لندن- فاطمة العيساوي
يرى مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الامين ان خروج الوزراء الشيعة من الحكومة اللبنانية لا يعني خروجا للطائفة الشيعية من مشروع الدولة الواحدة. وينتقد laquo;الذين كانوا جزءا من السلطة لفترة طويلةraquo; لدعوتهم الناس الى الخروج الى الشارع معتبرا ان هنالك مرجعيات قانونية ودستورية لحل مثل هذه الخلافات وان هذه الدعوة لن تلقى استجابة واسعة لدى الناس خصوصا وأنها لا ترتبط بحاجات ملحة لهم بعد الحرب المدمرة التي شهدها لبنان بل بتحسين مواقع في السلطة. ويرى العلامة الامين الذي يشكك بشعار laquo;النصر الالهيraquo; الذي رفعه حزب الله ويصفه بانه laquo;من باب المجازraquo; او من laquo;باب التعبئةraquo; ان ثمة حركة نقد في اوساط الشيعة حاليا وتساؤلات حول الجدوى من الحرب الاخيرة التي عاشها لبنان.
هنا تفاصيل الحوار معه عبر الهاتف من لندن:
gt; اعلن حزب الله وحركة امل الممثلان التقليديان للطائفة الشيعية استقالة ممثليهم في حكومة السنيورة بما قد يوحي بخروج للطائفة الشيعية عن المشروع السياسي للدولة اللبنانية. هل نستطيع القول ان هذه الصورة للطائفة الشيعية هي واقعية؟
ـ لا نرى ان خروج حزب الله وحركة امل من الحكم هو خروج من مشروع الدولة اللبنانية وإنما هو في اطار الاختلاف السياسي يمكن ان يبقى مقبولا كما ان استقالة وزراء ينتمون الى طائفة لا يعني استقالة هذه الطائفة من مشروع الدولة ونحن ان كنا لا نتمنى ان تقع مثل هذه الاستقالة في هذه الظروف ولكننا نراها تعبيرا شخصيا وحزبيا من قبل هؤلاء الوزراء ولا تمثل وجهة نظر عموم الطائفة الشيعية التي تشكل مكونا اساسيا من مكونات الشعب اللبناني وإيمانها بمشروع الدولة والمؤسسات هو ايمان لا تشكيك فيه.
gt; ولكن ماذا عن التهديد بالنزول الى الشارع وإسقاط الحكومة بالقوة الذي يرفعه حزب الله؟
ـ نحن لسنا مع الدعوة الى النزول الى الشارع لأنه عندما يستقيل وزراء من الحكومة هنالك مؤسسات دستورية هي التي تعالج مثل هذا الوضع. اذا كانوا يقولون ان من الحقوق الديمقراطية الخروج الى الشارع فهنالك في كل دول العالم مؤسسات تشكل مرجعية لحل هذه الخلافات. كان على الجهات التي ينتمي اليها هؤلاء الوزراء ان لا تدعو الى مثل هذه التظاهرات اذ هنالك وسائل اخرى لمعالجة الامر. ان كان لا يعجبهم المشاركة في السلطة وهم كانوا جزءا منها لفترة طويلة، فهنالك مرجعيات دستورية وقانونية. كما ان مجلس النواب هو الذي يطرح الثقة بالحكومة اذا كانت لا تحظى باعجاب جهة سياسية مشاركة. اما النزول الى الشارع فنحن لا نحبذه .واذا كانوا يرون ان النزول الى الشارع هو احد الحقوق الديمقراطية، فهنالك اسس للاعتراض في الشارع تنص على الالتزام بالقوانين وعدم افساح المجال لاي فريق ان يخل بالاوضاع الامنية
gt; ارتفع في الآونة الاخيرة صوت حزب الله عاليا فوق كل الاطراف الشيعية الاخرى فهل يؤشر ذلك الى احادية لدى الطائفة الشيعية؟
ـ لا يوجد اجماع لدى الطائفة الشيعية على المشروع السياسي الذي يتبناه حزب الله كما لم يوجد اجماع لدى الطائفة الشيعية شأنها شأن بقية الطوائف اللبنانية على الحرب التي حصلت في جنوب لبنان وامتدت الى مناطق عديدة من لبنان.
