إيلاف من بيروت: بعد أن خسر الآلاف من مقاتليه وتعرّضت قيادته لضربات إسرائيلية غير مسبوقة، يواجه حزب الله أكبر اختبار سياسي وعسكري في تاريخه.
فبينما تعاني مناطقه من دمار واسع جراء الحرب الأخيرة، يجد الحزب نفسه مضطرًا لخوض معركة جديدة: كسب ولاء قاعدته الشعبية عبر شبكة مالية محكمة، وبرامج تعويضات مُحكمة، ومجموعات واتساب تُدير تدفّق المساعدات للمتضررين.
لكن هل تكفي هذه الجهود لتعويض التراجع العسكري والسياسي؟ أم أن نفوذ الحزب، الذي استمر لعقود، بدأ بالتآكل؟
شبكة مالية لتعويض المتضررين.. ولكن بشروط
بحسب تحقيق نشرته "فايننشال تايمز"، يعتمد حزب الله على نظام اقتصادي موازٍ لإدارة عمليات إعادة الإعمار، عبر مؤسساته الخيرية والمالية، حيث تم تكليف مؤسسة "جهاد البناء" بمسح المنازل المتضررة وإعادة تأهيلها، بينما تتولى مؤسسة "القرض الحسن" توزيع التعويضات المالية للمتضررين.
وفي خطوة تكشف عن مدى مركزية الحزب في توزيع الدعم، استعرضت الصحيفة رسائل من مسؤول محلي في حزب الله أُرسلت عبر مجموعة واتساب لسكان إحدى القرى الجنوبية، تضمنت جداول بيانات بأسماء المستفيدين، إلى جانب رسائل صوتية تحدد موعد استلام الشيكات. في إحدى الرسائل، قال المسؤول بنبرة مرهقة: "هذه فقط الشيكات التي وصلت حتى الآن، لا أحد يشتكي إذا لم يجد اسمه"، في إشارة إلى الضغط المتزايد الذي يتعرض له الحزب مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في مناطقه.
تعويضات مالية.. ولكن بتفاوت كبير
وفقًا لمصادر حزب الله التي تحدثت للصحيفة، وزّع الحزب تعويضات بقيمة 400 مليون دولار على 140 ألف شخص، حيث حصل أولئك الذين دُمّرت منازلهم بالكامل على مبالغ تتراوح بين 12,000 و14,000 دولار، وهو مبلغ يغطي إيجار منزل جديد لمدة عام مع بعض الأثاث.
لكن العديد من السكان أبدوا غضبهم من البيروقراطية الشديدة في آلية التوزيع، حيث اشترط الحزب تقديم إيصالات ملكية وأوراق رسمية لإثبات الأضرار، وهو ما رأى البعض أنه تكتيك لإبطاء المدفوعات أو تقليلها.
أحد هؤلاء هو أحمد من بعلبك، الذي تضررت شقته بسبب غارة استهدفت مقاتلي الحزب في المبنى نفسه. يقول: "الأضرار في شقتي لا تقل عن 10,000 دولار، لكنهم أعطوني 2,500 دولار فقط!". يضيف بغضب: "نعيش وسط الركام، ونحاول الإصلاح بأنفسنا، حتى المياه الجارية مقطوعة عنا!".
خسائر مالية.. وتراجع الدعم الإيراني
يواجه حزب الله أزمة مالية غير مسبوقة، حيث لم تعد إيران قادرة على دعمه كما في السابق، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وهو ما أدى إلى قطع خطوط الإمداد البرية التي كانت تصل الدعم المالي والأسلحة للحزب عبر دمشق.
وبحسب البنك الدولي، تسبب القصف الإسرائيلي في أضرار مادية لا تقل عن 3.4 مليار دولار، ما يجعل عمليات إعادة الإعمار أكبر بكثير من قدرات حزب الله الحالية. هذا ما دفع نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب، إلى التصريح في كانون الأول (ديسمبر) الماضي: "إعادة الإعمار مسؤولية الحكومة، ونحن سنكون إلى جانبها"، في إشارة إلى رغبة الحزب في نقل العبء المالي إلى الدولة اللبنانية.
لكن المعضلة تكمن في أن الدولة اللبنانية نفسها تعاني أزمة مالية خانقة، فيما تشير مصادر دبلوماسية إلى أن التمويل الدولي المخصص للإعمار قد يتم توجيهه بعيدًا عن حزب الله، في ظل دعم الغرب ودول الخليج لحكومة جديدة تسعى إلى تقليص نفوذ الحزب.
هل بدأ نفوذ الحزب بالتراجع؟
بينما يواصل حزب الله إدارة شبكة المساعدات عبر مؤسساته المالية والاجتماعية، يتزايد الحديث عن مدى قدرته على الاحتفاظ بسيطرته التقليدية في لبنان.
على الصعيد السياسي، تعرض الحزب لضربة كبيرة الشهر الماضي بعد اختيار رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء يُنظر إليهما على أنهما يسعيان إلى الحد من نفوذه. كما أن التمويل الدولي لإعادة الإعمار، المدعوم من الغرب ودول الخليج، قد يتم توجيهه بعيدًا عن مؤسسات الحزب، مما يضعه أمام تحديات اقتصادية إضافية.
ومع ذلك، لا يزال حزب الله يمتلك أوراق قوة، بما في ذلك شبكته التنظيمية المتماسكة. حسين كمال الدين، مسؤول محلي للحزب في قرية صريفا، أوضح للصحيفة أن الحزب يركز الآن على استرضاء قواعده الشعبية، لأنه يدرك أن "الاستنزاف العسكري يجبره على كسب المزيد من الوقت"، مضيفًا أن "لديه مؤسسات قادرة على الصمود".
*أعدت إيلاف التقرير عن فايننشال تايمز: المصدر
التعليقات