مأمون فندي

صيغة الاستقرار كانت الأرض مقابل السلام. ولكنني في هذا المقال أطرح صيغة أخرى، وهي الأرض مقابل العراق. وهنا أقصد إعادة الأرض العربية المحتلة من الجولان إلى الأراضي الفلسطينية مقابل استقرار العراق. بمعنى أن يقدم العرب الاستقرار في العراق، وفي المقابل تضمن أميركا عودة الجولان وكذلك إقامة الدولة الفلسطينية، رغم ان إسرائيل تكثف جهودها الدبلوماسية بعد صدور توصيات بيكر ـ هاملتون للفصل بين قضية العراق وقضية السلام العربي ـ الإسرائيلي.

الربط بين القضيتين (قضية العراق وقضية السلام العربي ـ الإسرائيلي)، كان محور المخرج الأميركي المتمثل في توصيات بيكر ـ هاملتون، كما أنه كان الأصل في زيارة رئيس وزراء بريطانيا، توني بلير، إلى المنطقة. والناظر إلى جولة بلير التي بدأت بالعراق ثم مصر ثم فلسطين ثم إسرائيل، وسبقتها زيارة أحد مستشاريه إلى دمشق، لا تفوته ملاحظة الربط بين استقرار العراق والسلام في الشرق الأوسط.

الربط (Linkage) بين العراق والقضية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد، فقد طرح عربيا عند غزو الكويت عام 1990 وقتئذ، رد جورج بوش الأب بمقولته الشهيرة: (No linkage)، أي لا يوجد ربط بين القضيتين.

ورغم أن الجميع يعرف أن الربط في حالة غزو الكويت كان زورا وبهتانا، إلا أن مؤتمر مدريد للسلام الذي أعقب تحرير الكويت، كان اعترافا واقعيا بالربط. وقيل يومها ان ملك السعودية الراحل فهد كان ممن أصروا على الربط بين قضية السلام واستقرار الخليج.

إذن، الربط قائم، بغض النظر عما قاله بوش الأب في عام 1990، وبغض النظر أيضا عما تسعى إليه الدبلوماسية الإسرائيلية اليوم من محاولات لفك هذا الارتباط.

هناك نظريات كثيرة في معامل السياسة الأميركية، وكذلك في تجمعات التفكير السياسي، التي تؤمن بتقسيم القضايا. فترى بأن العراق مرتبط بأمن الخليج، لا بالجولان والقضية الفلسطينية، وبأن الملف النووي الإيراني معزول برمته عن كل هذا. بدليل أن توصيات بيكر ـ هاملتون وضعته ضمن الملفات المتروكة لمجلس الأمن، أي أنه خارج الحوار الإيراني ـ الأميركي المزمع.

الرؤية العربية ترى أن الربط قائم بين كل الملفات الإقليمية، وأن إحياء عملية السلام على المسارين السوري والفلسطيني تصب مباشرة في مسألة استقرار العراق، وكذلك في استقرار لبنان. بالطبع للدول العربية حساباتها، فمعظمها يرى أن التحرك على المسار الفلسطيني وحده يخفف من الضغوط الداخلية، وبالتالي تكون هذه الدول حرة الحركة فيما يخص أي مبادرات إقليمية أو دولية تهدف إلى استقرار العراق.

الأرض مقابل العراق، معادلة تبدو بسيطة للوهلة الاولى، لكن تفاصيلها معقدة. إذ يلزمنا أولا إدراك كامل بأن البيئة الاستراتيجية الإقليمية هي كل متماسك، وأن أي خلل أو أي حريق يشب في أي مكان من هذه البيئة يخل بمعادلة الأمن الإقليمي برمتها. هذا الربط جاء واضحا في الكلمة الافتتاحية لرئيس الاستخبارات السعودية، الأمير مقرن بن عبد العزيز، في مؤتمر laquo;أمن الخليجraquo; الذي انعقد في المنامة. حيث أكد الأمير مقرن على ان الأمن الإقليمي كل لا يتجزأ. نفس الرؤية أكد عليها ولي عهد البحرين، الشيخ سلمان بن خليفة في كلمته الختامية.

هذه الرؤية العربية التي تربط بين العراق ومحيطه الإقليمي العام، تقابلها رؤية إسرائيلية تعمل بصورة محمومة في الولايات المتحدة وأوروبا لفك هذا الربط الذي ترى تل أبيب بأنه فخ نصب لها.

أيا كانت الدوافع، حقيقية أو مزورة، أيا كانت الشكوك، إلا أن الربط بين الملفات الإقليمية المختلفة قائم، ولا يمكن لأي مراقب محايد أن يتجاهله، لكن المشكلة اليوم تكمن في ما شخصه البعض على أنه حالة من الضبابية التي تسيطر على الرؤية العربية اليوم.

لدينا في العالم العربي رؤية تقول بأن القدس لا يمر من خلال بغداد، وأن الطريق إلى القدس لا تمر إلا من خلال القدس. هذه رؤية قاصرة بكل تأكيد، لأنها تدخلنا في أولويات بيزنطية لا طائل منها، كمثل: من أين نبدأ، من فلسطين أم من العراق، وأيهما يؤدي إلى الاستقرار؟. ففي الوقت الذي يحاول فيه بعض الدبلوماسيين العرب تسويق أن فلسطين أولا وأن استقرار العراق سيأتي كنتيجة، نجد أن مجموعة نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، ترى أن الاستقرار في العراق سيحرر الإدارة الأميركية من الأعباء، وبالتالي تكون لديها حرية حركة أكبر للعمل على ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

برأيي، الحل يكمن في التزامن والتبادل، وأن نسمي الأشياء بأسمائها. وأن نعترف بأن المعادلة الجديدة للمنطقة اليوم هي الأرض مقابل العراق. العرب ليس لديهم مصلحة حقيقية في الدخول إلى الملف العراقي من دون أن تكون هناك ثمار يمكن لهم جنيها في الملف الفلسطيني. كما أن الإدارة الأميركية لا ترى جدوى في الدخول إلى الملف الفلسطيني، إن لم تجن ثمار ذلك في العراق، وفي الداخل الأميركي أيضا.

في ظل هذه المعطيات، ليس بالمستبعد أن يعقد مؤتمر دولي يربط بين العراق والسلام في الشرق الأوسط. مؤتمر يكون الأساس فيه (5+6+2)، أي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى دول جوار العراق الست، وكذلك الفلسطينيون ومصر. المسرح الدولي معد اليوم لما يمكن تسميته بـ laquo;مدريد 2raquo;، وعلى العرب أن يعملوا لجني أكبر مكاسب ممكنة من هذا المؤتمر، وتجنب أخطائها السابقة في laquo;مدريد 1raquo; والأرض مقابل العراق ستكون هي المعادلة البسيطة التى تختصر مداولات المؤتمر.

ملحوظة

انتقدني بعض الأصدقاء عندما كتبت في مقال سابق عن توقع استقالة الجنرال جون أبي زيد، وذلك قبل أن تعلن رسميا. حجة الأصدقاء كانت أن توقعي كان مبالغا فيه لدرجة أن البعض اتهمني بالغرور. هنا أذكر الأصدقاء بأن توقعي كان صحيحا، وأنه سبق الوكالات بستة عشر يوما. (هل هي عقدة الخواجة؟). فقط للتذكير، والله المستعان وكل عام وأنتم بألف خير.