* الانقسام السياسي له تأثير وأثر سلبي على الدبلوماسية الليبية وهذا ليس شيئا غريبا
* أرسلنا رسائل تطمين للمجتمع الدولي بأن ليبيا تعود وتتعافي من إشكالاتها
* الصراع في ليبيا ليس صراعا في الخارج بل هو صراع داخلي والانقسام داخلي
* حكومة الوحدة الوطنية هي الممثل الرسمي والجهة الوحيدة المعترف بها دوليا وهي التي تنقل صورة ليبيا إلى الخارج
* لا توجد محاصصة وهناك معايير لاختيار السفراء وهم لا يكونون غالبا من قطاع الخارجية وليسوا موظفين فيه
* السياسة الخارجية لكل دولة تبنى على استراتيجية مصالح ..وأينما كانت هناك مصلحة نذهب إليها
* لا أحد يملي علينا ماذا نفعل في هذه القضية أو تلك
* نتمتع بعلاقات طيبة مع كل دول الجوار وليس لدينا أي خلافات مع أي منها
* أكبر هاجس لدينا اليوم مع دول الجوار هو الهاجس الأمني وملف الهجرة غير الشرعية
* العلاقة مع مصر مستقرة،، وموجة العنف والتطرف التي عرفتها ليبيا في 2014 و2015 خلقت هاجسا امنيا لها ولدول الجوار
* في سنة 2025 اتخذت حكومة الوحدة الوطنية قرارا بضرورة وضع السلاح تحت سلطة الدولة
* كانت هناك محاولة لإدماج هؤلاء المسلحين في مؤسسات الدولة لكن حصلت أخطاء في عملية الدمج بسبب عدم الفهم
* ليس سهلا تفكيك التشكيلات المسلحة في وقت قريب إلا في وجود سلطة واحدة موحدة ورئيس منتخب من الشعب ولديه التفويض الشعبي من أجل هذه القرارات
* هناك تنسيق سياسي بين الخارجية المغربية والخارجية الليبية في كثير من المواقف الدولية
* في المنتديات والقمم هناك تنسيق عال جدا وتشاور وتشارك في كثير من القضايا وتبادل لوجهات النظر.
* نتمنى إعادة افتتاح السفارة المغربية في طرابلس كما نتمنى عودة الخطوط الملكية المغربية إلى ليبيا
* حين تقبل الأطراف قرار مجلس الامن 2797 فنحن ليس لدينا إلا المباركة والدعم.
الطاهر الباعور برفقة عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا في احدى المناسبات
إيلاف من طرابلس: في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة الليبية منذ عام 2011، سنة الاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، وما يرافقها من تعقيدات سياسية وأمنية ومؤسساتية، تبرز الدبلوماسية الليبية اليوم كأحد أهم المفاتيح لفهم اتجاهات الأزمة الليبية وآفاق حلّها. وبين محاولات توحيد المؤسسات، ومساعي تثبيت الاستقرار، وتنامي الأدوار الإقليمية والدولية، يجد صانع القرار الليبي نفسه أمام تحديات متعددة تتطلب رؤية واضحة وحضوراً فاعلاً في المحافل الدولية.
في هذا الحوار الذي خص به "إيلاف"، يفتح وزير الخارجية الليبي الطاهر الباعور قلبه وملفاته، ليقدم قراءة معمّقة لوضع الدبلوماسية الليبية، وكيف تسعى حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، إلى استعادة دور ليبيا الطبيعي في محيطها العربي والإفريقي والمتوسطي، رغم الانقسام السياسي الداخلي. ويشرح الوزير الليبي كيف حاولت الحكومة منذ 2021 إعادة بناء شبكات التواصل الخارجي، وإطلاق سياسة خارجية متوازنة تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، مع التمسك بالاستقلالية في التعاطي مع الملفات الإقليمية والدولية، من الحرب الروسية–الأوكرانية إلى الأزمة السودانية.
ويخوض الوزير الباعور بجرأة في قضايا حسّاسة، منها ملف الميليشيات وانتشار السلاح، والعلاقات مع دول الجوار وعلى رأسها تونس والجزائر ومصر، إضافة إلى مستقبل التنسيق بين الرباط وطرابلس، وموقف ليبيا من تطورات قضية الصحراء المغربية.
