د. محمد الرميحي

صديق فلسطيني من أهل laquo;فتحraquo; القدماء قال لي مستغربا: laquo;تبين أن الأصدقاء في laquo;حماسraquo; شراهتهم للسلطة أكثر من دأبهم على التحريرraquo;, وما هي الا بضعة ايام حتى اشتعلت حرب بين laquo;حماسraquo; والسلطة بشأن laquo;الصلاحياتraquo;.
حتى لو أخذنا ذلك التعليق للصديق الفتحاوي بالكثير من الاحتراس، كونه صادرا من احد laquo;حمائم فتحraquo; فان المتأمل في سلوك laquo;حماسraquo; laquo;الحكوميraquo; يرى أنها قد غاصت في التفاصيل، وبخاصة صراع السلطة، دون أفق مرجو للخروج من الأزمة المستحكمة في الحكم.
الفرار الى ايران أو حتى سورية لا تقدم لـ laquo;حماسraquo; الكثير غير laquo;العلاقات العامةraquo;، وهي علاقات عامة لا تُسمع في الجمهور العربي المحبط اصلا ولا غيره من الجماهير، وهي في النتيجة لا تعطي laquo;حماسraquo; قدرة على التقدم، بل تضيق عليها سبل المناورة.
طبعا، لو كان هناك تفكير سياسي لدى laquo;حماسraquo; ولدى السلطة ايضا، لكان من الأفضل laquo;تقسيم الأدوارraquo; في ما بينهم، بحيث يأخذ محمود عباس وجه المفاوض وتأخذ laquo;حماسraquo; وجه المقاوم السياسي، كأي حركة وطنية مقسمة الادوار موحدة الأهداف, كل خطواتها تبتغى في النهاية تحرير شعبها الذي يرزح تحت الاحتلال ويلاقي اهواله, الا ان ذلك لم يحصل، ولا يعتقد انه يمكن ان يتم في ظل الاجواء السائدة, ربما، لان صقور laquo;فتحraquo; أرادوا أن تبقى laquo;حماسraquo; في laquo;حيص بيصraquo;, وبالتالي، تسقط أو تُسقط laquo;بالتشديد على القافraquo; من الخارج، فتعود laquo;فتحraquo; لسيرتها الأولى من التحكم الى الفساد، أو الفشل الذريع لـ laquo;حماسraquo; أمام الناخب الفلسطيني الذي ربما يعود من جديد كي laquo;يستغفرraquo; من الخطيئة التي أوصلت laquo;حماسraquo; الى الحكم!
قابل ذلك تصور من laquo;صقور حماسraquo; بالبحث عن مخرج خارج البئية الطبيعية, والمخارج قليلة وتضيق مع الأسف باليوم والساعة, فلا المال العربي سوف يتدفق على laquo;حماسraquo;، لا بسبب بخل عربي، ولكن بسبب تاريخ طويل من الوعود العربية وعدم الوفاء بها من جهة، وبسبب قلة الثقة التي تفتقر اليها المؤسسات الفلسطينية من جهة اخرى, هذا الجفاف المالي العربي سيزيده جفافا موقف laquo;الغربraquo; المعارض من تصور laquo;حماسraquo; للمعركة السياسية، وهي معركة يمكن أن تُوصف أنها laquo;معركة في الخارج موجهة لجمهور ذات نبرة عالية، واقل من معركة في الغرف المغلقة التي تقدم فيها الكثير من التنازلاتraquo;, هذه الثنائية التي يعرفها العدو قبل الصديق تأكل من رصيد laquo;حماسraquo;، الذي يتنازل معدله كثيرا كونها فقط في السلطة.
قوة laquo;حماسraquo; وشعبيتها المفترضة كونها حركة شعبية تشتمل على كثير من الشفافية، يمكن ان تستخدمها لتوجيه شعبها بمصارحته بأن الحصار كبير ويضيق، وان امامنا تصورا يجب أن نتحدث فيه، وهو ان الخطوة الأولى في المعركة السياسية هي laquo;الاعتراف بكل ما قامت الحكومات الفلسطينية السابقة بالاعتراف بهraquo;, كلما قربت laquo;حماسraquo; الى الواقع هذا والى انقاذه، استطاعت النفاذ للتصورات الدولية للحل الفلسطيني، وكلما قربت من طموح الشعب الفلسطيني النهائية, اما الحماس في الخطب، فلم يكن الراحل ياسر عرفات بقاصر عنها، ولكنها افضت الى لا شيء تقريبا.
