الأربعاء: 2006.05.17

ناصر الظاهري


حدثني صديق صحفي عتيق ومخضرم، أنه دعي لزيارة أمريكا ضمن البرنامج السنوي الذي تقدمه أمريكا للصحفيين لزيارتها والتعرف على مؤسساتها، صديقنا الصحفي المخضرم، هو من الذين يطرحون الأسئلة ويجاوبون عن الضيف ويصورونه ويتصورون معه، وحين تظهر المقابلة يحملون جرائدهم ومجلاتهم، ويقرؤونها على الضيف ويخبرونه عن ردود الفعل للمقابلة، وترحيب الكثيرين بها والتعليق عليها بإيجابية، يمكن أن يخلق لك من كلمة واحدة، خبراً في الصفحة الأولى، يمكن أن يكتب في الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماعيات والفن، صحفي من الطراز القديم، قلما تجدهم الآن.
المهم ذهب صاحبنا إلى أمريكا، وبدأ في التجول منذ ساعاته الأولى في نيويورك التي يسمع عنها في الأفلام، فأصابته الدهشة من كل شيء، أما الذي قلب رأسه، وجعله يدرك الفرق الشاسع بيننا وبين الأمريكان، فقد لخصه له رسام الكاريكاتير الذي يقف أمام مبنى هيئة الأمم، يرسم الزوار مقابل 10 دولارات.
ولأن الدهشة ما زالت تلجم فم صاحبنا، وقف أمام الرسام ليحمل ذكرى من نيويورك، فسأله الرسام: ماذا تشتغل في الحياة؟ فرد: صحفي، وقالها بفرح حقيقي، فدهش الرسام وظل يتبادل معه الأحاديث عن السياسة والثقافة العربية والأوضاع في الشرق الأوسط، وهو منهمك في رسمه، وحين انتهى من الرسم، ظهرت صورته التي لم يكن راضياً عنها كثيرا، لأنها أظهرت صلعته بشكل أكثر وضوحاً، وتم استغلال الشحم الذي تحت ذقنه، حتى ظهر مثل دلاغم تشرشل، وبرز انتفاخ الكرش الذي ظل صاحبنا لمدة نصف ساعة، يحاول إدخاله وشفطة قدر الإمكان، لكن مثل هذه الأمور لا تفوت على رسام، عينه تسبر وتدقق في كل التفاصيل، وتضخمها حد السخرية.
كل هذه الأمور كان يمكن أن يتغاضى عنها، لكن أن يظهره كطابع على الكمبيوتر، فهذه مسألة فيها نظر، فرد على الرسام: أنه صحفي محترم، يغطي اجتماعات القمم السياسية، ويحاور كبار السياسيين والمفكرين والمثقفين، وأنه صحفي حقيقي ومهم هناك، وليس سكرتيراً يطبع على الكمبيوتر، مثل سكرتيرة المدير، فقال له الرسام: أنا أعرف الصحفي عندنا، مثلما ظهر في الصورة وأمامه كمبيوتر، فتساءل الرسام عن الصورة الانطباعية للصحفي العربي، فأجابه صاحبنا: يعني.. وتلعثم قليلاً، يمكن أن تصورني والقلم بيد، ويدي الثانية على صدغي بوضعيته المفكر العميق، فرد الرسام: ولكنها صورة قديمة وغير حقيقية هذه الأيام، وليست موجودة هنا.
طوى صاحبنا تلك الرسمة التي لم يكن راضياً عنها كثيراً، ووضعها في حقيبة سفره، ونساها أو أنسته الأيام إياها، حتى بدأ الكمبيوتر يغزو مؤسساتنا الصحفية في التسعينيات، وأجبر على التعامل معه.. اليوم وهو في أعوام الألفية الجديدة، يتذكر تلك الزيارة، ويتذكر بزهو تلك الصورة القديمة التي أخذت له في نيويورك على 1980 وهو يقول: لقد سبقت زملائي السادة المحترمين بربع قرن تقريباً..