حوار شامل يجيب عن أسئلة المرحلة، ويكشف ملامح السياسة الخارجية لبلد يسعى لاستعادة توازنه ومكانته في محيطه. وفي ما يلي نصه الكامل:
* في ظل الانقسام السياسي والمؤسساتي الذي تعيشه ليبيا، كيف تصفون اليوم وضع الدبلوماسية الليبية؟ وهل تتحدث ليبيا بصوت واحد في المحافل الدولية أم أن الانقسام ينعكس على أدائها الخارجي؟
- بكل تأكيد، الانقسام السياسي له تأثير وأثر سلبي على الدبلوماسية الليبية، وهذا ليس شيئا غريبا، ولكن الحقيقة أن حكومة الوحدة الوطنية لما استلمت زمام قيادة البلاد في شهر مارس 2021 حاولت إعادة إحياء الدبلوماسية الليبية بحيث تعود ليبيا إلى موقعها الإيجابي ضمن دول جوارها وفي إقليمها العربي والمتوسطي. ومن خلال هذه الرؤية وهذه الاستراتيجية صار في بداية عهد هذه الحكومة كثير من التواصل مع عدد من الدول، سواء في أوروبا أو الدول العربية، وإرسال رسائل تطمين للمجتمع الدولي بأن ليبيا تعود وتتعافي من إشكالاتها.
الصراع في ليبيا ليس صراعا في الخارج، بل هو صراع داخلي، والانقسام داخلي، وبالتالي فتأثيرات الانقسام السياسي في الخارج ليس بذلك التأثير الكبير جدا، وحكومة الوحدة الوطنية هي الممثل الرسمي والجهة الوحيدة المعترف بها دوليا، وبالتالي هي الجهة التي تنقل صورة ليبيا إلى الخارج. ونحن في حكومة الوحدة الوطنية اتبعنا سياسة التوازن منذ البداية وحتى هذه اللحظة. مثلا، البرلمان الليبي وأعضاء البرلمان والسيد رئيس مجلس النواب عندما يرغبون في زيارات خارجية تقوم وزارة الخارجية في طرابلس بترتيب زياراتهم. وهذا دليل على أن العلاقة أو الرسائل التي تبعث للخارج لا تنعكس على الوضع الداخلي.
في سنة 2023، كلفت تسيير وزارة الخارجية، وفي أكتوبر من السنة ذاتها حصلت أحداث غزة، وكان لليبيا في ذلك الوقت حراك ضمن المجموعة العربية؛ وموقف ليبيا من القضية الفلسطينية معروف، من منطلق الانتماء العربي ودعم القضية المركزية العربية. وقد كنا في المجموعة العربية والإسلامية يدا في يد، إلى غاية ما تحقق في الفترة الأخيرة. و كنا داعمين وموجودين في كل الساحات الدولية. وجاءت 2024، وسميناها "سنة العودة إلى إفريقيا". فمن ضمن استراتيجيات وزارة الخارجية الليبية أن البعد الإفريقي مهم جدا بالنسبة لليبيا التي تقع جغرافيا في شمال القارة، وهي مفتاح لعدد من دول جنوب الصحراء والساحل، وبالتالي رأينا أنه يجب أن تعود ليبيا بقوة للمؤسسات الإفريقية؛ وتبعا لذلك أصبحنا موجودين في كل الأحداث الإفريقية، متبنين القضايا الإفريقية، ونحاول بقدر الإمكان أن يعود الدور الليبي في القارة، وإعادة الاستثمارات وإحيائها وتشجيع عودتها، وحلحلة كثير من المشاكل الإدارية والمالية التي اعترت الاستثمارات الليبية في القارة، إذ أصبحنا في الفترة الأخيرة نترأس لجانا، وعدنا للجان الإفريقية، ونحن نترأس اليوم المجلس التنفيذي لوزراء البيئة العرب، ونحن أيضا أعضاء في لجنة الهجرة وسنترأسها العام المقبل، وذلك نظرا لما لهذه اللجنة من أهمية بالنسبة لليبيا، باعتبارها دولة عبور، ومتأثرة تأثرا كاملا بهذه الظاهرة العابرة للحدود. ونحن في حكومة الوحدة الوطنية نمثل رأي وصوت ليبيا في الخارج، ونحاول بكل ما نملك من جهد إعطاء هذا الصوت وهذه الصورة الإيجابية عن ليبيا.
