الثلاثاء 17 تشرينالأول 2006
أنا لست عالماً ولا مراقباً ملتزماً أو مفكراً
| ||||||
ترجمة-كوليت مرشليان، المستقبل
نشرت مجلة quot;لونوفيل اوبسرفاتورquot; الفرنسية أوراقاً غير منشورة من اعمال المحلل النفسي سيغموند فرويد، وأهم ما تحمله هذه الأوراق ان في دراسات له أو في رسائل وجهها إلى أصدقاء وزملاء، بعض الملامح عن كيفية ولادة quot;التحليل النفسيquot; لديه. ننقل إلى العربية بعض الرسائل التي وجهها الى طبيبه الخاص وصديقه ويلهمام فلياس الذي كان يكتب له ويشكو له همومه الصحية والنفسية ايضا، وكان فرويد يسعى دائماً الى معرفة رأيه كطبيب في افكار جريئة له تربط صحة او فيزيولوجية الكائن البشري بوضعه النفسي.
الرسالة 85، صداقة ضائعة: 1 كانون الثاني 1896
اللحظة الأولى الجميلة من هذه السنة احتفظ بها لك لأقول ... كم تفرحني الاخبار الجديدة التي تصلني منك ... وأنك اليوم قد اصبح لديك ابن وهذا يعني الوعد ايضا بابناء آخرين ... لأن الذين هم من نوعك ومن صلبك لا يجب ان يختفوا، ونحن ايضا بحاجة الى اشخاص مثلك. أنا أدين لك بكل شيء، فأنت تهدئ من روعي، تجعلني مطمئناً وتدعمني في وحدتي لأجد معنىً لحياتي وأخيراً صحتي التي لولا اهتمامك لما كانت على ما هي عليه.
وأنا بالتحديد استناداً الى صورتك ومثالك أحاول أن استمد قوة منك لأثق أكثر بانجازاتي، لأنك ـ أنت وحدك تجعلني أواجه بثقة وقوة كل صعوبات المستقبل. من أجل هذا كله، اذا انا اشكرك! أعرف أنك لست بحاجة اليّ كما انا بحاجة اليك ولكني اعرف ان لي منزلة مهمة في قلبك.
... تحتوي رسائلك على مجموعة كبيرة من الأفكار ومن الأحاسيس الصائبة علمياً لكنني لا استطيع أن أقول شيئاً أكثر من أنها تأسرني. والفكرة الوحيدة التي تفرحني والتي استطيع أن أشعر بها الآن هي اننا ننشغل في عمل مشترك. وأرى، انك من خلال الطب، تتوصل الى فكرة مثالية وواضحة حول فهم فيزيولوجية الكائن البشري تماماً كما أنني شخصياً أعمد بشكل سري الى التوصل عبر الاساليب عينها إلى الفلسفة. ...
رسالة 244/فيينا، 7 أيار 1900
أشكرك على كلماتك الحارة! إنها تشعرني بالفخر أو على الأقل أن اصدق جزءاً منها... ليتني كنت بقربك . ... لا احد يستطيع أن يأخذ مكان صديق، وثمة أصوات داخلية تقول لي انه علي ان احب اعمالي التي تتحدث عنها.
حين سيصير عملك جاهزاً امامنا (بالطبع يقصد فرويد في ذلك التاريخ كتاب quot;مسار الحياةquot; الذي يصدر عام 1906)، سوف يحكم عليه بالوقاحة من قبل القيمين وبالطبع هذا ما يحصل مع الانجازات الكبيرة ... اما بالنسبة لي فالأمر مختلف، وأنا وحدي استطيع ان اجزم في هذه الأمور ... لأنها جديدة في محتواها.
رسالة رقم 39، فيينا، 19 نيسان 1894: فحوصات طبية.
... منذ ذلك التاريخ (أي منذ 3 أسابيع)، (ويبدو أن فلياس نصحه بالامتناع عن التدخين من جديد) وحقيقة منذ ذلك التاريخ وأنا لم أتلمس اي شيء ساخن بين شفتي، وأستطيع منذ اليوم ان انظر الى المدخنين من دون ان احسدهم ومن دون رغبة بالعودة الى التدخين الامر الذي اصبح سهلاً علي لأستعيد حياتي وعملي في اسلوب جديد .. ومأساة الحرمان تلك كانت اصعب مما توقعت، ولكن اليس الأمر طبيعياً؟
.. وهكذا فجأة ظهرت هذه الازمة ـ المأساة القلبية وأصعب مما كنت اعاني منه وأنا أدهن، فكانت دقات القلب غير منتظمة، وكان ضغط القلب مرتفعاً وبشكل مستمر ورحت اشعر بضيق وحرقة وكأن النار تطلع من جسمي صوب ذراعي اليسرى ... وكل هذا استمر ويمكن ان اقول انه استمر طوال ثلثي النهار وكل هذا مصحوب بما يعكر مزاجي طوال الوقت وتترجم الأمر بصور ومشاهدات فيها الموت والوداعات صارت تأتيني باستمرار في فترات هذيانية متلاحقة ...
رسالة 43 ـ 22 حزيران 1894
... لدي احساس متواصل بفكرة فيها شيء من التنازل ولا أستطيع أن أشرحها علمياً، وهي انني سوف اعاني من مشاكل صحية متنوعة طوال 4 أو 5 أو 8 سنوات مع فترات زمنية سيئة وأحياناً جيدة وبعدها ما بين 40 عاما و50 عاما سوف اموت فجأة بذبحة قلبية، واذا ما حصل ذلك باكراً أي في حدود عمر الأربعين، سيكون الأمر افضل ...
