إيلاف من أصيلة : شدد مشاركون، مساءالخميس، في جلسة افتتاح ندوة منتدى أصيلة الثانية "النخب العربية في المهجر: التحدي القائم والدور الممكن"،على القول إن موضوع النخب العربية في المهجر "شائك ومتشعب"، لاعتبارات يتداخل فيها ما له علاقة بطبيعة ومكونات هذه النخب، وسياق التعاطي مع انشغالاتها، في علاقة ببلدانها الأصلية أو بلدان الإقامة وما تشهده من تمدد للنزعات الشعبوية وصعود لأحزاب اليمين المتشدد.

وركزت مداخلات المشاركين على الجوانب الإيجابية للهجرات العربية، وأوجه النقص والقصور فيها، ومدى إسهام النخب المهاجرة في بناء صورة إيجابية عن الإنسان العربي، وفي الدفاع عن القضايا العربية الأساسية، مع دعوتهم إلى عدم التعامل مع هذه الجاليات كمصدر للتحويلات المالية، فقط. فيما طُرح نقاش حول "هجرة مضادة"، دفعت من لديهم تكوين رفيع مع دخل جيد، إلى ترك بلد كفرنسا، بحثا عن الطمأنينة.

مستقبل الجاليات
شدد محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، في كلمة الافتتاح، على ارتفاع نسب التنقل في العالم، خلال السنوات العشرين الأخيرة، وذلك بكيفية لم يشهدها التاريخ من قبل.


محمد بن عيسى يلقي كلمة افتتاحية

كما تطرق بن عيسى إلى التطور الذي شهدته الهجرة العربية، مشيرا إلى تمكن أبناء من الجيل الرابع أو الخامس للمهاجرين من الوصول إلى مناصب رفيعة.

وتساءل بن عيسى عن انعكاس وجود نخب عربية في المهجر على مستقبل الجاليات العربية، مشددا على أن هذا الأمر مهم، في ظل التحديات والقوانين التي تحول دون تقدم هذه النخب كما يجب.

أسئلة
قال أحمد زنيبر، الكاتب وأستاذ التعليم العالي ومنسق الجلسة، إنه بات، أمام ما يروجه الإعلام الغربي عن الوجود العربي في أوروبا والأميركيتين، فقد بات لزاما على النخب العربية أن تعيد النظر في مفهوم الهجرة نفسها، مادام أن وجودها يقابله خطاب متشدد، متطرف وإقصائي أحيانا، مع تحدي تقديم صورة إيجابية ومشرقة عن الإسلام والعرب.

وتساءل زنيبر "هل نجحت النخب العربية في تحقيق ذلك؟، وما البدائل التي اقترحتها؟ وكيف تنظر إلى ماضيها وحاضرها ومستقبلها، في ظل ما تشهده الساحة العالمية من تطورات؟".

سيطرة
قالت كاتيا غصن، الناقدة اللبنانية والأستاذة في جامعة باريس الثامنة، إن موضوع النخب العربية في المهجر "شائك ومتشعب"، مشيرة إلى أنها ستتناوله من زاوية النخب الثقافية، وطبيعة مساهماتها والأدوار التي تلعبها في هذا السياق.

وأشارت غصن إلى أن كلمة "العرب"، ضمن عنوان الندوة، تشير إلى كلمة عامة وجامعة تنطوي، في الوقت نفسه، على ثقافات متجذرة ومتنوعة، من منطلق أن لكل بلد عربي خصوصياته، وتاريخه، وهويته، ولغاته، وفنونه، وإرثه الحضاري وتوجهاته، ليبقى من الصعب الحديث عن ثقافة عربية متجانسة.


كاتيا غصن تلقي مداخلتها

ورأت غصن أن النخب العربية في المهجر تبقى أكثر من غيرها، في الأوساط المالية والسياسية وإدارة الأعمال، هي التي تُعرف أكثر ببلدانها الأصلية، وتساهم بشكل كبير وواع في الإنتاج المعرفي عن هذه البلدان، كون هذه الأخيرة هي مصدر إنتاجها ونشاطها.

