الخميس 28 ديسمبر2006

ديفيد روهدي

منذ عامين، بنى مهندسون أجانب طريقاً خارجياً جديداً عبر صحراء غرب إيران يمر قبالة quot;إسلام قالاquot; التي تعتبر من المراكز التجارية القديمة وتصلها بالعالم الخارجي. وبالقرب من هذه المدينة، تم إنشاء خط ضغط عالٍ، ومد خط ألياف بصرية لتوفير خدمة التليفون والإنترنت للمنطقة.
وعلى امتداد الطريق المؤدي للمدينة والخارج منها تنتشر لوحات إعلانية مكتوب عليها آيات من القرآن، كما يرتفع على جانب الطريق الخارج من المدينة مسجد أنيق ذو قبة زجاجية خضراء جميلة محفور عليها آيات من القرآن بخط أزرق على النمط الإيراني.
ومظاهر التحديث هذه هي ثمرة لمحاولات إيران الرامية لتعزيز وضعها ودروها كلاعب رئيسي في أفغانستان، في إطار سعيها لخلق فرص جديدة لمد نفوذها، ونشر أفكارها على نطاق أوسع عبر منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وصعود quot;حزب اللهquot; وتعاظم دوره في لبنان بمساعدة إيران أظهر مدى نفوذ طهران في ذلك البلد، كما أن قيام أميركا بإطاحة صدام حسين أتاح لها (طهران) توسيع نفوذها في العراق بالإضافة إلى الجهد الذي تقوم به حالياً في أفغانستان.
والدور الذي تلعبه إيران في الشأن الأفغاني ليس بالجديد وإنما يعود إلى عقدي الثمانينيات والتسعينيات المضطربين، عندما كانت طهران تقوم بإرسال الأموال والأسلحة والعتاد إلى الجماعات الأفغانية التي كانت تخوض حرباً ضد الاحتلال السوفييتي ثم خاضت بعد خروجه حرباً ضد حكومة quot;طالبانquot;. وبعد أن قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإطاحة quot;طالبانquot; عام 2001، استغلت إيران ضعف الحكومة الأفغانية المركزية في تنفيذ استراتيجية ذات معالم أكثر وضوحاً: جزء منها إعادة إعمار، وجزء آخر تعليمي، وثالث دعائي.
كما قامت إيران بتوزيع الجزء الأكبر من هباتها المالية التي بلغت في مجموعها 200 مليون دولار في منطقة غرب أفغانستان ووزعت الباقي في العاصمة كابول، وقامت في هذا الإطار بإنشاء مراكز حدودية للحد من تجارة الهيرويين، كما ستبدأ العام القادم في العمل على إنشاء طريق جديد، وتنفيذ مشروعات إنشائية، وخط سكة حديد يربط بين مختلف أجزاء البلاد.
وقد حاول السفير الإيراني لدى أفغانستان quot;محمد رضا باهراميquot; تصوير الأنشطة التي تقوم بها دولته على أنها جهود خيرية تقوم بها دولة جارة لأفغانستان، وأن تلك الأعمال بقدر ما تحقق مصلحة للشعب الأفغاني، فإنها تمثل مصلحة لإيران أيضاً، لأنها تؤدي إلى تحسين الأحوال الاقتصادية في تلك المنطقة وتحول دون تكرار مصائب العشرين عاماً الأخيرة والتي تمثلت في تدفق مليوني لاجئ أفغاني إلى منطقة الحدود الأفغانية مع إيران.
على الرغم مما يقوله السفير الإيراني، فإن هناك دلائل على أن هناك دوافع إيرانية أخرى خفية: فمحطات الإذاعة الإيرانية التي أنشئت هناك تبث برامج دعائية موجهة ضد الولايات المتحدة الأميركية، كما أنها -حسب رجال الدين الشيعة المعتدلين- تضخ النقود إلى المدارس الدينية الشيعية المحافظة، وإلى أمراء الحرب الذين يرتبطون بعلاقات تقليدية قوية مع وكالات الاستخبارات الإيرانية.
ويقول المسؤولون الأميركيون والأفغان إن نشاط الاستخبارات الإيرانية عبر الحدود الأفغانية قد تزايد، منذ أن تصاعد الجدل حول برنامج إيران النووي، وإن هذا النشاط لم يشمل فقط عمليات الرصد والمراقبة وجمع المعلومات، ولكنه امتد أيضاً ليشمل تجنيد شبكة من العملاء الموالين لإيران، والذين يمكن استخدامهم في مهاجمة الأهداف الإميركية في أفغانستان عند اللزوم.
يذكر أن نوايا إيران في أفغانستان قد أصبحت في بؤرة اهتمام الإدارة الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وتحديداً منذ أن تزايد الجدل هناك بشأن ما إذا كان يتعين على واشنطن أن تبدأ في التعامل مع إيران في إطار بحث الإدارة عن حل ممكن في العراق. وقد أشار بعض المسؤولين الأميركيين إلى أن التعاون الذي تبديه إيران في أفغانستان يمكن أن ينظر إليه على أنه يمثل بشكل ما نموذجاً لما يمكن أن تقوم به في العراق.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية قد تمنعت حتى الآن عن الحديث مباشرة مع طهران بشأن العراق، فإنها اتبعت نهجاً يمكن وصفه بأنه يمثل نهجاً من الوفاق القلق مع طهران بشأن أفغانستان.
ويؤكد المسؤولون الأميركيون أنهم يراقبون النشاط الإيراني في أفغانستان عن كثب، وأنه لم تتوافر حتى الآن أية أدلة على قيام إيران بإرسال أسلحة إلى عملائها في أفغانستان على النحو الذي قامت به في العراق، كما لم تتوافر أي أدلة أيضاً على أنها تمارس أنشطة تهدف إلى هز استقرار البلاد.
وعلى ما يبدو فإن زعماء إيران (الشيعة) لا يزالون يواصلون سياستهم القائمة على العداء التقليدي لـquot;طالبانquot; التي ينظر قادتها إلى الشيعة على أنهم كفار، ويصرون على أن إيران لن تحقق أي نفوذ في أفغانستان التي تبلغ نسبة السُّنة فيها 80 في المئة من إجمالي عدد السكان.
ويقول دبلوماسيون غربيون في معرض تعليقهم على الأنشطة الإيرانية في أفغانستان، إن إيران تهدف من وراء تلك الأنشطة إلى التعجيل بانسحاب القوات الأميركية من هناك، والحيلولة دون قيام quot;طالبانquot; بإعادة الاستيلاء على السلطة، وإبقاء منطقة غرب أفغانستان الشيعية والقريبة من حدودها تحت قبضتها وفي متناول نفوذها.
ويقول الأفغان ومحللون آخرون، إن الأنشطة الإيرانية في أفغانستان، تقدم دليلاً على الطريقة التي أصبحت إيران تقوم بها بإنفاق جزء من مداخيلها البترولية الضخمة في عدد من البلدان من أجل تسويق صورتها كقوة إقليمية صاعدة. ويقول أحد المسؤولين الغربيين إن تركيز إيران على مشروعات الإنشاء المُلفتة، وعلى الدبلوماسية، وعلى العلاقات العامة، يدل على أن إيران أصبحت تطبق نفس الأساليب التي كانت الولايات المتحدة تطبقها إبان الحرب الباردة لزيادة تأثير quot;قوتها الناعمةquot; في المنطقة، وأنها تحاول وضع نفسها في موضع المكافئ الموضوعي للولايات المتحدة التي يرى المسؤولون الإيرانيون أنها قد أساءت استغلال الفرص التي لاحت لها لإحلال الاستقرار في أفغانستان وفي العراق.