إيلاف من سول: أدخل إعلان الرئيس، يون سوك يول، المفاجئ بفرض الأحكام العرفية، ليل الثلاثاء-الأربعاء، كوريا الجنوبية في أزمة سياسية حادة لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ عقود.

ودفعت الأزمة المتصاعدة بين يون والمعارضة بشأن الميزانية العامة الرئيس لاتخاذ خطوته المفاجئة، مبررا إياها بمواجهة "قوى معادية" وتهديدات من الجارة الشمالية، غير أن محاولته انتهت بالفشل بعد ساعات، تحت وطأة ضغوط شعبية وسياسية، إذ سارع البرلمان، الذي تهيمن عليه المعارضة، إلى عقد جلسة طارئة صوّت خلالها على رفض الأحكام العرفية.

وتطورت الأزمة سريعا مع تحرك المعارضة أيضا للتصويت على عزل الرئيس، واصفة قراره بـ"السلوك التمردي" الذي يهدد الديمقراطية في البلاد.

كيف وصلت كوريا إلى هذه الأزمة؟
تعود جذور الأزمة الحالية إلى لحظة وصول يون إلى السلطة في 2022، في انتخابات تاريخية شهدت أضيق هامش فوز، منذ انتهاء الحكم العسكري في الثمانينيات.

وبفارق لم يتجاوز 0.8 بالمئة، اعتلى المدعي العام السابق المتشدد منصب الرئاسة، في انتصار يصفه محللون بأنه جاء تعبيرا عن رفض سلفه الليبرالي أكثر من كونه تأييدا لسياساته.

ومنذ أبريل الماضي، تراجع نفوذ يون السياسي بشكل حاد بعد خسارته الانتخابات العامة للبلاد، وهيمنة المعارضة بأغلبية ساحقة على البرلمان.
وأعقب نتائج الانتخابات استقالات جماعية، شملت رئيس الوزراء وعددا من كبار مساعديه وحلفائه السابقين.

ومنذ خسارته البرلمان، لم تتمكن حكومته من تمرير القوانين التي أرادتها واقتصر دورها على نقض مشاريع القوانين التي أقرتها المعارضة الليبرالية، ليتصاعد التوتر بين الطرفين إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت حد وصفه للبرلمان بأنه "وحش يدمر الديمقراطية".

وتراجعت نسب تأييد الرئيس الكوري إلى مستويات قياسية، لا تتجاوز 19 بالمئة، خلال الأشهر الماضية، خاصة مع تورطه في العديد من فضائح الفساد هذا العام، بما في ذلك واحدة تتعلق بقبول السيدة الأولى حقيبة من العلامة التجارية الفاخرة "ديور"، وأخرى بشأن التلاعب المزعوم بالأسهم.

وفي الشهر الماضي فقط، اضطر إلى إصدار اعتذار على التلفزيون الوطني، قائلا إنه يقوم بإنشاء مكتب للإشراف على واجبات السيدة الأولى. لكنه رفض إجراء تحقيق أوسع، وهو ما كانت تطالب به أحزاب المعارضة.

وفي الأسبوع الماضي، أقرّ نواب المعارضة في لجنة نيابية مقترح ميزانية مخفّضة بشكل كبير. واقتطعت المعارضة نحو 4.1 تريليونات وون (2,8 مليار دولار) من الميزانية التي اقترحها رئيس الجمهورية، وخفّضت صندوق الاحتياط الحكومي وميزانيات النشاطات لمكتب الرئيس والادعاء والشرطة ووكالة التدقيق التابعة للدولة.

واتهم يون، وهو مدعٍ عام سابق، نواب المعارضة باقتطاع "كل الميزانيات الضرورية لوظائف الدولة الأساسية، مثل مكافحة جرائم المخدرات والحفاظ على السلامة العامة"، وبالتالي "تحويل البلاد الى ملاذ آمن للمخدرات وحال من الفوضى في السلامة العامة".

وفي الوقت نفسه، تحركت المعارضة أيضا لعزل أعضاء في مجلس الوزراء وعدة مدعين عامين كبار، بما في ذلك رئيس وكالة التدقيق الحكومية، بسبب ما اعتبرتها فشلهم في التحقيق مع السيدة الأولى.

ماذا الآن؟
وأعلنت أحزاب المعارضة في كوريا الجنوبية، الأربعاء، أنها تقدمت بطلب لعزل الرئيس. وسيتعين على البرلمان التصويت بحلول يوم السبت على ما إذا كان سيفعل ذلك.

وقال ممثلون لستة أحزاب يتقدمها الحزب الديموقراطي، وهو أبرز أحزاب المعارضة، في خطاب مباشر "لقد تقدمنا بطلب عزل تمّ تحضيره على عجل"، مشيرين إلى أنهم سيدرسون موعد طرحه على التصويت.

وتبقى عملية العزل بسيطة نسبياً في كوريا الجنوبية، إذ أن نجاحها، يتطلب دعماً من أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية البالغ عددهم 300 عضو - على الأقل 200 صوت.

وبمجرد الموافقة على العزل، تُعقد محاكمة أمام المحكمة الدستورية - مجلس من تسعة أعضاء يشرف على فروع الحكومة في كوريا الجنوبية.
وإذا صوت ستة من أعضاء المحكمة لتأييد العزل، يتم إقالة الرئيس من منصبه.

وفي حال نجاح خطوة المعارضة لعزل الرئيس، فلن تكون سابقة في البلاد. إذ أنه في عام 2016، تم عزل الرئيسة، بارك جون هاي، بعد اتهامها بمساعدة صديقة في عملية ابتزاز.

وفي عام 2004، تم عزل رئيس آخر، روه مو هيون، وتعليق منصبه لمدة شهرين، قبل أن تعيده المحكمة الدستورية لاحقاً إلى منصبه.
ويرى كثيرون أحداث هذا الأسبوع على أنها أكبر تحدٍ للنظام الديمقراطي في كوريا منذ عقود.

وقال الخبير ليف-إريك إيزلي من جامعة إيوا في سيول: "بدا إعلان يون للأحكام العرفية تجاوزاً قانونياً وخطأً سياسياً، مما يعرض اقتصاد كوريا الجنوبية وأمنها للخطر دون داعٍ".

وتابع في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "بدا الرئيس كسياسي تحت الحصار، يقوم بخطوة يائسة ضد فضائح متزايدة، وعرقلة مؤسسية ودعوات للعزل، والتي من المرجح أن تتكثف جميعها الآن."