وأضافت غضن أن اندماج هذه النخب زاد مقارنة بستينيات القرن الماضي، على مستوى التدريس والبحث العلمي، الشيء الذي جعلها تلعب دورا محوريا في الإشعاع الحضاري للبلدان العربية، وذلك على نطاق يتعدى الوسط الأكاديمي، عبر تقريب الجمهور الواسع من الثقافات العربية. لكن إشعاع هذا كله، تضيف غصن، يبقى محدودا وهامشيا بعض الشيء، وغير فاعل في النسيج المجتمعي الغربي.

وتوقفت غصن عند تحديين، أولهما يهم علاقة النخب بالبلدان المحتضنة، فيما يهم ثانيهما علاقة هذه النخب بالبلدان التي تنحدر منها. وتحدثت، في هذا الصدد، عن الهيمنة التي تفرضها، بشكل مباشر أو غير مباشر، التوجهات السياسية الثقافية للبلدان المحتضنة، ومحاولتها تطويع ما يتناقض معها بالسيطرة عليها؛ مع إشارتها إلى أن النفَس الديمقراطي الذي فتح، مع ذلك، مجالات أمام هذه النخب لكي تعبر عن ثقافات وتطلعات بلدانها العربية يشهد اليوم تضييقا لهذه المساحات، بفعل بعض الأحداث التي رسخت لدى الرأي العام صورة سلبية ونمطية عن العربي والمسلم، انعكست سلبا على درجة الإقبال على الرواية العربية، مثلا، كما ساهمت في تراجع الإقبال على دراسة اللغة العربية في الجامعات الفرنسية، وكذا على الدراسات العربية من طرف الطلبة الفرنسيين، الشيء الذي من شأنه أن يعيق حوار الحضارات والثقافات.

إيجابيات ونقائض
تطرق محمد الهادي الدايري، وزير الخارجية الليبي الأسبق، إلى موضوع الجاليات العربية من حيث الإيجابيات والنقائص، مستعرضا أرقاما ومعطيات حول أعدادها وتوزيعها الجغرافي عبر العالم. وأشار، في هذا السياق، إلى أرقام غير رسميةتتحدث عن 13 مليون مهاجر عربي من الجيل الأول فقط، وما يناهز 50 مليونا في المجموع.

وقال الدايري إن الهجرات العربية عرفت تطورات، بقدر ما تطرح فئات منها إسهامات واضحة، تعاني أخرى من تحديات لا يستهان بها. واستعرض، في هذ الصدد، معطيات حول إيجابيات الجاليات العربية، مركزا على حجم التحويلات والاستثمار والسياحة، على مستوى بلدانها الأصلية.

وأعطى الدايري أرقاما من المغرب ومصر ولبنان ، تهم إسهام أبناء هذه الجاليات في تنمية اقتصاديات هذه البلدان. كما تحدث عن معطى إيجابي يتمثل، مثلا، في نجاح جاليات عربية في الاندماج في نسيج بلدان أميركا اللاتينية.

وبخصوص التحديات والعقبات، تطرق الدايري إلى العنصرية والتهميش والتمييز العرقي، وكذا ربْط العرب بالإرهاب، حكوميا ومجتمعيا بشكل يؤدي إلى صدامات وتوترات.
ورأى الدايري أن السؤال الذي يطرح، في نهاية المطاف، يتعلق بمدى إمكانية تعميم النجاحات الفردية في الاندماج في البلدان المحتضنة، ومدى إمكانية تحويلها إلى عملية إدماج للمجموعات الأقل قدرة على الاندماج.
كما تحدث الدايري عن ازدواجية الهوية وضبابيتها التي قد لا تقتصر على المهاجر العادي؛ لتظل الهجرة رهانا كبيرا للدول العربية ولدول الاستقبال، على حد سواء.

