ويقول مراقبون إنه عند الحديث عن استراتيجية ما بعد الحرب، فإن أهداف الحكومة الإسرائيلية تتسم بالغموض إلى حد ما.

ويقول مراقبون إن استخدام الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لعبارة "النصر الكامل"، يعد أمرا متروكا لكثير من التأويلات على أرض الواقع، فيما يرى كثيرون أن الحكومة الإسرائيلية نفسها لم تقدم تعريفا كاملا لما تعنيه بمصطلح "النصر الكامل".

"إدارة الصراع"
ويقول مراقبون إن حكومة نتنياهو والحكومات الإسرائيلية الأخرى ظلت على مدى سنوات حريصة على الحفاظ على الوضع الراهن في الصراع المستمر مع الفلسطينيين في نهج يُطلق عليه "إدارة الصراع" من أجل الحفاظ على الوضع القائم بأي ثمن.

وقد أقدم نتنياهو على إرجاء اتخاذ القرار الحاسم على وقع ما يواجه من مطالب ناخبيه من معسكر اليمين من جهة والحاجة إلى إيجاد حل للوضع في الضفة الغربية المحتلة وغزة من جهة أخرى.

وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن نتنياهو قد صرح في عام 2019 بإن جزءا من استراتيجيته تكمن في الحفاظ على الانقسام بين الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة من خلال السماح بتحويلات الأموال القطرية إلى حماس.

ولكن في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شعر العديد من الإسرائيليين بأن هذه الاستراتيجية تحولت إلى فشل ذريع.

فقد أودى هجوم السابع من أكتوبر الإرهابي بحياة حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، فضلا عن اختطاف حوالي 250 شخصًا ونقلهم إلى غزة. وبعد مرور عام، مازالت أكثر من مئة رهينة في غزة.

ويشار إلى أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

وبعد ما تعرضت إسرائيل لأسوأ هجوم إرهابي في تاريخها وأعنف مذبحة لليهود منذ الهولوكوست، تحتم على الحكومة الإسرائيلية القيام بشيء حاولت تجنبه في المواجهات السابقة مع حماس ألا وهو الإعلان رسميا عن حرب شاملة. مثلما قال نتنياهو، بعدما علم بهجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، إنها "ليست عملية وليست جولة – بل حرب".

واشنطن.. دعوات للخروج بـ "استراتيجية سياسية"
لكن بعد مرور عام على الحرب ضد حماس وبعد أسابيع من بدء إسرائيل أول عملية توغل بري في جنوب لبنان، يبدو أن نتنياهو يعود ببطء إلى عاداته القديمة، حيث تدعو السلطات الأمنية الإسرائيلية إلى التحلي بمزيد من الحزم في عملية صنع القرار السياسي.

فمن ناحية، قال الجيش الإسرائيلي إن الجناح العسكري لحماس قد "هُزم عسكرياً" وبات يعمل في الوقت الراهن على غرار ميليشيات حرب العصابات، لكن من ناحية أخرى، لم ترد أنباء كثيرة عن عودة الرهائن المائة وواحد المتبقين في أيدي الجماعات المسلحة في غزة، كما تستمر الهجمات داخل إسرائيل على نحو منتظم.

وقد أدى التصعيد الأخير في لبنان إلى مقتل جنود إسرائيليين وإجبار عشرات الآلاف من الإسرائيليين على النزوح من منازلهم. وما زالت الهجمات الصاروخية تشكل مشكلة أيضاً، ومعظمها يأتي من لبنان.

وكل ذلك يأتي وسط غياب الحديث عن خروج الحكومة الإسرائيلية بخطتها طويلة الأجل فيما يتعلق بالحرب ونتائجها.

وفي هذا السياق، دعت الولايات المتحدة، التي تعد الحليف الوثيق لإسرائيل، نتنياهو إلى توضيح رؤيته بشأن مستقبل العمليات العسكرية.

