لم يكن هاشم صفي الدين شخصية هامشية في حزب الله، بل هو مهندس إدارة التنظيم من وراء الكواليس والممسك بخيوط القوة والتمويل.
تربى في بيئة دينية مشبعة بالأفكار الثورية الإيرانية، ليصبح الرجل الثاني في الحزب والمشرف على عملياته السرية. ومع اغتيال حسن نصر الله، توجهت الأنظار إلى صفي الدين ليملأ فراغ القيادة. ومع إعلان مقتله اليوم في غارة استهدفته مطلع الشهر الجاري، يبدو أن على حزب الله النظر في اتجاه اخر للعثور على خليفة لأمينه العام.
إيلاف من بيروت: أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، القضاء على القيادي في حزب الله اللبناني، هاشم صفي الدين. الغارة، التي وُصفت بأنها "الأعنف" منذ اغتيال نصر الله، استهدفت اجتماعًا كان يضم قياديين من حزب الله إلى جانب شخصيات إيرانية بارزة في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
وقد أكدت القناة 12 الإسرائيلية أن الهجمات غير العادية في الضاحية كانت تهدف إلى "خليفة نصر الله" المحتمل.
وصفي الدين مقرب من نصرالله، ومثله رجل دين يرتدي العمامة السوداء، التي تدل على النسب من النبي محمد.
الإعلان عن القضاء على صفي الدين جاء بعد ثلاثة أسابيع من التكهنات حول مصير الخليفة المحتمل لحسن نصر الله. وأشار متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، أن "إسرائيل ليس لديها تأكيد على "مقتل" هاشم صفي الدين، الخليفة المحتمل للأمين العام لحزب الله، وذلك في أعقاب تقارير عن استهدافه في غارة جوية إسرائيلية في الضاحية".
بيان الجيش الإسرائيلي
وقال أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على منصة "إكس"، إن "القيادي الكبير في جماعة حزب الله اللبنانية هاشم صفي الدين قتل".
وأفاد بيان للجيش الإسرائيلي بأنه "يمكن الآن تاكيد خبر قيام جيش الدفاع قبل ثلاثة أسابيع بالقضاء على المدعو هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله والمدعو علي حسين هزيمة قائد ركن الاستخبارات في حزب الله إلى جانب قادة آخرين من التنظيم".
وأضاف البيان: "أغارت طائرات حربية لسلاح الجو بتوجيه استخباري لهيئة الاستخبارات العسكرية على مقر قيادة ركن الاستخبارات في حزب الله الواقعة تحت الأرض في قلب المجتمع المدني في منطقة الضاحية الجنوبية ببيروت".
وتابع: "تواجد داخل مقر القيادة أكثر من 25 عنصرا من ركن الاستخبارات في حزب الله ومن بينهم المدعو صائب عياش مسؤول التجميع الجوي في ركن الاستخبارات ومحمود محمد شاهين مسؤول ركن الاستخبارات لحزب الله في سوريا".
وحسبما ذكر بيان الجيش الإسرائيلي فإنه "تم القضاء برفقة صفي الدين على المدعو علي حسين هزيمة قائد ركن الاستخبارات في حزب الله والذي ساعد خلال مناصبه على توجيه وتنفيذ عمليات إرهابية عديدة ضد قواتنا بما فيها العملية الإرهابية في جنوب لبنان في شباط (فبراير) 1999 وغيرها من العمليات".
وشدد البيان على مواصلة "جيش الدفاع استهداف قادة حزب الله وكل من يشكل تهديدا على دولة إسرائيل ومواطنيها".
من هو هاشم صفي الدين؟
هاشم صفي الدين، المولود في عام 1964 بدير قانون النهر في جنوب لبنان، لم يكن مجرد قيادي في حزب الله، بل كان الرجل الثاني ومهندس إدارة التنظيم.
وينتمي صفي الدين لعائلة ذات تأثير اجتماعي بارز. في شبابه، اتجه لدراسة العلوم الدينية في مدينة قم الإيرانية، التي كانت تشهد تعزيزاً لدورها بعد الثورة الإيرانية، وعُرف بتأثره العميق بالأفكار الثورية الإيرانية.
ظلّ نصر الله ورجل الملفات الحساسة
عاد إلى لبنان في العام 1994 حيث صعد سريعاً في هيكلية حزب الله إلى أن تقلد منصب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله"، وهو المنصب الذي يمثل القيادة التنفيذية للميليشيا، ويشرف على إدارة شؤونه السياسية، وهو أيضا عضو في "مجلس الجهاد"، الذي يدير العمليات العسكرية للجماعة.
بصفته رئيساً للمجلس التنفيذي، لعب صفي الدين دوراً مهماً في إدارة استثمارات "حزب الله" التي تهدف إلى تأمين الاستقلالية المالية للتنظيم. وتمتد هذه الاستثمارات عبر عدة مناطق حول العالم، بما في ذلك العالم العربي، أفريقيا، أوروبا، وأميركا اللاتينية، وتُقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
التأثير السياسي
كمرشح محتمل لخلافة نصر الله، كان صفي الدين يدير العديد من الأنشطة السياسية والعسكرية للحزب، وقد اعتبرته الولايات المتحدة إرهابيًا منذ عام 2017.
وفي حزيران (يونيو) هدد صفي الدين بتصعيد كبير ضد إسرائيل بعد مقتل قائد آخر لحزب الله. وقال في الجنازة: "دع (العدو) يجهز نفسه للبكاء والنحيب". وغالبًا ما تعكس تصريحات صفي الدين العامة موقف حزب الله المسلح وتحالفاته.
علاقاته الوثيقة بإيران وتهديداته ضد إسرائيل جعلت منه هدفًا رئيسيًا في الصراع بين لبنان وإسرائيل. تزوج من ابنة السيد محمد علي الأمين، عضو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، كما عزز هذه العلاقات بزواج ابنه رضا من زينب سليماني، ابنة القائد الإيراني قاسم سليماني، في عام 2020، مما يعكس عمق التحالفات الإقليمية.
التأثر بولاية الفقيه
خلال فترة دراسته في مدينة قم الإيرانية، تأثر هاشم صفي الدين بشكل عميق بالفكر السياسي المرتبط بنظرية "ولاية الفقيه" التي طرحها الإمام الخميني، وسرعان ما أصبح واحدًا من أبرز المؤيدين لهذه النظرية. في إحدى كتاباته، ناقش دور هذه النظرية في توحيد الحركات الإسلامية وتجاوز الانقسامات التي تفرق بينها.
من يخلفه؟
على الرغم من الطابع السري الذي يغلف عملية اختيار القيادة داخل "حزب الله"، إلا أن الدور الحيوي الذي لعبه صفي الدين في إدارة شؤون الحزب يوميًا، بالإضافة إلى المسيرة التي تشابه إلى حد كبير مسيرة حسن نصر الله، قد جعلت منه الأوفر حظًا لتولي القيادة. واليوم، بإعلان مقتله، يواجه حزب الله ضربة قاسية جديدة تُضاف إلى سلسلة الضربات العنيفة التي استهدفت أركان الحزب وقياداته، بدءًا من تفجيرات البيجر وليس انتهاءً بتصفية صفي الدين وتدمير مقرات جمعية القرض الحسن في مناطق متفرقة من بيروت. فمن يخلف صفي الدين الذي لم يسلم ليخلف نصر الله؟
التعليقات