هجرة مضادة
من جهته ، تناول الكاتب والروائي والناقد المغربي أحمد المديني قضايا النخب العربية في المهجر، انطلاقا من الحالة الفرنسية، أشار خلالها إلى "الهجرة المضادة"، التي تحدث وتتنامى في صمت، ولا تكاد ترى أو يسمع عنها في خضم الأحداث الاجتماعية والمعضلات الاقتصادية والتحولات الإيديولوجية التي يعرفها هذا البلد، والتي اهتزت معها بقوة مبادئ المساواة وقيم التسامح واستقبال الأجنبي، لينتشر فيها التعصب مع صعود اليمين المتطرف وتصاعد للنزعة العنصرية، الشيء الذي دفع قسما من الجالية العربية إلى التخلي مكرهة عن بلد تحبه، مستحضرا، في هذا السياق، كتابات ومتابعات، تحت عنوان "أن تحب فرنسا وتتركها".
وأوضح المديني أن هؤلاء الذين يتركون فرنسا، لديهم تكوين رفيع مع دخل جيد، لكن لديها مطالب تتعلق بالطمأنينة.

وتساءل المديني عن الأسباب التي تجعل من يحبون فرنسا يغادرونها على مضض، قبل أن يشير إلى أن هذه ال"مضض" ذات طبيعة عقيدية وعرقية وسيكولوجية، بقدر ما هي تعبير عن أزمات كامنة في المجتمع الفرنسي، تتعلق بالتمييز والشعور بالدونية، مقارنة بوضعية الفرنسيين من أصول فرنسية. وشدد المديني على أن هذا الإقصاء لا علاقة له بقيم الجمهورية الفرنسية، مشيرا إلى أن هناك فئة أخرى أكثر تضررا، تتعلق بالمرأة، التي تعاني من مضايقات شخصية واجتماعية، وإحساس بالتمييز والاضطهاد الديني.

مصدر مالي
لم يخف خطار أبو دياب، المحلل السياسي ، وأستاذ العلوم السياسية بالمركز الدولي للجيوبوليتيك في باريس، والذي قدم نفسه كمواطن فرنسي من أصول لبنانية، تضايقه من الطريقة التي قارب بها المديني ورقته، خصوصا تركيزه على الحالة الفرنسية في التعاطي مع قضايا الهجرة والمهاجرين.

ورأى أبو دياب أن "الجالية" لم تعد كلمة تفي بالغرض عند الحديث عن المهاجرين، خصوصا حين يتعلق الأمر بمزدوجي الجنسية.


مطار ابو دياب و احمد المديني

وركز أبو دياب في ورقته على المهاجرين ووضعية النخب هناك، مشيرا إلى أنه ليس هناك حوار عربي - عربي بين النخب العربية التي أصبحت مندمجة، وبين الجاليات بعضها بعضا. ورأى أن هناك مشكلة تتعلق بنقل خلافات الدول العربية إلى المهجر.

وتساءل أبو دياب كيف يمكن للنخب المهاجرة من أصل عربي أن تلعب دورا إيجابيا في قضايا دولها، داعيا إلى عدم التعامل مع الجاليات العربية كمصدر مالي. وقال إن على هذه النخب أن تكون متواضعة، وأن تتفاعل مع قضايا بلدانها، وأن تنقل الحقائق، وأن تعلي من صوت التجارب الصحيحة، من دون تكرار التجارب الخاطئة.

من دون فاعلية
بدوره ، توسع محمد سلماوي، الكاتب المصري ، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "المصري اليوم" الصحفية، في استعراض جغرافيات وتاريخ الهجرات العربية على مدى 200 سنة، رابطا معطياتها بعدد من الأحداث التاريخية المفصلة في تاريخ المنطقة العربية، من قبيل النكبة والنكسة والحرب الأهلية في لبنان، وصولا إلى الحروب والأزمات الأخيرة، علاوة على الظروف الاجتماعية الصعبة التي عرفها ويعرفها عدد من البلدان العربية.


محمد سلماوي يلقي مداخلته

وركز سلماوي على الهجرات العربية إلى الأميركيتين، حيث أعطى لمداخلته عنوان "هل يتحول العرب في الأميركيتين إلى جماعة ضغط مؤثرة؟". وقال إن هذه الهجرات تواصلت منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتقدر بما يقارب 4 ملايين مهاجر، أغلبهم من مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق.

ورأى سلماوي أنه على الرغم من توفر عدة عوامل للجالية العربية، فقد ظل العرب في المهجر قوة بدون فاعلية حقيقية، مقارنة ببعض الجاليات الأخرى، على غرار جماعات الضغط اليهودية.