* على مستوى التمثيلية الدبلوماسية،سواء من حيث السفارات أو القنصليات،هل هناك محاصصة دبلوماسية ما بين الشرق والغرب؟
- حقيقة، لا توجد محاصصة، بمعنى الكلمة. هناك معايير لاختيار السفراء. وهم لا يكونون غالبا من قطاع الخارجية، وليسوا موظفين فيه. يتم اختيارهم وفقا لمعايير معينة، من قبل السلطات السيادية في الدولة الليبية، سواء كانوا في المجلس الرئاسي أو الحكومة. وأيضا، نحن في الخارجية نساهم ببعض السفراء من أطر الوزارة. وهذا شيء طبيعي، وبالتالي لا توجد، هنا، نسبة أو "كوتا" في موضوع التمثيل الدبلوماسي للمناطق ولما يسمى المناطق التي لست مقتنعا بها إطلاقا، أي الأقاليم الثلاثة، فليبيا واحدة من الشمال والغرب والجنوب والشرق، ولا يوجد في قاموسي هذا المنطق، لكن لما تأتي من هذا المنطق إلى أرض الواقع، ستجد أن هناك تنوعا من كل المدن وكل الأطراف والمناطق الليبية.
على مستوى القائمين بالأعمال، هناك خضوع لمعايير محددة ولقانون ينظم العمل الدبلوماسي في ليبيا، بحيث تتم عملية الإفادة أربع سنوات في الخارج ومثلها في الداخل، وبالتالي تجد الموظفين موجودين في قوائم وفق عملية التناوب أو الدور الذي تتم فيه الإفادة. مثلا، في 2025 يكون موظفون في الخارجية هم من لهم الأحقية في الابتعاث، وبالتالي نحن نعمل الآن على رفع كفاءة العاملين بالوزارة من خلال التدريب . ونود ان يكون الايفاد من خلال القدرة والكفاءة مع الالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم هذا الجانب.
* دائما في ظل الانقسام السياسي، إلى أي مدى تعتبر السياسة الخارجية لليبيا اليوم، مستقلة. وهل تتعرض لضغوط من قوى إقليمية أو دولية، لدفعها لاتخاذ مواقف معينة؟
- السياسة الخارجية لكل دولة تبنى على استراتيجية مصالح؛ ولا تختلف ليبيا عن بقية الدول. أينما كانت هناك مصلحة نذهب إليها. هناك قضايا إقليمية، وقضايا دولية. وليبيا عضو في الأمم المتحدة، وفي منظمة الاتحاد الإفريقي وفي الجامعة العربية وفي منظمة العمل الإسلامي، وغيرها. وفي كل هذه المنظومة متعددة الأطراف كل لديه وجهة نظر. تنقل لنا الدول رغباتها حول ملفات معينة. ولكن، أؤكد لك أننا مستقلون في هذه الملفات استقلالا تاما، ولا نسمح لتأثيرات الأطراف الأخرى، بل نذهب أينما توجد مصلحتنا. واعطي مثلا على ذلك، بالحرب الأوكرانية-الروسية. نحن لسنا مقتنعين بهذه الحرب، ونرى أنها مشكلة للعالم، وليس فقط لروسيا وأوكرانيا. في ليبيا، نحن بعيدون عن هذه الحرب، ولكننا متأثرون بها مباشرة، لأن كثيرا من إمدادات الغذاء تأتي من روسيا ومن أوكرانيا، وقد تأثرت هذه الإمدادات فأثرت بطبيعتها على الوضع في ليبيا. وبالتالي، يجب على ليبيا أن تكون لديها رؤية للتعامل مع هذه المسألة. ونحن لدينا تواصل جيد مع الجانب الروسي وأيضا مع الجانب الأوكراني. ونحن نحثهم على إيقاف الحرب، وحل المشكل بالطرق السلمية. الرأي الأوروبي يختلف، شأنه شأن الرأي الروسي أو الرأي الصيني. ذلك شأنهم؛ ولكن مصلحتنا هي في وقف الحرب، وبالتالي