روبرت زويليك - فايننشال تايمز

ثمة تغيرات مزلزلة حدثت في جنوب شرق آسيا، حيث أطلقت كوريا الشمالية قبل فترة وجيزة صواريخ باليستية، وهزت الارض تحت الاقدام بتفجيراتها النووية. كما استرعى ذلك الـquot;بزوغ السلميquot; للصين انتباه العالم فيما، اضفت قوى اخرى تعديلات على وضع الصين الجديد كشريك استراتيجي. اما كوريا الجنوبية، فإنها تعبر عن ألمها علانية بسبب ماضيها وجيرانها وحليفتها -بينما تتظاهر بعدم المعاناة من النظام المتداعي، والذي ما يزال يشكل مصدر تهديد مع ذلك، الى الشمال منها. وحتى روسيا، ذلك القاطن الاوروبي في المنطقة، فإنها تلوح بدورها بعصا الطاقة مرتفعة الأسعار. فماذا عن quot;القوة الهادئةquot; التي تشكلها اليابان؟.

يبدو أن اليابان لن تعتصم بالهدوء أكثر مما كان.. وقد أصبح شينزو آبي، رئيس الوزراء رمزاً لليابان ووكيلاً لها في فترة التحول هذه. وهو الرجل الطليعي بوضوح لذلك الجيل الفخور من القادة الوطنيين الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يعتقد بأن اليابان يجب ان تتمتع بالحقوق والمزايا والمسؤوليات التي تتمتع بها أي دولة quot;طبيعيةquot;. وهم يريدون لليابان ان تغير دستورها الذي وضع بعد الحرب حتى تتمكن من وضع نظامها المحلي في مستوى الاضطلاع بدور دولي جديد. وفي وجه الاستفزازات النووية، شرع القادة السياسيون حتى في إثارة النقاش حول الحاجة الى امتلاك رادع نووي. وفي الآن ذاته، يحس السيد آبي وصحبه بالحاجة الى معاملة ضريح ومتحف ياسوكوني- أو على الاقل جزء من التاريخ الياباني- بطريقة اكثر بعثاً على الطمأنينة اذا ما ارادوا ان يسهلوا لجيرانهم قبول اليابان الجديدة. والى الآن، ما يزال التحالف الاميركي- الياباني يقدم نقطة ركون مفيدة ، خاصة وأن واشنطن قد شجعت اليابان على تولي مسؤوليات أمنية واقتصادية كونية أكبر. وقد استثمر السيد آبي الذي يعتبر سليل سادة الحزب الليبرالي الديمقراطي ذلك الانفتاح الذي أسس له جونيشيرو كويزومي، رئيس الوزراء السابق، عبر هجومه على النظام الفصائلي للحزب الليبرالي الديمقراطي. وعلى عكس رؤساء الحكومات السابقين الذين كان على سياساتهم ان تعكس سياسات الفصل والإرشاد التي تبناها كبار البيروقراطيين، يتمتع السيد آبي بحرية اكبر في تطوير أجندة يكون من شأنها أن تمنح زخماً للسياسات. وقد شرع باستخدام السياسة الخارجية للاشارة الى نهجه الجديد فيما يخص اليابان.

ما يزال السيد آبي بحاجة لان يقرر ما اذا كان تمديد اجندة السيد كويزومي للإصلاح الاقتصادي ستظل بالنسبة إليه جزءا من اليابان الجديدة. وفيما كانت حقبة كويزومي تخبو، تحسر المعلقون اليابانيون على التبعات الاجتماعية التي ستنجم عن التحول الاقتصادي.كما أفضى النمو المجدد أيضاً إلى التقليل من شأن حتمية الاصلاح. واذا اراد السيد آبي الحفاظ على الزخم قائما فإن عليه ان يستثمر اصلاحات في طاقة أكثر. وينبغي على السيد آبي بوجه خاص أن يجترح إصلاحات تتمتع بطاقة أكبر إذا ما رغب في إدامة الزخم. ويجب عليه خصوصاً أن يقرر ما اذا كانت مراجعة نظام الادخارات البريدية ستكون عاملا مساعدا لإجراء تحديث مالي بالاضافة الى انهيار هيكل السلطة السياسي القديم. وقد يعتمد التزامه على ما إذا كانت حساباته تشير الى ان جهده يدعم -او يصرف الانتباه عن- اعادة موضعته الاستراتيجية لليابان.

