الإثنين: 2006.10.2

عائشة المري

أصبح الشرق الأوسط في السنوات الماضية بؤرة التوترات النووية على مستوى العالم ndash;عدا شبه الجزيرة الكورية- وبدا جلياً أن كل الطرق النووية تؤدي للشرق الأوسط. فمنذ أن بدأت عملية الانتشار النووي تتجاوز الدول النووية الكبرى؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، إلى القوى الإقليمية؛ كالبرازيل وإسرائيل والأرجنتين والهند وباكستان وجنوب أفريقيا، برزت الأزمات النووية بالمنطقة منذ استهداف إسرائيل لمفاعل quot;تموزquot; العراقى في أوائل الثمانينيات، ثم استهداف العراق لمنشآت مفاعل بوشهر الإيرانى. وفي أوائل التسعينيات تتابعت الأزمات على الساحة الدولية متجسدة بحالتي العراق وكوريا الشمالية، وشهد العراق منذ أوساط التسعينيات عمليات تفتيش ومراقبة لم تنته حتى تفجرت الحرب الأميركية البريطانية ضده بحجة قيامه بتنشيط برنامجه النووي في الفترة ما بين عامي 1998 و 2003، وهو ما اتضح لاحقاً كذبه. ثم كان اكتشاف البرنامج النووي الليبي السري الذي سرعان ما تنازلت عنه طرابلس عام 2003، ثم أزمة الملف النووي الإيراني التي لا تزال مستمرة مثيرة فصولاً من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. وعلى الرغم من أن التطورات التكنولوجية في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية آخذة بالتزايد، فمن استخدامات الطاقة النووية في مفاعلات إنتاج الكهرباء إلى استخدامها في البحوث والتطوير والأغراض الطبية والزراعية والصناعية، وحتى تطوير المفاعلات البحثية... إلا أن الأبعاد العسكرية لا تزال تسيطر على حيازة القدرات النووية، مثيرة قلقاً مشروعاً من تحول الاستخدامات السلمية للطاقة النووية إلى استخدامات عسكرية.
وسط الأجواء الغائمة بالاحتمالات والتصعيد والتهدئة، دخلت مصر على الخط النووي بعد أن أكد رئيسها محمد حسني مبارك في المؤتمر السنوي لـquot;الحزب الوطني الديمقراطيquot; الحاكم ما كان قد أعلنه نجله الكبير جمال مبارك والمسؤول البارز في الحزب، من أن الوقت حان لتبدأ مصر التفكير بمصادر طاقة بديلة وquot;منها الطاقة النوويةquot;. وهي نقطة لا يمكن إغفالها على الساحة المصرية؛ ففي اللعبة السياسية جاءت المبادرة من الابن ليتبناها الحزب وليؤكد عليها الرئيس بقوله إن quot;علينا أن نجدد استفادتنا من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، بما في ذلك الاستخدامات السلمية للطاقة النوويةquot;، ودعا للاستفادة من التقدم العلمي للتمكن من استعمال هذه الطاقة.
وبعيداً عن لعبة التوريث السياسي التي ظهرت بوادرها في مصر بعد أن ظهرت أعراض السياسة على الابن الأكبر للرئيس منذ عدة سنوات، وبعد أن بدأ بالانغماس في الحياة السياسية، فإن حديث اليوم في مصر حديث نووي لا quot;توريثيquot;؛ ذلك أن الخيار النووي المصري يثير تساؤلات مشروعة حول إعادة إحياء البرنامج النووي المصري من ناحية مسألة التوقيت ومسألة المكان، فهل هي مسألة تندرج في خانة الاقتصاد أم السياسة أم الأمن أم كلها معاً؟
إن الدولة التي تمتلك قدرات نووية هي الدولة التي تمتلك المعارف النووية الأساسية والكوادر العلمية ومراكز الأبحاث والتطبيق، ومن المعروف أن البرنامج النووي المصري هو من أقدم البرامج المشابهة في المنطقة، حيث كانت مصر من أوائل الدول العربية التي اهتمت بتطوير مشروع نووي، وذلك في عام 1955 عندما شاركت في مؤتمر الأمم المتحدة الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بجنيف، وفي عام 1956 عقدت مصر أولى اتفاقاتها النووية مع الاتحاد السوفييتي، وتمكنت من الحصول على أول مفاعل نووي للبحوث، وكانت تلك الاتفاقية بداية