فتوجهنا أننا لسنا طرفا، وإنما نحن مستعدون للمساهمة في وقف هذه الحرب، ولا أحد يملي علينا ماذا نفعل في هذه القضية أو تلك. المثال الثاني، وهو الأقرب إلينا، يتعلق بالسودان. اذ حاولنا، منذ اندلاع الحرب السودانية-السودانية، الاتصال مع أطراف الصراع، باعتبار السودان دولة جوار، وبكل تأكيد ستتأثر ليبيا بشكل مباشر. وقد تأثرت، فعلا. نحن نتمتع حتى هذه اللحظة بعلاقات جيدة مع طرفي النزاع، وقد حاولنا التوسط بينهما، من أجل وقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للشعب السوداني الذي يعاني من ويلات الحرب. للأسف، هناك أطراف أخرى لا تزال، ربما لا تريد الحل العاجل؛ رغم أننا وصلنا في السنة الماضية، في رمضان، إلى إيقاف الحرب وقلنا إن الفرصة قد تسمح للهدوء ولقاء الإخوة في السودان وإيجاد آلية لوقف الحرب، ولكن للأسف، مثل كل الجهود والمبادرات السابقة، لم يكتب لها النجاح. ونحن نقف مع الشعب السوداني، ومع وحدة واستقلال السودان، ولا نقبل التدخل في شؤونه الداخلية، مثلما لا نقبل التدخل في شؤوننا الداخلية، ونتمنى أن تتوقف المأساة في السودان، في القريب العاجل. هذه أمثلة ومؤشرات حول استقلالية الرأي أو القرار السياسي لليبيا، ونحن نتمسك به وندافع عنه.
* في سياق حديثك عن دول الجوار، كيف تقيمون علاقاتكم مع هذه الدول، وأنا أريد أن أسألكم، هنا، عن تونس والجزائر ومصر وتشاد، خصوصا في ملفات الأمن والحدود والهجرة، وهل هناك رؤية إقليمية لتقليل التوترات المرتبطة بالوضع الليبي، وبتجاذبات الهجرة بين جنوب وشمال الضفة المتوسطية؟
- الحمد لله، نحن نتمتع بعلاقات طيبة مع كل دول الجوار، وليس لدينا أي خلافات مع أي منها. لدينا هواجس مشتركة، بكل تأكيد. أي انفلات في ليبيا سوف تتأثر به هذه الدول بشكل مباشر، سواء تونس أو الجزائر أو النيجر أو تشاد أو السودان ومصر. كلها تتأثر بهذا الوضع. وبالتالي، هناك تنسيق مشترك ما بين هذه الدول وليبيا، في ما يتعلق بالمسائل الأمنية. وهناك أيضا نشاط اقتصادي. في دول الجوار، تجد البيت الواحد مقسوم على اثنين، جزء في تونس وآخر في ليبيا، وهم إخوة وأشقاء. هناك علاقات اجتماعية وعلاقات مصاهرة. وهذا الوضع على الحدود يحتم عليك أنت كسياسي أن تتعامل معه لما فيه مصلحة جميع الأطراف، وإرساء قواعد السلام والتعاون بينها. ويبقى أكبر هاجس لدينا اليوم مع دول الجوار هو الهاجس الأمني وملف الهجرة غير الشرعية. وأنت تعرف أن ليبيا هي دولة ممر للهجرة العابرة، وهي ظاهرة تتشعب إلى الجزائر وتونس وتتأثر بها. وهي تأتينا من النيجر وتشاد ومصر والسودان، وأحيانا حتى من تونس. وبالتالي، لا بد أن يكون هناك تنسيق عالي في كل التفاصيل بين هذه الدول. في السابق، كانت هناك الاتفاقية الرباعية، بين السودان وتشاد وليبيا والنيجر، وقد تعطلت بعد 2011، وقد كانت اتفاقية أمنية بامتياز لمعالجة الهجرة غير الشرعية. نحن اليوم في إطار تفعيل هذه الاتفاقية، وهناك تواصل بين الوزارات المعنية والمختصة بتسهيل من وزارات الخارجية.
