الأحد: 13. 11. 2005

القمص مرقس عزيز خليل


من المعروف عن قداسة البابا أنه يقرض الشعر باتقان ممتاز. فمتي بدأت هذه الملكة عند قداسته؟ وكيف قام بتنميتها وصقلها حتي أصبحت بهذه القوة؟ يقول قداسة البابا :»بدأت ملكة الشعر عندي منذ سنة ثانية ثانوي التي تعادل ثالثة اعدادي حاليا.. وكان ذلك سنة ،1938 وكنت وقتها اقرض الشعر بطريقة غير مدروسة. ومن سنة 1938 تعلمت قواعد الشعر. وأصبحت أنظم شعرا موزونا، يعني لا أخجل من أن اسميه شعرا.
وكان الشعر الذي اقرضه سهلا وإن وجدت كلمة صعبة أحاول أن اتفاداها بكلمة سهلة لدرجة أن بعض التلاميذ الصغار كانوا يحفظونه هم أيضا. واختار الموسيقي اللطيفة التي تناسب الشعر، أقصد الوزن الذي يناسبه والألفاظ السهلة التي يمكن أن تستخدم. كنت أقول الشعر الرصين وفي نفس الوقت أقول الزجل والشعر الفكاهي وألوانا من هذا النوع. اتذكر من بين الأبيات القديمة جدا التي ربما أكون قد نظمتها وأنا تلميذ في ثانوي سنة 1940 أو 1941 عندما كنت أري أن الناس إما أغنياء جدا أو فقراء بجوارهم لا يجدون قوتهم، فقلت عن الإنسان الفقير وسط هؤلاء الناس:
حوله الأنهار تجري.. وبها عذب الماء.. وهو صاد يتشهي.. قطرة تشفي صداه
جف منه الحلق لكن.. قد تندت مقلتاه.. بح منه الصوت من.. قوله دوما آه.. آه
وفي صغري علي الرغم من الخجل، كان عندي روح مرح وفي حفلات الكلية كنت القي بعض الأزجال أو الأشعار الفكاهية، مثلا كانت الجغرافيا صعبة ويرسب فيها الطلبة دائما فكتبت مرة زجلا عنها قلت فيه:
حاجة غريبة بأدخلها.. بالعافية في مخي ما تدخلش
ورياح مبلولة تجيب ميه.. ورياح جافة ما تمطرش
ورياح بتساحل في الساحل.. تتبع تعريجه وتمشي
ورياح بتغير وجهتها.. ورياح تمشي ما تحودش
أنا عقلي اتلخبط بين دي وديه.. بين ديه وديه ما افرقش
حاجة غريبة بأدخلها.. بالعافية في مخي ما تدخلش
العجيب أنني بعد ذلك درست جغرافيا.. لكن الزجل أيام ما كنا طلبة«.
يستطرد قداسة البابا شنودة قائلا »مرة حكاية الشعر دي كانت ستفقدني حياتي.. اذكر هذه القصة تماما.. عندما كنت في الجيش، كنا نخرج في طابور بحر، إما في معسكر بسيدي بشر أو بمعسكر في المندرة.. وأنا لم أكن أعرف السباحة ومازلت.. في سيدي بشر كان عمق المياه علي الشاطئ بسيطا ويستطيع الشخص أن يمشي فيه مدة طويلة دون أن يجد عمقا للمياه.. فكان البعض قد قالوا لي إنه عندما ينام الإنسان علي ظهره تماما ويبسط جسمه ويبسط ذراعيه، فإن الموجة تحركه دون أن يعوم.. أنا عملت كده تماما وبسطت ظهري فوجدت فوقي السماء والنجوم وبدأت أؤلف شعرا. تذكرت أنني لا أعرف العوم وقلت لنفسي ماذا سأفعل لو قادتني الموجة إلي مسافة بعيدة، فكيف سأعود؟.. رحت واقف لقيت الميه كده لحد رقبتي.. يعني لو كنت انتظرت دقيقة واحدة تاني.. كنت خلاص حأكمل خدمتي في كنيسة الأبكار »انتقل من هذا العالم« وفضلت اجاهد علشان أصل للشاطئ وكل ما أدوس ألاقي الأرض بتجري من تحت مني.. أشكر ربنا أني وصلت للشاطئ، ولم أعد أؤلف شعرا وأنا نائم فوق المياه مرة أخري«.
يقول قداسته: اتذكر أنني كتبت قصيدة وأنا متشعلق في مترو مصر الجديدة والهواء يعصف بي وقلت فيها: قم حطم الشيطان لا.. تبقي لدولته بقية.. قم بشر الموتي وقل.. غفرت لكم تلك الخطية.
ويقول: »عندما دخلت في الحياة الدينية العميقة تخلصت من كل الأشعار القديمة إلا ما بقي في ذاكرتي من بعض أبيات قليلة. وبدأ الشعر يأخذ ناحية دينية يعني اعتقد أنني في سنة 1945 في سنة ثانية كلية الآداب قلت قصيدة: هو ذا الثوب خذيه.. إن قلبي ليس فيه.. عن يوسف الصديق.
وفي ثالثة كلية الآداب سنة 1946 كتبت قصيدة: غريبا عشت في الدنيا.. نزيلا مثل ابائي.. غريبا في أساليبي.. وأفكاري وأهوائي.. تحار الناس ما ألفي.. ولا يدرون ما بائي ومن هذه القصائد كان يتضح اتجاهي الديني وأنا طالب في الكلية، وفي سنة 1947 كنت طالبا في الكلية الأكليريكية، ومنذ ذلك الحين بدأ شعري يأخذ الاتجاه الديني والصوفي والروحي. وعندما بدأت أكتب في مجلة مدارس الأحد صدر العدد الأول من المجلة في أبريل 1947 وكان يحمل لي قصيدة هي: كم قسا الظلم عليك.. كم سعي الموت إليك.
وظلت القصائد بهذا الشكل تتوالي.. وفي الرهبنة كان لدي وقت وأنا في الدير لكي انشد شعرا. وعندما كنت في المغارة نظمت بعض القصائد حيث كنت في الجبل وتمر علي الأسابيع بالمغارة لا أري وجه إنسان فنظمت قصيدة »همسة حب« التي تم تلحينها ويرتلها الناس حاليا والتي أولها:
قلبي الخفاق أضحي مضجعك.. في حنايا الصدر أخفي موضعك
ونظمت أيضا قصيدة »من تكون« و»كيف أنسي«، وحاليا ليس لدي وقت أنظم فيه شعرا، فكلما أردت أن أنظم قصيدة أجد أمامي الكثير من المسئوليات من كتابة مقالات أو كتب أو خلافه«.