إيلاف من دمشق: مع كل خطوة تبدو وكأنها تمضي باتجاه استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، يعود التصعيد إلى الواجهة من جديد، كما لو أن هناك من يحرص على إبقاء فتيل النزاع مشتعلاً. وفي أحدث فصول هذا التصعيد، جاء الحديث عن سقوط صواريخ من طراز "غراد" على الجولان السوري المحتل، زعمت تل أبيب أنها أُطلقت من جنوب سوريا، وتحديدًا من محافظة درعا.
ورغم النفي الرسمي من دمشق لوقوع أي هجوم من هذا النوع أو ارتباطها به، سارعت إسرائيل إلى الرد العسكري، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها تأتي ضمن محاولات لفرض شروط معينة على طاولة التفاوض، أو ربما لنسف المسار التفاوضي برمّته.
يعتقد مراقبون أن هذه الحادثة جاءت كذريعة جاهزة لإسرائيل لإعادة خلط الأوراق في الجنوب السوري، وربما لإعادة رسم خارطة النفوذ هناك. ولا يُستبعد أن يكون طرف ثالث قد تعمّد خلق هذا التوتر عبر إطلاق صواريخ بدائية تفتح الباب أمام تدخل إسرائيلي أوسع، خصوصاً في ظل الحديث المتكرر عن أطراف إقليمية تتضرر من أي تقارب سوري-إسرائيلي محتمل.
في هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية من التصعيد، وسط إشارات إلى مشروع إسرائيلي يسعى إلى إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، تحت ذرائع تتعلق بحماية الأقليات وضمان الأمن الحدودي. وفي المقابل، فإن أي مؤشرات سورية على الانفتاح أو تقديم بوادر حسن نية تقابلها إسرائيل بتصعيد عسكري، في ما يبدو أنه رفض لأي توازن تفاوضي لا تكون فيه صاحبة القرار.
إسرائيل تبدو منزعجة من خطوات التقارب الأمريكي السوري والانفتاح الكبير الذي يبديه الرئيس ترامب تجاه رئيس المرحلة الإنتقالية في سوريا أحمد الشرع وتشعر في مكان ما بأنها ليست في صورة ما يحصل بالكامل وأن واشنطن وإن كانت تراعي مصالح تل أبيب في هذا التقارب فإنها لا تمنحها الصلاحية المطلقة في صياغة تفاهماته وبنوده ولهذا فإنها تريد خلط الأوراق من جديد عبر خلق ذرائع ميدانية في الجنوب السوري تصل من خلالها إلى فرض شروطها على دمشق بعيدا عن الضغوط الأمريكية التي ترغب في إعطاء الرئيس الشرع فرصة حقيقية لإبداء حسن نواياه في العلاقة مع الغرب ومع إسرائيل.
من جهة أخرى، تشير بعض التحليلات إلى أن المشهد لا يمكن فصله عن التوترات الإقليمية الكبرى، خصوصًا ما يتعلق بالوجود الإيراني ودوره في سوريا. فهناك من يرى أن توقيت إطلاق الصواريخ، وتبني جماعات تحمل أسماء مرتبطة بمحاور إقليمية معينة، قد يكون جزءًا من لعبة أوسع تهدف إلى استدراج رد إسرائيلي، ومن ثم إعادة خلط الأوراق على الأرض بطريقة تؤثر على التوازنات الداخلية والإقليمية في آنٍ معًا.
الساحة السورية قد تعطي إيران زخما جديدا للتفاوض مع واشنطن في ظل منع إسرائيل الجيش السوري الجديد من ضبط الأوضاع الأمنية في الجنوب وخلق حالة الفوضى هناك نتيجة إضعافه على خلفية الضربات الإسرائيلية المتكررة على مواقعه.
كما تذهب بعض الآراء إلى اعتبار ما حدث جزءًا من عملية شدّ الحبال بين القوى الفاعلة على الساحة السورية، سواء تلك المتحالفة مع واشنطن أو تل أبيب أو القوى التي تسعى لتثبيت نفوذها عبر مواجهات غير مباشرة، سواء في الجنوب السوري أو عبر جبهات أخرى متصلة، كاليمن أو لبنان.
في المحصلة، يبدو أن إسرائيل تجد في كل حادثة مماثلة فرصة جديدة لإعادة تفعيل استراتيجيتها في الجنوب السوري، مدفوعة برغبة مستمرة في تقويض أي محاولة لإرساء الاستقرار على حدودها الشمالية، وبتوجس دائم من تحول سوريا إلى ساحة توازن إقليمي جديد قد لا تكون تل أبيب فيه صاحبة اليد العليا.




















التعليقات