دول الجنوب مهمة لنا، على مستوى ملف الهجرة والتبادل الاقتصادي. والاتفاقية مفتوحة لانضمام باقي الدول، ولكن الله غالب، وقدر الله وما شاء فعل. الاتفاقية موجودة، ونسعى لتفعيلها.
*ماذا عن العلاقة مع مصر، هل هي مستقرة؟
- العلاقة مع مصر مستقرة، حاليا. أنت تعرف أنه خلال السنوات الماضية، في 2014 و2015، كانت في ليبيا موجة من العنف والتطرف، خلقت هاجسا أمنيا لمصر ولدول الجوار. الأمن القومي المصري مرتبط بالأمن القومي الليبي، وكذلك الحال بالنسبة للعلاقة مع الجزائر وتونس. الآن، مع حكومة الوحدة الوطنية، حاولنا إقامة عملية توازن في العلاقة ما بين هذه الأطراف. بالنسبة للتبادل التجاري والزيارات هي موجودة، ونلتقي على المستوى العالي ما بين ليبيا ومصر ونتشارك في كثير من المفاهيم، ونتشاور حول إمكانية إيجاد حلول في ليبيا والمساعدة في الوصول فيها إلى حالة الاستقرار الدائم. أنتم تعرفون أن هناك الآلية الثلاثية بين مصر وتونس والجزائر، وهي آلية تحاول أن تخلق مناخا واحدا ورؤية موحدة بين هذه الدول من أجل مساعدة ليبيا على الاستقرار، من منطلق وعيها أنه في حالة استقرار ليبيا ستعم الفائدة الجميع، وليس ليبيا وحدها.
* في سياق حديثكم عن الأمن في المنطقة، أود سؤالكم ما إذا كانت الحكومة الليبية قد استطاعت وضع حد لانتشار الأسلحة التي صارت في متناول كثيرين بعد سقوط نظام العقيد القذافي؟
- هذا سؤال مهم جدا. في سنة 2025، اتخذت حكومة الوحدة الوطنية قرارا بضرورة وضع السلاح تحت سلطة الدولة. ولكن، لكي نفهم هذا الموضوع في ليبيا يجب أن نرجع إلى 2011، وصولا إلى اليوم. في 2011، لما قامت الثورة ضد النظام السابق كان هناك شعب أعزل بدون سلاح، تم الهجوم عليه من قبل قوات أمنية، سواء كانت من الشرطة أو المتطوعين، وكانوا حملة سلاح. ولكن المدنيين انتزعوا السلاح بأيديهم من هذه القوات وصار هناك انتشار كبير جدا للأسلحة. كانت إيديولوجية الثورة في ذلك الوقت مدنية ضد نظام. وبعد سقوط النظام رجعت الحياة نسبيا، لكن لم تكن بالشكل المثالي، وكانت هناك محاولة لإدماج هؤلاء المسلحين في مؤسسات الدولة، سواء في الدفاع أو الداخلية. ولكن حصلت أخطاء في عملية الدمج بسبب عدم الفهم. وكانت هناك معالجات بالمنح والقروض، ولكن التجربة فشلت نتيجة الإدارة السيئة في ذلك الوقت. وفي 2014، حصلت حرب أخرى في ليبيا، كانت خلالها المعركة بين ثوار 17 فبراير الذين قاموا بالثورة وكانوا في خندق واحد، وهم الذين حصل بينهم الخلاف؛ فتغيرت المعطيات وتغير الفكر لينتج الصراع مجموعات أخرى مختلفة، وكانت الإمكانيات لشراء السلاح في 2014 أكبر. وبالتالي، تكونت مجموعات مسلحة أخرى، تمترست خلف سلاحها وأصبحت تجني المكاسب المادية والسياسية من خلال ذلك، وبالتالي صعبت عملية تفكيك هذه المجموعات. وفي 2016، حصلت معركة أخرى ما بين المسلحين. وصار هناك اندماج بين الأيديولوجيتين السابقتين في 2011 و2014 لمحاربة تنظيم داعش والمجموعات المتطرفة، لتتكون مجموعات أخرى، زودت بنوعية متطورة من الأسلحة، رافقها تطور في التدريب. وبعد انتهاء هذه المعركة، رجعت هذه التشكيلات المسلحة أكثر قوة وتماسكا. وفي 2019، حصلت المعركة حين هاجمت قوات الشرق