أنيس منصور

رفضوا حاضرهم، لأنهم لا يعرفون مستقبلهم. ولو عرفوا ما رفضوا. فالشاب تشرشل أحب فتاة من النبلاء. بعث إليها بعشرات الخطابات. فلم ترد. بعث إليها من يقول انه يريدها زوجة فاعتذرت، وأخيرا عرض أحفاد هذه النبيلة رسائل تشرشل إليها في مزاد علني، فاشترى أحفاد تشرشل هذه الرسائل الغرامية العنيفة!

الضابط عبد الناصر تقدم لفتاة فاعتذر أهلها، وكذلك الضابط معمر القذافي..

والشيخ سعد زغلول، الذي صار زعيم مصر بعد ذلك. كان طالبا في الأزهر. وكان مثل غيره من الطلبة يجلسون على الرصيف يتطلعون إلى الفتيات. ولكنه كان عف اللسان (عفيف القلب)، كما يقول الباحث الكبير د. زكي مبارك.. فلك النظرة الأولى وعليك الثانية.

وفي يوم نظر من النافذة فوجد جارته جميلة. فاكتفي بالنظرة الأولى. وتحرك القلب والتهب. والحديث الشريف يقول laquo;من أحب فعف فكتم مات شهيداraquo;. وتقدم الشيخ سعد زغلول يطلب يد الحسناء، فاعتذر أبوها دون حاجة إلى إبداء الأسباب. فأين الشيخ سعد من أبيها الغني صاحب الحسب والنسب. ولم يطق سعد زغلول صبرا فترك حي الأزهر، وعمل محاميا، وخلع الجبة والقفطان والعمامة وصار الافوكاتو سعد زغلول أفندي، وتقدم لبنت مصطفى باشا فهمي رئيس الوزراء. ووافق الباشا وكانت زوجته هي (صفية زغلول) أم المصريين. وصعد زغلول في السياسة وأقيمت له الحفلات والاحتفالات. وتشاء الصدفة أن الرجل الذي رفض الشيخ سعد زغلول زوجا لبنته يقيم لسعد زغلول باشا حفلا بمناسبة عودته من أوروبا.

وقال الذين عرفوا غرام سعد باشا إن الرجل كان مهموما وكان يتمنى أن يرى المحبوبة وحدها أو مع زوجها. وكان يتلفت يمينا وشمالا، ولم يكن سعيدا تماما بحفاوة الأب الذي نسي أنه رفضه. ولكن الباشا لم ينس ويقول الذين شاهدوه في تلك الليلة إن دمعتين نزلتا من هنا ومن هناك من عيني الباشا سعد حزنا علي الشيخ سعد..

يقول أستاذنا توفيق الحكيم إن د.طه حسين لم ينس حبه الأول! ويقول الشاعر كامل الشناوي إن توفيق الحكيم لم ينس حبه الأول. وأقول أنا إن كامل الشناوي لم ينس حبه الأول والحقيقي لإحدى المدرسات التي كان يبعث معنا إليها خطابات ووردا..

وكان لأستاذنا الفيلسوف د. عبد الرحمن بدوي حب وحيد، وكان حريصا على كتمانه. ولكنه في آخر أيامه وضع هذا الحب عن قلبه، وقال رغم تعدد الغراميات في حياته هنا وفي باريس إلا أن هذا هو الحب الأول والأخير..

وقال الصحفي الكبير مصطفى أمين إن سعد باشا زغلول قد وضع لافتة في مكتبه عندما كان محاميا وعلى هذه اللافتة بيت شعر غريب. ولكن معناه في أعماق سعد زغلول. يقول بيت الشعر:

وإذا دعيت الى تناسي عهدكم

ألغت أحشائي بذاك حشاها

إذن هو أيضا لم ينس!