عبد الرحمن الراشد
عندما كنت أرى سيدات بعباءاتهن السوداء ووجوههن المغطاة تماما يعبرن الشارع المجاور لمكتب الجريدة، قبل نحو خمس سنوات ظننتهن في البداية سائحات خليجيات جئن بالخطأ الى هذا الحي البعيد، لكن بعد حين تبين أنهن بريطانيات من أصول آسيوية هندية بدأن لبس النقاب الذي كان مجهولا في مجتمعهن.
الآن صار الحجاب ظاهرة تناقش في العاصمة البريطانية كما ناقشته العواصم العربية خلال السنين الأخيرة، بعد ان اجتاح حديثا الحواضر الكبيرة كالقاهرة ودمشق والدار البيضاء وعمان. والذي علق الجرس هو وزير الخارجية السابق جاك سترو، بعد ان قال انه ضد الحجاب لأنه سبب فرقة بين المواطنين مسلمين وغيرهم من بقية فئات المجتمع.
ومع أنني قرأت العديد من المقالات والتصريحات، إلا أن أحدا لم يوضح للناس ما هو الحجاب محل الاعتراض، حتى ثارت قصة المدرسة الشابة عائشة عزمي، 24 عاما، حيث شاهدها الملايين فلا يظهر من وجهها إلا عيناها. من قضيتها فهمنا أن المقصود الحجاب.
عائشة خلطت الأوراق على المسلمين، وشوشت على الإنجليز، وسهلت النقد ضد التحجب. فالوزير سمى النقاب حجابا الذي يختلط فهمه حتى عند المسلمين. النقاب الكامل سمة تكاد تكون خاصة بالمجتمع الخليجي إلى قبل اقل من عقد، حيث سافرت العادة مع المقيمات العربيات والمسلمات ممن عشن في دول الخليج. والى القريب لم ير أحد امرأة منقبة، أو تلبس عباءة سوداء، الا في احياء السياح العرب وبعض المستشفيات.
وأرجح ان تفشل المنقبات في ادارة معركتهن أولا لأنهن اقلية داخل الأقلية، والعديد من المسلمين لا يعترفون به زيا اسلاميا ملزما، وهكذا. سترو قال ما لم يقله من الاكثرية الصامتة انه لا يستطيع ان يجلس قبالة امرأة محجبة، يعني منقبة، laquo;لا أستطيع مخاطبة من لا أرى وجههاraquo;. ثم قال طلاب المدرسة الشيء نفسه، وانهم لا يفهمون شيئا من مدرستهم عائشة، لأنها تغطي فمها ووجهها. وقد تعود مرة ثانية الى وظيفتها بعد ان لمحت الى انها مستعدة لخلع نقابها. وأكبر سند للمنقبات والمحجبات في بريطانيا هم الليبراليون واليساريون الذين يعتبرون حرية اللبس من اسس الحريات في بلد يقدسها. كتبت مدافعة عنهن في الصنداي تايمز انديا نايتس، ان المسلمين اليوم هم يهود الأمس، تعني ان ما يحدث اضطهاد لبسا ووجودا. بخلافها نبه رسام الكاريكاتير الى الضجة حول المحجبات، فرسم اشخاصا مصدومين يطالعون في امرأتين منقبتين، يقول احدهم laquo;ظننت ان الحجاب هدفه السترraquo;.
سترو أثار النقاش عامدا، رغم انه قال إنه لم يظن ان تعليقه يثير كل هذه الضجة. أجزم أنه أراد ان يمتحن المسألة كونه شخصية سياسية مؤثرة بحكم رئاسته لمجلس العموم، ومسكنه يقع على خط التماس، حيث توجد في منطقته الانتخابية بلاك بيرن جالية اسلامية، فأثار رأيه جدلا كبيرا لأن المجتمع بات جاهزا للحديث عن الحجاب بعلانية ولم ينقصه الا من يعلق الجرس.
التعليقات