التأييد الذي حصل عليه حزب الله ليس لمشروعه السياسي المطلق وانما لمواجهته الاعتداءات الاسرائيلية. أما ان تجر البلاد الى حرب او ان يجر جمهور الى رفض مشروع الدولة فان الطائفة الشيعية ليست مع ذلك وهي ليست مع حزب الله في اعاقة مشروع الدولة اللبنانية. الطائفة الشيعية لم تعط وكالة عنها لأي فريق بان يفسد لها علاقاتها مع سائر الطوائف اللبنانية او ان يزعزع ايمانها بمشروع الدولة اللبنانية الواحدة.
لا شك ان حزب الله لديه امكانات كبيرة وعديدة كما انه اكتسب هذه المكانة من خلال سنوات المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي وله امكانات كبيرة حتى من داخل السلطة نفسها. الصوت الشيعي الاخر لا يمتلك مثل هذه الامكانات. الدولة اللبنانية نفسها شاركت في اظهار حزب الله كقوة وحيدة ليس في ساحة الصراع مع اسرائيل فحسب وانما ايضا على الساحة السياسية، كل العوامل الموجودة ساعدت على ان يكون لحزب الله مكانة مميزة بينما الاطراف الاخرى ليس لها حضور سياسي فعلي وليس لها القدرات العسكرية والمادية الموجودة عند الواجهة السياسية التي تمثل الطائفة الشيعية.
gt; لطالما ارتبط الحديث عن حزب الله وسلاحه وسلاح المقاومة بالطائفة الشيعية بشكل خاص... ولكن هل تريد الطائفة الشيعية ان تبقى مرتبطة بهذه الشعارات خصوصا في ظل قرارات دولية تدعو الى نزع سلاح حزب الله؟
ـ الطائفة الشيعية تريد ان تبقى دوما مرتبطة بوطنها ودولتها ولا تريد ان ترتبط بتنظيم او بحرب او بسلاح. وعلى الدولة الان ان تقوم بدورها كاملا بعد ان تم نشر الجيش اللبناني في الجنوب وهنالك مؤازرة دولية لمساعدة الدولة على بسط سلطتها. هذا ما تريده الطائفة الشيعية وما يريده سائر اللبنانيين. قلنا اكثر من مرة ان سلاح حزب الله لا بد له من نهاية واذا كانت اهداف حزب الله كما يعلنها هي حماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية فان هذه الاهداف اصبحت ناجزة تقريبا.
gt; انتقدت شعارات النصر التي رفعها حزب الله عند وقف المعارك مع اسرائيل هل لذلك علاقة مباشرة مع ما شهدته مدينة صور من دمار او خوف من تبعات هذه الشعارات؟ ـ لقد تكلمت عما شاهدته وأحسست به. قلت اننا لم نجد النصر الذي تحقق لا نصرا الهيا ولا نصرا بشريا. نعم كان هنالك صمود وتضحيات ومواجهة لكننا لم نصل الى حدود النصر. اللغة العربية فيها مجاز كبير ويمكن ان يقال ان هنالك نصرا من باب المجاز فقط. هل كان الله يريد لهذا الدمار الكبير ان يتحقق ولمثل هذه المجازر ان ترتكب؟ ان ادخال الله في مثل هذه الامور فيه الكثير من المبالغات التي لا تثبت امام العقل والمنطق.
قد يكون الحديث عن النصر من باب التعبئة وبهدف التخفيف من الاهوال ومن حجم الآثار التي حصلت لأنه لا يمكن ان تستوي لدى الانسان الظلمة والنور والانتصار والدمار. قد يكون القصد من الاشارة الى الانتصار اننا صمدنا ولم ننته اما الانتصار بمعناه الحقيقي فهذا امر لا نراه قد تحقق. لا علاقة لله بهذا الامر اذ هل كان قدرا ان يتحمل الجنوب دوما مثل هذه المعاناة وان يصاب اهلنا بالويلات؟ طبعا كان هنالك صمود ومواجهة لكننا لا نرى في الاساس ان هذه الحرب كانت ضرورية ولازمة. انها حرب لا جدوى منها. انا اتحدث من موقع مسؤوليتي الدينية تجاه اهلي. يجب ان ابين ان اخطاء ارتكبت فمن يريد ان يدخل في حرب او يجر اليها عليه ان يؤمن الاستعدادات اللازمة. هذه الاستعدادات لم تكن موجودة لا في الجنوب ولا في غيره. يجب ان ننبه الى هذه الامور حتى لا تتكرر في المستقبل وان نقول للمخطئ انه اخطأ.
