لا يوجد اسوأ من هذه النهاية لمسيرة الثلاثة الاعوام الاخيرة التي قطعتها القضية الفلسطينية ، فالسلطة الوطنية وصلت الى هذه الاوضاع المزرية التي وصلت اليها وحركة "فتح " التي وصفها "الاباء المؤسسون" بانها رقم لا يقبل القسمة بدأت تتشظى عموديا وافقيا وفي كل اتجاه وحركة "حماس" التي جرى الرهان على انها ستكون الرافعة البديلة فقدت كل قيادات الصف الاول، السياسية والعسكرية ، وجرى انهاكها وتفكيكها ولم تحقق اي انجاز.
لم تقبل السلطة الوطنية ان يقول لها الغيورون والحريصون عليها وعلى الشعب الفلسطيني : "يا مايلة انعدلي" وجرى تحويل حركة " فتح " من التنظيم القائد للثورة الى الحزب الحاكم للدولة بينما جرى انهاء "الثورة " ولم تفلح كل محاولات بناء "الدولة " .
ولم تقبل حركة "حماس" ان يقال لها ان عليها الاستفادة من مسيرة الشعب الفلسطيني "العسيرة " الطويلة وان عليها ان تدرك ان عالم اليوم غير عالم الامس وان المناورة البارعة افضل الف مرة من "الاستراتيجية" الارتجالية وان الظروف تقتضي التراجع عندما يكون التراجع ضروريا وعدم التقدم الا اذا كان التقدم مضمون العواقب ويخدم القضية الرئيسية .
لم تقبل حركة "حماس" ان يقال لها ان "عسكرة" الانتفاضة الاخيرة في غير مصلحة القضية الفلسطينية ، في هذه الظروف وفي ضوء متغيرات الوضع الدولي بعد الحادي عشر من ايلول العام 2001 وان العمليات "الانتحارية "التي تستهدف المدنيين الاسرائيليين لا تخدم الا شارون واليمين الاسرائيلي المتطرف وصقور الادارة الاميركية وان عدم التناغم بين المعارضة والسلطة الفلسطينية سيؤدي الى نتائج كارثية .
لقد بقي القائمون على "السلطة " وعلى "فتح" يطربون لمديح الذين يعيشون بطالة سياسية في رام الله وفي غزة وفي عمان وتونس ودمشق ويرفضون الذين ينتقدونهم انطلاقا من الغيرة والحرص والخوف على ان لا يحقق الشعب الفلسطيني اي انجازات يستحقها بعد ان نزف كل هذه الدماء الزكية وقدم كل قوافل الشهداء الابرار هذه وبعد ان ذاق الامرين وواجه من العذاب ما لم يواجهه اي شعب اخر .
لقد بقي القائمون على حركة "حماس" يرفضون اي صوت ناصح واستمروا بما كانوا بدأوه بعد عسكرة الانتفاضة الاخيرة اما اصرارا على تقديرات وقناعات خاطئة واما ارضاء لاتجاهات الذين يريدون محاربة الانظمة التي يعارضونها حتى اخر قطرة من دماء ابناء هذه الحركة المجاهدة فعلا في الضفة الغربية وفي قطاع غزة .
الان وقد بدأت تطل برأسها ملامح ومؤشرات مأساة فلسطينية جديدة ، ستكون اخطر من مأساتي العام 1948 و 1967 اذا لم يجر تدارك الامور قبل فوات الاوان ، فانه لا حل الا بوقوف الشعب الفلسطيني وقفة رجل واحد وبدون تحزبات ولا انحيازات تنظيمية او عشائرية او جهوية ووضع حد لهذا العبث وتدارك الامور قبل السقوط الى الهاوية.