السبت: 2006.07.08


أميمة عبداللطيف - السفير

لم يعرف نادر، وهو قبطي متدين في أواخر العشرينيات من عمره، كيف يجيب على تساؤلات زميلته في العمل والديانة ماجدة، عما تقدمه lt;كنيسة مكسيموسgt; للأقباط. قال باقتضاب lt;بيحطوا السم في العسلgt;، في تلميح إلى ان مطالبات القس مكسيموس بالإصلاح، خاصة لجهة أحوال الأقباط الشخصية، هي التي جذبت أقباطاً ضاقوا ذرعاً بنمط الإدارة الشديدة المركزية الذي تدار به الكنيسة تحت زعامة الأنبا شنودة، والذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود، ذهبت معه دعواتهم لإصلاح الكنيسة أدراج الرياح.

لا يخفي نادر كما العديد من أقباط مصر تحيزه الشديد للكنيسة الأم التي يشارك في جل أنشطتها الدينية والاجتماعية، ويفاخر بأنه تم ترسيمه شماساً في كورال الكنيسة في وقت من الأوقات. وبرغم أنه يقلل من تأثير lt;كنيسة مكسيموسgt;، كما يسميها، على جموع الشعب القبطي، إلا أنه يستغرب كيف أن جيراناً له صاروا يداومون على الذهاب إليها برغم أنهم كانوا من أشد رعايا الكنيسة إخلاصاً.
لا شك بأن الضجة الإعلامية التي أثارها إعلان القس مكسيموس، راعي كنيسة المقطم، عبر تدشين مجمع مقدس وكنيسة مستقلة عن الكنيسة الأرثوذكسية الأم، كان لها وقع الصدمة لدى كثيرين من أقباط مصر. وهي أتت في وقت كان فيه رأس الكنيسة المصرية يخضع الى جلسات علاج مكثفة في الخارج حيث ظلت حالته الصحية محل تكهنات عديدة في الآونة الأخيرة، حتى ان البعض طالبه بضرورة تسمية خليفة قبل السفر. وكان صمت الكنيسة في اليومين التاليين لإعلان مكسيموس محيراً ولم يخرقه سوى بيان متواضع يقول برفع دعوى قضائية ضده. ولم يحاجج أحد أياً من الاتهامات الخطيرة التي وجهها مكسيموس الى البابا، لا سيما تلك المتعلقة بكون البابا محرضاً على الفتنة الطائفية.

وتفسر بعض الدوائر القبطية الصمت الكنسي بأن lt;كل أفراد المجمع المقدس يصاحبون البابا في رحلة العلاج بمن فيهم المتحدث باسمه الأنبا يوأنس، ولا أحد مخول له الحديث في موضوع شائك كذلك الذي أثاره مكسيموسgt;.
وتراوحت مواقف رؤساء الطوائف المسيحية الأخرى بين من التزم الصمت ورفض التعليق على انشقاق مكسيموس، مثل الطائفة الكاثوليكية التي اعتبرت الأمر شأناً داخلياً، وبين من اعتبر أن التعاطي يكون مع الكنيسة الأم مثل الطائفة الإنجيلية. وأصدر مجلس كنائس الشرق الأوسط في بيروت بياناً رفض فيه الاعتراف بكنيسة مكسيموس وما وصفه بlt;مجمعه المقدس المزيفgt;.
ويعتبر مراقبون أن مكسيموس استفاد من جمود وترهل أصاب جسد الكنيسة المصرية ذات الثلاثة آلاف عام في الفترة الماضية، وهو فتح مجدداً ملف دور الكنيسة بالنسبة لأقباط مصر. فالكنيسة التي قويت شوكتها خلال الحقبة الماضية، وصارت على وجه الخصوص هي الممثل الشرعي والوحيد لأقباط مصر وتزايدت أنشطتها الاجتماعية والخدمية المقدمة لرعاياها، حتى ان البعض يعتبر أنها ساهمت في تكريس عزلة أقباط مصر سياسياً واجتماعياً وتجاهلت أصواتاً قبطية مخلصة نادت بضرورة تحقيق إصلاح كنسي، وأن يقتصر دور الكنيسة على الدين وأن تنفتح على المجتمع وتترك الأقباط لينظموا أنفسهم سياسياً عبر كيانات سياسية مدنية.

وربما الأمر الذي خلق أرضية خصبة لمكسيموس ودعوته، يتمثل في التشدد الذي أبدته الكنيسة تحت زعامة البابا شنودة في ما يتعلق بواحدة من أهم القضايا الاجتماعية التي تقض مضاجع أقباط مصر وهي تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية وقضايا الزواج والطلاق. فحتى الآن، أدارت الكنيسة ظهرها لدعوات عديدة بضرورة مواجهة هذا الأمر، حيث ما زالت تعتبر من يطلق من خلال المحاكم خارجاً على الكنيسة، الأمر الذي تسبب في مشاكل اجتماعية تواجهها آلاف الأسر القبطية.

وحول هذا الملف بالذات، يقدم مكسيموس رؤية مغايرة لموقف الكنيسة المتشدد. غير أن الكنيسة ترد على لسان أسقف شبرا الخيمة الأنبا مرقص بنفي صفة التشدد ذلك أن lt;الكنيسة تحافظ فقط على تعاليم الكتاب المقدسgt;.
تحدث البعض عن lt;غموضgt; يكتنف موقف الدولة حيال هذا الانشقاق الكنسي، لا سيما أن مكسيموس نفسه قال في أحاديث صحافية كثيرة ان lt;الدولة لم تعارض إنشاء كنيستيgt;. ويلمح بعض الأقباط إلى أن ثمة lt;تواطؤاًgt; من أجهزة الدولة في قصة مكسيموس، ودليلهم على ذلك هو أنه لا بد من منح ضوء أخضر نظراً للثقة الشديدة التي يتحدث بها عن بناء كنائس في جميع المحافظات وكذلك الحضور المثير للجدل لجهة عودة أحد أعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني لحفل تدشين المجمع المقدس.

غير أن بعض خبراء الشأن القبطي يرون بأنه لا مصلحة للدولة في حدوث انشقاق كنسي لأن الدولة طيلة الحقب الماضية فضلت التعامل مع المؤسسة الكنسية باعتبارها أيضا المسؤول الأول عن الشأن القبطي. وهي ساهمت في تكريس الهيمنة الكنسية على كل الشأن القبطي ولم تتعامل مع الأقباط باعتبارهم مواطنين مدنيين وإنما مجرد رعايا كنيسة.

ويرى آخرون أن الدولة ليس باستطاعتها عمل شيء حيال مكسيموس الذي يفاخر بكونه lt;يتلقى دعماً أميركياًgt;، وذلك برغم نفي السفارة الأميركية في القاهرة علاقة إدارة بلادها بكنيسته.
من دون شك أن عودة البابا (77 عاما) غدا الأحد قد تحسم الصراع الدائر. فمن المتوقع أن يعقد مؤتمراً صحافياً حال وصوله الى القاهرة. ويتساءل أقباط: هل يسير شنودة على خطى البابا كيرلس الرابع الذي لقب بأبي الإصلاح ويقوم بإصلاح كنسي طال انتظاره وبات غير ممكن تجاهله ويسد الباب أمام دعوات الانشقاق بل يكون القشة التي قد تنقذ الكنيسة المصرية العتيدة، أم سيواصل نهجه بإقصاء معارضيه ويترك الكنيسة المصرية كما البلاد في مهب ريح عاتية؟