رسالة 78 ـ فيينا، 20 تشرين الأل 1895 مصاعب quot;الخلقquot;
... ذات ليلة من ليالي العمل الدؤوب من الاسبوع الماضي وصل الوجع عندي الى مرحلة متقدمة، تلك المرحلة التي تجعل دماغي يتوقف عن العمل، فشعرت ان الحواجز قامت فجأة بيني وبين دماغي، وكذلك سقطت الستائر وفجأة شعرت انني اصبحت في موضع احساس هائل حيث استطيع ان ادخل في اعمال الوعي وتفاصيل الحالات العصبية. شعرت ان كل شيء لم يعد ممسوكاً وكان احساسي وكأن الامر صار يصدر عن آلة يمكن ان تعمل وحدها.
رسالة 235/فيينا 1 شباط 1900
... غالباً ما الاحظ انك تدعمني بقوة حتى انك تبالغ في الامر ... هل تعلم، انني لست عالما بالتمام، او مراقباً ملتزماً، أو عالماً في الاختبار أو مفكراً.. لست أكثر من مغامر اذا اردت تحديداً. انا مغامر فضولي وجريء وصلب. عادة ما ندعم هذا النوع من الناس اذا توصلوا إلى شيء ناجح، أو اذا توصلوا إلى اكتشافات معينة، واذا حصل العكس، يهملهم الجميع ويرفضهم ... ولكن حالياً أشعر أن الحظ تخلى عني، ولم أعد أجد شيئاً طيباً ...
رسالة 102/15 تموز 1896 موت الوالد
... يعاني العجوز من شكل في المبولة والمصران ولم يعد قادراً على التغذية الطبيعية عدا انه اصبح مرهقاً نفسياً، أظن بأن نهايته قد اقتربت، لكنني لا اعرف ان احدد الوقت لذا لا استطيع أن أتركه ... مع كل هذا وضع العجوز الصحي لا يخيفني أو يؤخرني عن تقديم المساعدة والراحة له، كان رجلا مهما ورائعاً، وداخلياً كان سعيداً وهو الآن يتعذب لكنه لا يتأوه وأراه ينطفئ بصمت وهدوء وعزة نفس كبيرة. بصراحة لا اتمنى له الحياة ليتعذب اكثر وتتعذب معه اختي العزباء التي تقوم بخدمته ...
رسالة 108 ـ 26 تشرين الاول 1896
... بالأمس، دفنا العجوز الذي توفي في ليل 23/10 ولقد تماسك حتى اللحظة الأخيرة، وكان صلباً كما كان طوال حياته. اعتقد انه في نهاية المطاف اصيب بنزيف دماغي وصار محموماً بشكل دائم مع حالات ونوبات عصبية متواصلة وتوقظه ليلاً ... كل هذا حصل وأنا في مرحلة صعبة نفسياً، فأنا اشعر بأنني شديد التعب ...
رسالة 109 (فيينا)، تشرين الثاني 1896
من خلال هذه الطرق الغامضة خلف الوعي الرسمي أثر في كثيراً صوت العجوز، قدرته كثيراً، فهمته جيداً، واحتل حيزاً مهماً في حياتي، بهذا المزيج الخاص به، من الحكمة العميقة والخفة المليئة بالطرافة. كانت حياته انتهت منذ زمن طويل عندما مات، ولكن في هذه المناسبة كلها، وبلا شك، أحيت فيّ كل أشياء الماضي، وأشعر الآن أنني فعلاً بلا جذور (...).
رسالة 141، فيينا، 3 تشرين الأول 1897
(...) منذ أربعة أيام، تحليلي الذاتي، الذي اعتبره ضرورياً لتوضيح المسألة في مجملها، تتابع في الأحلام وحمل إليّ معلومات ونقاط ارتكاز ثمينة جداً (...). عندي شعور بأنني وصلت الى النهاية (...) فعندي لا يلعب العجوز دوراً فاعلاً (...) quot;مولديquot; كانت امرأة بشعة ومتقدمة في السن، لكن ذكية، كلمتني كثيراً عن الله وعن الجحيم، وعلمتني أن أكون رأياً مرموقاً بامكاناتي الخاصة (...).
رسالة 142 ـ 15 تشرين الأول 1897/أوديب
... حتى الآن لم أجد شيئاً جديداً ماعدا المضاعفات التي اعتدت عليها. ولا أجد الأمر سهلاً بكل صراحة. وأن نكون صادقين فعلاً مع أنفسنا أمر في غاية الصعوبة، وتمرين هائل. وثمة فكرة أساسية تجيء في رأسي. فأنا أيضاً شعرت باحساس الحب الكبير تجاه امي وباحساس الغيرة تجاه ابي وأجد فعلاً انهما اصبحا في تاريخ طفولتي ... هنا، يمكن حقيقة ان نفكر بأوديب الملك على الرغم من كل الاعتراضات التي تقول ان العقل يمكن ان يقف في وجه الاقدار والمكتوب ... وهذه الاسطورة الاغريقية تنطلق أساساً من فكرة ان كل انسان يكتشف المشكلة لأنه عرف أو فهم وجوده في هذا الكون. وكل انسان كان ذات يوم بذرة من بذور أوديب هذا.
















التعليقات