طه خليفة
قرأت بيان فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي عن مسلسل خالد بن الوليد . البيان نشرته الصحف المحلية في اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان. وهو بيان غير موفق ويتسم بالركاكة ولا يليق باسم العلامة القرضاوي فضلاً عن انه جاء متأخرا جدا بشكل جعل منطق الدفاع عن النفس وإعلان البراءة من المسلسل ضعيفا وغير مقنع. فالمعروف أن المسلسل بدأ عرضه مع أول أيام رمضان. أي أنه في اليوم الذي رفع فيه الشيخ يوسف القرضاوي مباركته عن المسلسل وإعلان براءته منه كانت الحلقة الخامسة والعشرين تعرض علي شاشات الفضائيات العربية ومنها شاشة القطرية. لماذا إذاً انتظر القرضاوي خمسا وعشرين حلقة حتي يخرج علي الناس بهذا البيان الذي ينتقد المسلسل ويهيل التراب عليه؟. ألم ينتبه الشيخ أو ينبهه أحد مريديه ومحبيه وهم كثر بالتدليس الذي يمارسه المسلسل علي المشاهدين طوال خمسة وعشرين يوما بوضع اسم فضيلته علي التتر باعتباره صاحب الاستشارات الشرعية للمسلسل؟. وألم يضبط الشيخ المسلسل متلبسا بتزييف بعض حقائق التاريخ وخيانة المؤلف والمخرج للأمانة في عرض أحداث هذا التاريخ وتهميش دور عدد كبير من الصحابة وتشويه صورة البعض منهم بجانب تجسيد شخصية الصحابي أبوعبيدة بن الجراح وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة إلا بعد خمس وعشرين حلقة؟. المسلسل بعد ان كاد ينتهي عرضه يخرج علينا فضيلة الشيخ بمثل هذا البيان الغريب العجيب. لكن الأعجب وكما هو واضح من صياغة البيان ان الشيخ يوسف لم يشاهد المسلسل حتي يقف بنفسه علي الأخطاء الواردة فيه رغم ان أوقات عرضه والإعادة يمكن ان يكون واحدا منها مناسبا له حتي يخرج بموقف دقيق وسليم وليس بمثل تلك الملاحظات الهامشية البسيطة التي - في رأينا - لا تؤثر في بنية المسلسل أو المحور الأساسي فيه أو الموضوع الذي يعرضه وهي سيرة ومسيرة خالد بن الوليد سيف الله المسلول. من اليوم الأول لعرض المسلسل وحتي قبل عرضه وأثناء التنويه عنه اعترض عدد من الشيوخ والعلماء كما اعترض الأزهر علي تجسيد شخصية خالد بن الوليد في مسلسل. وهي اعتراضات يمكن ان تناقش ويمكن الرد عليها لكن المدهش ان كل الأنباء والتقارير التي حملت هذه الاعتراضات كانت تشير الي مباركة وتأييد القرضاوي للمسلسل، فلماذا ظل صامتا دون بيانات ولم يتنصل منه شيخنا طوال هذه الفترة ثم يأتي اليوم ليقول أنا بريء منه. المدهش أيضا ان كاتب البيان اعتمد علي آراء المتابعين للمسلسل ليبني عليها في النهاية موقف الشيخ. فمن هم هؤلاء المتابعون؟. هل هم نقاد فنيون أم علماء وفقهاء وشيوخ دين؟. أم هم مواطنون عاديون؟. أم هو كاتب البيان نفسه الشيخ أكرم كساب؟. كنت أتمني ان يكون الشيخ قد تابع المسلسل فعلا حتي تكون كلمته دقيقة وبناء علي مشاهدة وليس علي متابعة آخرين مجهولين. وأحب أن أشير هنا الي انني قرأت كل ما كُتب تقريبا عن هذا المسلسل بأقلام النقاد أو الهواة ووجدت انهم ركزوا بشكل أساسي علي الجوانب الفنية والاخراجية والمواهب التمثيلية لأبطاله دون التطرق للبعد التاريخي. وهم لهم ملاحظات علي هذه الجوانب. وهذا طبيعي، فلا يسلم عمل فني من النقد والنقص. والعمل الذي يحظي باعجاب الجميع لم يظهر بعد. وأنا تابعت معظم الحلقات التي عرضت حتي الآن ولم تكن تشغلني الجوانب الفنية كثيرا بقدر ما كنت مهتما بالسيناريو وبالموضوع وبالأحداث في المسلسل. ولم أجد أي تقزيم أو تحجيم لخالد بن الوليد فهو يعطيه حقه. والدراما حتي لو كانت تاريخية فهي في النهاية فعل وهي في حالة مسلسلنا ليست كتاب تاريخ إنما عمل فني يتضمن رؤية إبداعية تحافظ علي جوهر الشخصية الأساسية. ومع ذلك فالمسلسل لم يخرج عن الخط التاريخي إلي الإبداع الدرامي حتي لا يُتهم بالتشويه بل انه التزم بالسيرة الذاتية كما لو كان كتاب تاريخ بالفعل. مع ذلك فالأخطاء واردة وهي ان كانت واحدة أو اثنتين أو حتي عشرة في عمل ضخم مثل هذا المسلسل فإن ذلك لا يؤثر عليه ولا يهدمه ولا يستوجب إعلان البراءة المتأخرة منه.
التعليقات