تكوين الخبرة والتدريب. وقد بدا في حينه أن المشروع النووي المصري يتقدم ويتطور بوتيرة متسارعة، إلى أن توقف بعد هزيمة يونيو 1967. وفي سبعينيات القرن نفسه، كانت المحاولة المصرية الثانية في سبيل بناء مفاعلات للطاقة النووية، بعد أن عرض الرئيس الأميركي نيكسون تقديم مفاعلات نووية لكل من مصر وإسرائيل، إلا أن المشروع تعثر لظروف سياسية خاصة إثر توقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وهجرة معظم علماء الذرة المصريين خارج البلاد ومن ثم انضمام مصر إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1981. استمرت الجهود المصرية خلال عقد الثمانينيات لإنشاء مفاعل للبحوث ومفاعلات لتوليد الطاقة الكهربائية، حتى تخلت مصر عن الخيار النووي بعد حادثة تشيرنوبيل عام 1988، ثم توقيعها لاتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية في ديسمبر عام 1996. وهكذا لم تدخل مصر إلى النادي النووي السلمي. وجدير بالذكر أن مصر كانت من أوائل المشاركين في صياغة الاتفاقيات الخاصة بنزع السلاح، من خلال عضويتها في لجنة الدول الثماني عشرة لنزع السلاح النووي التي أُنشئت عام 1961، هذا بالإضافة إلى تبني الدبلوماسية المصرية لمبادرة إنشاء منطقة شرق أوسطية خالية من الأسلحة النووية... كل ذلك لتقليص التسلح في منطقة الشرق الأوسط ودعم الأمن والاستقرار؛ فمصر لم تتمكن رغم طول تجربتها ورغم توفر العوامل الرئيسية اللازمة، من المضي في البرنامج النووي. فالإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية لم تكونا واضحتين في هذا الشأن.
تخمة نووية تجتاح الشرق الأوسط، فمع حقيقة أن إسرائيل تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً مكنها من امتلاك المئات من الروؤس النووية، وهو برنامج غير خاضع للضمانات النووية الدولية، فقد دخلت أيضاً الهند وباكستان تباعاً النادي النووي، وظهرت مؤشرات لعدة برامج نووية quot;سلميةquot; أخرى؛ فإيران بامتلاكها للقدرة الفنية والتكنولوجية وتوافر الإرادة السياسية والدعم الشعبي، تمكنت من إحداث نقلة في برنامجها النووي بإعلانها امتلاك التكنولوجيا اللازمة لتخصيب اليورانيوم، حيث فرضت واقعاً نووياً جديداً في الشرق الأوسط، وفتحت الباب على مصراعيه للدول الأخرى للمضي في الطريق النووي. ومع الإبقاء على خيار quot;شرق أوسط خال من الأسلحة النوويةquot;، تبقى مسألة الاستخدامات السلمية للطاقة النووية مطروحة وبقوة.
الخيار النووي المصري لقي ترحيباً من الولايات المتحدة الأميركية، وقد صرح السفير الأميركي في القاهرة بأن بلاده لا تعترض على الاستخدام السلمي للطاقة النووية. ويتوقع ألا تواجه مصر نفس المشاكل التي واجهتها إيران، وفي الوقت ذاته فقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الطموحات النووية المصرية لا تشكل تهديداً عسكرياً على إسرائيل، وبناء مفاعلات نووية جديدة لمصر لا تشبه بأي شكل ما يحاول الإيرانيون القيام به، وأن البرنامج النووي المصري يندرج ضمن التصنيف المدني للطاقة. فهل الدعم الأميركي والموافقة الإسرائيلية، مؤشر على أن المشروع المصري يأتي كمشروع مقابل للمشروع الإيراني؟ صحيح أن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية حق مشروع لكافة الدول، ومصر دولة عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وملتزمة بمعاهدة حظر استخدامها، وستكون كل أنشطتها واضحة وسلمية وتحت مراقبة الوكالة. إلا أن الخيار النووي في منطقة متفجرة يبقى خيار الشعوب لا خيار الحكومات، فمع كل الملفات الشائكة التي تحيط بالمنطقة يبقى الملف النووي أكثرها تعقيداً، فتأثيراته تمتد لأجيال وأجيال قادمة.