إيلاف من لندن: نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مسودة الاتفاق الجاري العمل عليه لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وهو الاتفاق الذي جاء في أعقاب زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت. المسودة، التي تُظهر ملامح اتفاق قد يعيد رسم معادلة الصراع جنوب لبنان، تحمل بنودًا أثارت تباينًا كبيرًا في الآراء داخل لبنان وخارجه.

بنود الاتفاق: 60 يومًا من الهدنة المشروطة
بحسب الصحيفة، ينص الاتفاق على وقف إطلاق نار تجريبي لمدة 60 يومًا، تتخلله خطوات تهدف إلى تحقيق تهدئة شاملة. أبرز هذه الخطوات:
- انسحاب مقاتلي حزب الله شمال نهر الليطاني مع نقل عتادهم العسكري إلى خارج المنطقة التي طالما اعتُبرت نقطة تماس رئيسية مع إسرائيل.
- انتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في المناطق الجنوبية كبديل عن قوات الحزب، في محاولة لإبراز دور الدولة اللبنانية والقوات الدولية في بسط الأمن.
- انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، الذي شهد خلال الأسابيع الماضية عمليات توغل وتصعيد ميداني. - تشكيل لجنة رقابة دولية تضم دولًا أوروبية كبرى مثل بريطانيا، فرنسا، وألمانيا، إضافة إلى دول أخرى، لمتابعة تنفيذ الاتفاق وضمان الالتزام ببنوده.
- بند يُمكّن إسرائيل من حرية التحرك العسكري إذا اعتبرت أن حزب الله خرق الاتفاق أو استأنف نشاطاته العسكرية جنوب الليطاني.

حزب الله: تحفظ مع إشارات تفاوضية
على الجانب اللبناني، كان رد حزب الله متحفظًا على بعض بنود الاتفاق. وأعلن الأمين العام للحزب نعيم قاسم، خلال كلمة ألقاها يوم الأربعاء، أن الحزب أبدى ملاحظاته على اقتراح وقف إطلاق النار الذي صاغته الولايات المتحدة.
وقال قاسم: "لا يمكن القبول بأي اتفاق لا يحفظ سيادة لبنان ويضع حدًا للعدوان الإسرائيلي"، مشددًا في الوقت ذاته على أن قرار استمرار الحرب بات الآن بيد إسرائيل. ولفت إلى أن الحزب مستعد لاستمرار القتال لفترة طويلة إذا فشلت الجهود السياسية.
لكن في خطوة لافتة، أشار قاسم إلى أن موقف الحزب لا يتعارض مع اتفاق الطائف، وهو تصريح فسره مراقبون بأنه "إشارة إيجابية" لرغبة الحزب في إيجاد صيغة تفاهم تُبقي على التزامه بالإطار الوطني.

المبعوث الأميركي: تفاؤل حذر
في المقابل، وصف المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين أجواء المحادثات التي أجراها في بيروت بأنها "إيجابية"، مؤكدًا إحراز تقدم ملحوظ في النقاشات مع المسؤولين اللبنانيين.
وفي تصريح عقب لقائه برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، قال هوكشتاين: "لقد اقتربنا من صياغة نهائية لاتفاق وقف إطلاق النار، وسأواصل العمل مع الجانب الإسرائيلي لضمان تحقيق اختراق نهائي في هذا الملف".

الموقف الإسرائيلي: شكوك وتحديات
أما في إسرائيل، فقد عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر عن موقف حكومته بوضوح، معتبرًا أن أي اتفاق يجب أن يضمن لإسرائيل "حرية التحرك" في حال رصد أي خروقات من قبل حزب الله.
وأشار ساعر إلى أن إسرائيل ترى في فترة الـ60 يومًا مرحلة اختبار لقدرة الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل على ضبط الوضع الأمني جنوب الليطاني ومنع حزب الله من العودة إلى مواقعه السابقة.
وأضاف أن انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل سيعتمد على نتائج هذا الاختبار، وهو ما يثير شكوكًا في لبنان حول نوايا إسرائيل الحقيقية ومدى التزامها بالاتفاق.

هل تمهد المسودة لاتفاق شامل؟
يعتقد محللون أن المسودة، رغم كونها مؤقتة ومشروطة، قد تمثل خطوة أولى نحو تهدئة طويلة الأمد إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الطرفين. لكن العقبات لا تزال كبيرة، خصوصًا في ظل إصرار إسرائيل على حرية التحرك، ورفض لبنان الشامل لأي شروط تمس سيادته أو تستهدف حزب الله.
في هذا السياق، يعتبر تصريح نعيم قاسم الأخير الذي شدد فيه على الالتزام بسقف الطائف بمثابة تطور مهم، قد يسهم في فتح قنوات حوار أكثر فاعلية بين الأطراف المعنية.
ومع استمرار الوساطة الأميركية والتحركات الدبلوماسية المكثفة، تُجمع التقديرات على أن الساعات الـ48 المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير الاتفاق. فإما أن تشهد المنطقة انفراجًا سياسيًا يقود إلى تهدئة ميدانية، أو تعود الأوضاع إلى التصعيد الذي قد يتجاوز الحدود اللبنانية.

اختبار جديد للأطراف
بين التصريحات المتفائلة من واشنطن والحسابات المعقدة في تل أبيب وبيروت، يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار، إذا تم التوصل إليه، سيشكل "اختبارًا جديدًا" لمدى قدرة الأطراف على الالتزام ببنوده.