طرابلس. وهي معركة تكونت فيها تشكيلات أخرى، وفكر آخر وإيديولوجيا أخرى. وحين نقارن بين الفكر الإيديولوجي في 2011، وفكر مجموعات 2019، نجد الأمر مختلفا تماما. لما صار هناك انتصار للمجموعات المسلحة صارت أكثر قوة ونفوذا وشراسة وتسلحا ونفوذا. لذلك أصبحت تفرض أجندتها وقراراتها على الدولة التي حاولت في ذلك الوقت امتصاص هذه المجموعات وإدماجها في مؤسساتها. ولكن، للأسف لم يكن هذا الإدماج بالطريقة الصحيحة. فقد كان إدماجا جماعيا لمجموعات مسلحة بشكل شرعن هذه المجموعات في إطار الدولة، وأعطاها لافتة وزارة الداخلية أو الدفاع. ولكن هذا التشكيل موجود بقوته فأصبح الانتماء لقيادة التشكيل وليس لقيادة المؤسسة العسكرية. وبحكم ضمها وإعطائها غطاء الدفاع أو الداخلية، أصبحت هذه الأخيرة مجبرة على أن تدفع لها مرتباتها وتمويلها الذي زاد من فداحة الأخطاء. وبالتالي، أصبحت هذه المجموعات متنفذة وقوية، لذلك اتخذت حكومة الوحدة الوطنية قرارا بحل هذه التشكيلات، فصارت هناك حرب بسيطة وجوبه القرار بشراسة وتم حل تشكيل أو اثنين، وحتى هذه اللحظة، لا تزال الحكومة تحاول جهدها لحلحلة الأمر. ولا أعتقد أنه من السهولة تفكيك هذه التشكيلات المسلحة في وقت قريب، إلا في وجود سلطة واحدة موحدة، ورئيس منتخب من الشعب، ولديه التفويض الشعبي من أجل هذه القرارات، وبالتالي يجب الوصول إلى حل سياسي من أجل إنهاء هذه الإشكالية.
* السيد الوزير، كنت من قادة ثوار 17 فبراير في مصراتة، وحملت السلاح ضد نظام العقيد القذافي، والآن من خلال شرحك المستفيض يتبين أنك قمت بتشريح الوضع الليبي. هل نفهم من كلامكم أنكم متشائمون، وأن مآل حل هذه الميليشيات يتطلب وقتا طويلا؟
- هذا ما فيه شك. يحتاج حل التشكيلات المسلحة إلى وقت طويل. ولكن، كما قلت، للتعامل مع الميليشيات المسلحة يجب أن يكون هناك قرار سياسي واحد، وقرار أمني واحد، وبالتالي حين نصل إلى حالة الاستقرار السياسي والتوحيد السياسي وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وتكون القيادة السياسية والعسكرية موحدة، في هذه اللحظة ربما نبدأ في الكلام عن إعادة إدماج هذه التشكيلات المسلحة لمن يرغب في المؤسسة الأمنية، سواء أكان الدفاع أو الداخلية، بشرط أن يكون الانضمام فرديا وليس جماعيا. فالانضمام الجماعي سوف يعيد الكرّة من جديد، وبالتالي لا يصل بنا إلى حل. يحتاج التفتيت إلى إرادة سياسية وإلى قوانين وضوابط معينة بحيث تنتهي هذه التشكيلات المسلحة، ويجب استخدام كل الأدوات المتوفرة في ليبيا، ومن أهمها العامل الاجتماعي والعامل القبلي، والمدينة والعائلة. فهم جميعا يجب أن يكون لهم دور في هذه المسألة. ولكن القبيلة والمجتمع يحتاجون إلى سلطة واقعية. فكثير من التشكيلات المسلحة ممن تحاورنا معهم، يقولون "لمن أسلم هذا السلاح؟ أعطوني مؤسسة حقيقية أثق فيها، وأسلم السلاح. أما في الوضع المهترئ والضعيف للمؤسسة الأمنية والعسكرية وعدم وجود دولة مستقرة وانتخابات ومؤسسات، فأنا لا أستطيع تسليم سلاحي ولا أستطيع العودة وانتظار أن يحصل لي مثل ما حصل في 2011، لأبحث عن بندقية من أجل الدفاع عن نفسي وعن أسرتي". هذه عوامل مهمة لتفكيك هذه التشكيلات المسلحة.