ففي مايو/أيار الماضي وخلال زيارته لإسرائيل، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، على ضرورة قيام إسرائيل "بربط عملياتها العسكرية باستراتيجية سياسية يمكن أن تضمن الهزيمة الدائمة لحماس والإفراج عن جميع المحتجزين وتوفير مستقبل أفضل لغزة".

ويعتقد غالبية الإسرائيليين أن الحكومة الحالية تفتقر إلى أهداف واضحة، بما فيها مسار العمليات العسكرية الحالية في جنوب لبنان.

وحثت الولايات المتحدة إسرائيل على ترجمة النجاحات الاستخباراتية والعسكرية التي حققتها مؤخرا بما في ذلك مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر وعدد من قادة الحزب وحركة حماس، إلى إنجازات سياسية.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مصدر مطلع في الحكومة الإسرائيلية قوله إن إسرائيل لديها استراتيجية لكيفية ضرب حزب الله، "لكن لا توجد بالضرورة استراتيجية لمرحلة ما بعد ذلك وسيناريو الخروج".

وعزا المسؤول ذلك جزئيا إلى الصراع داخل الحكومة الإسرائيلية؛ إذ يريد معسكر اليمين المتطرف أن تٌقدِم إسرائيل على ضرب حزب الله بقوة، في حين يريد المعسكر الأكثر اعتدالا في حكومة نتنياهو العمل مع الولايات المتحدة صوب المسار الصحيح.

وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".

ويعتقد جزء كبير من الإسرائيليين أن حكومة نتنياهو لا تبذل ما يكفي من الجهد في سياق التخطيط لسيناريو مرحلة نهاية الحرب. وكشف استطلاع أجراه "معهد سياسات الشعب اليهودي" عن أن 57% ممن شملهم الاستطلاع يرون أن الافتقار إلى أهداف واضحة يعد السبب وراء استمرار الحرب.

ويعتقد 76% من الإسرائيليين الذين شملهم الاستطلاع أن استمرار الحرب لفترة طويلة يرجع إلى عدم اتخاذ الحكومة القرارات الصحيحة في الوقت المناسب. وقال 55 بالمئة إن الحرب طال أمدها بسبب اعتبارات سياسية داخل الحكومة.

وفي حين تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب الليكود بزعامة نتنياهو استعاد خلال الأسابيع الأخيرة بعضا من التاييد، إلا أن الائتلاف اليميني في البلاد ما زال في مرتبة متأخرة عن أحزاب المعارضة.

وكان من المقرر أن يجتمع أعضاء لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" في السادس من أكتوبر/تشرين الأول لتحديد التعريف الرسمي لمصطلحي "النصر" و"الهزيمة"، لكن جرى إلغاء الاجتماع في نهاية المطاف.

مصير حل الدولتين؟
ويشكل افتقار الحكومة الإسرائيلية إلى استراتيجية ما بعد الحرب، معضلة؛ إذ عمدت أصوات يمينية متشددة داخل الحكومة إلى توسيع الاستيطان في الضفة الغربية والذي يعتبره المجتمع الدولي غير قانوني. ودعا البعض إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة.

بينما الأصوات من داخل العالم العربي والإسلامي، التي تطالب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل السماح بإقامة دولة فلسطينية، أصبحت أعلى من أي وقت مضى. وجدير بالذكر أن مثل هذه الدعوات كانت حتى وقت قريب موجودة فقط خلف الأبواب المغلقة أو في قنوات سرية.

فعقب خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي "نحن هنا - أعضاء اللجنة الإسلامية العربية، التي تم تفويضها من قبل 57 دولة عربية وإسلامية - ويمكنني أن أخبركم بشكل لا لبس فيه، أننا جميعا على استعداد لضمان أمن إسرائيل في سياق إنهاء إسرائيل للاحتلال والسماح بدولة فلسطينية اسأل أي مسؤول إسرائيلي عن خطته للسلام، فلن تحصل على شيء".