يمتلك باقي العالم سجلاً من الفهم الخاطئ لليابان أو النظر إليها باندهاش. وقد يعيد ذلك التصور نفسه. ولعل من حسن الطالع أن يكون كينيث بي. بايل من جامعة واشنطن على وشك إصدار كتاب جديد اوائل السنة المقبلة، يسلط فيه الاضواء على التحولات الكبيرة في مستوى الأهلية الدولية ويضعها في اطار تاريخي. وستتركز نقطته المحورية على أن النخب اليابانية قد سعت على مدار 150 سنة لتكريس الأمن عبر تعديلات منظمة (وسريعة)، والتي تواكب التغيرات في النظام الخارجي. وقد كانت هذه النخب تتشكل من كبار الواقعيين، والذين استدعى ادراكهم للتحولات في توزيع القوة الدولية إجراء عمليات تكيف براغماتية، حفزتها مصلحة اليابان في تعظيم قوتها وتصنيفها النسبي والاحساس بالشرف الوطني.

ولك أن تتأمل سجل التحولات اليابانية، حيث مثلت عودة ميجي في عام 1868 اعادة ترتيب للمجتمع من أجل استعادة الحكم الذاتي في اليابان في وجه التكالب الغربي. وفي سنوات العشرينيات من القرن الماضي، وبعد انهيار النظام الامبراطوري فيها، قبلت اليابان بمحددات نظام المعاهدة المختصر التي استلهمت الرؤية الأميركية، بما في ذلك التمتع بالديمقراطية.

وقد أفضى الاهتياج في ثلاثينيات القرن الماضي ونجوم الفاشية الى انبثاق حملة يابانية عاثرة لخلق نظامها الشرق آسيوي الخاص. وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية، أنتجت اليابان انتعاشاً اقتصاديا لا يصدق، وذلك في اطار نظام دولي ليبرالي بقيادة الولايات المتحدة. وبعد نهاية الحرب الباردة، انجرفت اليابان الى ان بدأ نمط دولي جديد بالتشكل.

وفي الاثناء، يلخص البروفيسور بايل اطروحته بالقول quot;قلة من البلدان في التاريخ الحديث هي التي كانت بمثل خضوع اليابان لقوى المناخ الدولي مثل اليابان، من حيث الحساسية والتجاوب والتكيف. وقد كان للنظام الدولي، وما يزال، تأثير قوي على السياسة الخارجية لليابان، لكنه لعب أيضاً دورا استثنائيا في تشكيل المؤسسات المحلية في اليابان. ومرة أخرى، استطاعت اليابان بسرعة كاسحة قلب طبيعة نظامها المحلي بغية الوفاء بمتطلبات الشكل الجديد للنظام الدوليquot;.

اذا كان البروفيسور بايل على حق، فإن الولايات المتحدة والآخرين بحاجة إلى مراجعة إطار العمل سداسي الأطراف مع كوريا الشمالية ليصبح إطاراً يتعامل مع موضوعات اكثر بكثير من مجرد الموضوعات النووية، بل وحتى القضايا التي تتصل بشبه الجزيرة الكورية. ومن شأن العملية وما تتمخض عنه هذه الدبلوماسية ان يؤثرا، وعلى حد سواء، على القوى كافة في جنوب شرق آسيا، وخاصة مفاهيم الصين واليابان والولايات المتحدة حول ما إذا كان التعاون أم التنافس هو الذي ينبغي أن يسود العلاقات بينها. وهو ما يشكل رهانات كبيرة في حرفة قيادة الدول.