gt; هل يلقى هذا الموقف صدى لدى الطائفة وخصوصا ممن تعرضوا للويلات جراء الحرب؟
ـ لا شك ان هنالك اصواتا ترتفع وتساؤلات تنطبع على الشفاه وفي المجالس في اماكن عديدة. هنالك حركة نقد وتساؤل حول جدوى ما حصل. انا اتكلم عن حالات شعبية وليس عن اشخاص. قد لا تكون وسائل الاعلام موجودة لدى الناس وهي غالبا ما تأخذ عينات من اطراف حزبية عندما تأتي لإجراء مقابلات مع الناس. قد يكون هنالك اسباب عديدة لعدم تصريح الناس بوجهة نظرهم وأنا اعتقد ان مساحة الحرية تزداد كلما تثبت مشروع الدولة وكلما تثبتت سلطة الدولة كمرجعية فعلية للناس.
gt; هل تعتقد ان الدعوة للخروج الى الشارع واسقاط الحكومة بالقوة ستلقى استجابة واسعة لدى ابناء الطائفة الشيعية؟
ـ الطائفة الشيعية لا توافق على سياسة العزل الداخلي والعربي والدولي. من الواضح ان السياسة التي اعتمدتها الواجهة التي تحتكر تمثيل الشيعة لا توافق عليها الطائفة الشيعية عموما وهي ليست مسؤولة عن السياسة المعتمدة لحزب الله وحركة امل.
الناس تتساءل: لماذا ندعى للنزول الى الشارع في مثل هذه القضية وهي لا تعني الناس بل تعني من كانوا جزءا من السلطة وذلك بهدف تحسين مواقعهم داخل السلطة؟ هؤلاء لم يدعوا الناس للنزول الى الشارع لتحسين اوضاعهم في المعيشة او التعليم المجاني او الطبابة او أي مطلب شعبي وانما لتحسين مواقعهم في السلطة.
gt; هنالك وجهة نظر تقول ان الشيعة خرجوا خاسرين وفقدوا حليفا كبيرا مع خروج القوات السورية من لبنان. ما رأيك في وجهة النظر هذه؟
ـ هذا كله كلام. لبنان بلد العيش المشترك وهذه الصيغة تستدعي دوما تفاهما وتحاورا وتعايشا. والسلطة يجب ان يشارك فيها الجميع اما منطق ما يسمى بالغالب والمغلوب والقوي والضعيف فهذا لا يحكم العائلة الواحدة. والطائفة الشيعية هي جزء من العائلة اللبنانية الكبيرة، لها ما لهم وعليها ما عليهم. الطائفة لا تخسر لانها جزء من الطوائف الموجودة والمواطنون تمثلهم دولة وسلطة ومؤسسات. وبنهاية المطاف، ماذا يتأتى للمواطن من الانتماء الطائفي لوزير او لنائب؟ لا يعنيني الانتماء الطائفي لهذا المسؤول بل يعنيني ممارسته للسلطة من خلال القانون والدستور ماذا يعني خرج وزير شيعي من السلطة؟ نحن تمثلنا مؤسساتنا وليس هؤلاء الاشخاص. والوزير وان كان شيعيا فهو يمثل كل اللبنانيين وليس الشيعة فقط.
gt; ولكن سماحتك تعرف مدى اهمية تمثيل الطوائف في النظام اللبناني؟ ـ هذا ما يجب ان نغيره بنهاية المطاف. عندما نكرر الحديث عن النظام الطائفي وكأننا بذلك نحاول ان نكرسه. نقول دوما للناس لا يعنينا الانتماء المذهبي للمسؤول بل ممارسته للسلطة في اطار القانون والعدالة والنزاهة والكفاءة وايصال الحقوق الى الناس. gt; كيف ترى مستقبل سلاح حزب الله؟
ـ لا بد ان يصل حزب الله وسلاحه الى صيغة ما. المسؤولون في السلطة وحتى بعض المسؤولين في حزب الله نفسه يقولون اننا يجب ان نصل الى حل لسلاح حزب الله وانه ليس سلاحا الى الابد. في نهاية المطاف، لا بد من صيغة تجعله منتظما في مشروع الدولة الواحدة وخاضعا لها. هذا الامر واقعي وسيتحقق ليس غدا او بعد غد ولكن بعد فترة من استقرار الامور في الجنوب ومن وجود الجيش اللبناني والمؤازرة الدولية.
سنصل الى مرحلة يتحقق فيها الكثير من المطالب. الاسرى سيعودون من خلال المفاوضات ومزارع شبعا من خلال الامم المتحدة. المسألة هي مسألة وقت.
التعليقات