* أنتقل للحديث عن موضوع العلاقات مع المغرب. فلطالما اعتبرت هذه العلاقات محورية منذ اتفاق الصخيرات. كيف تقيمون اليوم التنسيق بين الرباط وطرابلس، وهل هناك مشاريع جديدة وآليات تواصل مستمرة؟
- نحن دائما نتحدث عن شبه الاستقرار والعملية السياسية في ليبيا التي أتت من اتفاق الصخيرات والرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس والمؤسسة في المغرب، الذين استضافوا المحاورين الليبيين خلال أشهر عديدة ومتعددة، وتحملوا عبء هذه الحوارات.
في الحقيقة، لا نجد في هذه المناسبة إلا كلمات الشكر والثناء على دور المملكة المغربية في هذا الدعم. بكل تأكيد، اليوم القاعدة هو اتفاق الصخيرات الذي يدير هذه العملية السياسية في ليبيا، ولكن أتت بعده حوارات واتفاقات، مثل برلين 1 وبرلين 2 وجنيف. ومن هذا المنطلق نحن ننظر للمغرب، وهو البلد الوسيط الذي يمكن الاعتماد عليه للاستفادة من تجربته في هذا الملف. العلاقات الثنائية بين المغرب وليبيا هي علاقات طيبة وتتمتع بالاستقرار ونتمنى أن تعود إلى قوتها السابقة. هناك عدد كثير من افراد الجالية المغربية في ليبيا، وهي ليست مجرد جالية، بحكم العلاقات الاجتماعية التي انخرطت فيها داخل البلد. هناك تطور للنشاط السياسي، وهناك تبادل لزيارات ما بين الوفود الاقتصادية والمؤسسات الاقتصادية ما بين البلدين. وهناك تنسيق سياسي بين الخارجية المغربية والخارجية الليبية. في كثير من المواقف الدولية في المنتديات والقمم هناك تنسيق عال جدا وتشاور وتشارك في كثير من القضايا وتبادل لوجهات النظر. هناك دعم متبادل بين البلدين في المحافل الدولية. ونتمنى أن يتم إعادة افتتاح السفارة المغربية في طرابلس كما نتمنى عودة الخطوط الملكية المغربية، وأن يكون هناك تطوير اقتصادي، خصوصا وأن هناك فرصا كبيرة يجب الاستفادة منها، ونحن نقدر كثيرا بعض مشاغل الأخوة في المغرب. وهذا شيء طبيعي، وهذه المشاغل تهمهم بقدر ما تهمنا.
* اعتمد مجلس الأمن أخيرا قرارا بشأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية كأساس لحل نزاع الصحراء. ما هو الموقف الرسمي الليبي من هذا التطور؟ وهل ستلتزم ليبيا والخارجية الليبية بقرارات الشرعية الدولية بهذا الخصوص؟
- بالنسبة للالتزام، هذا شيء مفروغ مطلق. الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وحين تقبل الأطراف هذا القرار فنحن ليس لدينا إلا المباركة والدعم. ولكن، نحن ما زلنا ندرس الموقف.ولم نعلن صراحة عن مدى إمكانية دعم الإعلان، لأننا ما زلنا ننتظر المعنيين بذلك إلى أين هم ذاهبون؟ أعتقد أننا في هذه السياسة التي نتبعها نكون مع سياسة الحياد وعدم الدخول في التجاذبات.
























التعليقات