المؤسف أن laquo;حماسraquo; تكرر أخطاء سابقيها، وذلك بالاصرار على تصور علني لا يقبل من أطراف عالمية كثيرة وقوية ونافذة في عالمنا، وفي الوقت الذي تشير في الغرف الجانبية الى امكانية تقديم تنازلات حتى بالخطأ أو ادعاء الخطأ، كما حدث في الرسالة laquo;غير المقروءةraquo; الموجهة من وزير خارجية حكومة laquo;حماسraquo; الى كوفي عنان! او بالتصريحات الاخيرة القائلة ان اطرفا من laquo;حماسraquo; ستقابل laquo;في الخليجraquo; اطرافا اوروبية!
اذا كان المال لن يأتي بالصورة التي تريدها laquo;حماسraquo;، فان المقلق أن يضع بعض قادة laquo;حماسraquo; كل أملهم على الاعتماد على النفس، فقد قال احدهم، يجب أن نحول فلسطين الى بؤرة تصدير الى العالم العربي؟ كيف سيتم ذلك والمعابر محاصرة؟ اليس في مثل تلك التصريحات محاولة للهروب الى الأمام من دون جدوى؟
عدم لقاء وزير الخارجية الفلسطيني بمثيله المصري رسالة يجب أن تُقرأ بما تعنيه، وما حدث في الأردن يجب أن يقرأ بما يعنيه، فـ laquo;حماسraquo; لا تستطيع أن laquo;تأكل التفاحة وتحتفظ بها في الوقت نفسهraquo;.
اذا كان التمويل محدودا والعلاقات مع الخارج تضيق، غير منفذي ايران وسورية، وهما منفذان يئنان تحت وطأة المتابعة الدقيقة من المجتمع الدولي ويحتاجان نفسهما الى كل المساعدة.
لعل laquo;حماسraquo; تعي أن القضية الفلسطينية بسبب موقعها في قلب الانسان العربي يمكن أن laquo;يتاجر بهاraquo; من بعض الانظمة او القوى، وقد تُوجر بها كثيرا في السابق لاغراض بعيدة كل البعد عن تحرير فلسطين، وهي اليوم تستخدم أيضا تحت شعارات فضفاضة من قوى قد لا تكون أكثر اخلاصا من قوى عربية سابقة استفادت لبعض الوقت من القضية.
ينقل الكاتب الاميركي ذو الأصول الهندية فريد زكريا في كتابة laquo;الحريةraquo; الذي أصبح ذائع الصيت أن المرحوم ياسر عرفات عندما نصحه الرئيس المنتخب جورج دبليو بوش وقتها في نهاية عهد بيل كلينتون أن يقبل بالمعروض على الطاولة، رد وقال لو قبلته لأصبحت laquo;حماسraquo; في السلطة! وهذه الأيام تدور وتصبح حماس في السلطة laquo;من دون أن يقبل عرفات بما عرض عليهraquo;! فالبعبع الذي كان يُخوف منه أصبح في الحكم او القفص، وأصبح محاصرا اكثر من ذي قبل!
يبدو أن امام قيادات laquo;حماسraquo; نقاشا مهما، وفي وقت قصير يجب أن تتوصل من هذا النقاش الى نتائج، وهو يتمحور على محاولة الاجابة عن أسئلة مركزية وحاسمة قبل أن تصلها أمراض laquo;فتحraquo;، وهي واصلة لها لا محالة، ان سارت على الدرب المعلن، فهي غير قادرة الا على الكف عن عمليات كبيرة في داخل اسرائيل، لان ثمنها سيكون فادحا على السلطة الحماسية كونها حكومة شرعية، كما أنها مجبرة على عدم شجب العمليات التي يقوم بها غيرها بما يضعها موضع الاتهام أمام الرأي العام العالمي، خصوصا إن كانت تلك العمليات ضد المدنيين، كما أنها في الوقت نفسه غير قادرة على فتح مسار سياسي معقول أمام جدار الممانعة العربية، والرفض الدولي.
الخيار الاخر هو ان تقوم حرب الاشقاء على ارض فلسطين، وهي حرب تقترب كثيرا وبعجالة على الارض يخسر فيها المواطن الفلسطيني (العادي) اكثر مما يخسر حتى من الاحتلال نفسه، ويدفع يوميا من اعصابه وكرامته ودمه الكثير، والكاسب الحقيقي هو الاحتلال الذي يتفرج على مسلسل من الغباء السياسي، الذي يبدو مع الاسف انه تاريخي.