الخميس: 2006.09.07

فيصل ديفجي ـ فايننشل تايمز

لما كانت لندن هدفاً فعلياً، ومحتملاً ومتخيلاً لاعتداءات laquo;القاعدةraquo;، امتلكت المدينة خبرة في الأعمال الجهادية فاقت خبرة العواصم الأوروبية الأخرى. فالاجراءات المتشددة في المطارات على خطوط الطيران والمسافرين، التي نجمت عن التفجيرات المفترضة بمطار هيثرو، دليل على تسديدنا من وقتنا ومالنا وانتاجيتنا ثمن القليل الذي ننعم به من الأمن. وهذه الاجراءات دليل، من وجه آخر، على أن الاعتداء لا يحتاج الى الوقوع فعلاً لينجح. فماذا تعلمت لندن من تجربتها مع الإسلاميين؟ تعلمت كثيراً من علم الجنايات، ولا شيء تقريباً من السياسة.

وإذا ضربنا صفحاً عن ضرورة منع المسافرين من حمل السوائل الخطرة، فربما كان على السلطات، وهي علمت مسبقاً بخطر نقل السوائل هذه، ألا تبادر الى إعلانها عن المخطط قبل كشف النقاب عن المخطط كاملاً. فالباصات والقطارات والمرافق العامة لا تزال غرضاً مباحاً. ولعل حماية المجتمع حماية ناجزة مهمة مستحيلة. والأمن نفسه شكلي فوق ما هو وقائي. والتقدم الذي أحرز في محاربة الإرهاب تقني. فعلى الصعيد السياسي لم يحصل تقدم فعلي. وغداة كل اعتداء تشخص الأنظار الى مجتمع المسلمين ويقال إن هؤلاء لا يبذلون جهداً وافياً في استئصال الإرهابيين، على رغم أن أسرهم بريئة من أفعالهم. وتعلو عقيرة القائلين، أن التعدد الثقافي لم يتح اندماج المسلمين في المجتمع الغربي، على رغم أن الإرهابيين منخرطون في المجتمع البريطاني الأوسع، ويتكلمون الانكليزية بطلاقة. ينبّه الى دور المساجد والمدارس الدينية، فيما تنمو الأصولية فعلاً في المجتمعات والأطر العلمانية. وتحمل الهجرة على المشكلة، حين الإرهابيون مولودون ببريطانيا، ومن أهل مهاجرين ملتزمين القوانين التزاماً صارماً.

والحق أن المسلمين من مرتادي المساجد والمدارس الدينية، وغير المندمجين في المجتمع البريطاني، ليسوا الأوفر حظاً في الوقوع في شباك الإرهاب. وإيمان الانتحاريين هو نتاج الحداثة، وليس نتاج التقليد. وفي ضوء سجلات الحكومة عن اعتداء تموز (يوليو) الماضي، لا شك في أن التهديد الذي يتهددنا، اليوم، هو غير سابق في الحرب الباردة. فهو لا يتصل بأيديولوجية ولا بأفكار ولا بأحزاب ودول، بل هو ليس حركة دينية. وتذهب التقارير الرسمية الى أن منفذي 7 تموز متشددون إنما مسرحه النوادي الرياضية ورحلات التجذيف. ولا تجمع المفجرين قواسم مشتركة، اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية. فبعضهم، على ما قيل، يميلون الى laquo;القاعدةraquo;. وبعضهم يعتقد أن 11 أيلول (سبتمبر) مؤامرة أميركية. والشبان هؤلاء إنما جمعتهم ضرورات تقنية. وتنبه التقارير الرسمية الى سرعة اعتناقهم التشدد وانتقالهم إليه، ونمطهم القتالي استنبطوه من أشرطة فيديو تصور الحرب والشهادة، وليس من أحكام الشريعة أو الدولة الإسلامية. ويصح هذا في النضال عموماً. فسواء تعلق الأمر بالبيئة، أم السلام، أم الدين، ولّدت العولمة نمطاً جديداً من النضال ينكر نموذج الدولة ndash; الأمة ويدير ظهره له.

وتتذرع الحكومة بمعيار الفاعلية، فتتعقب التطرف في الجماعات والأفكار، بدل تعقبه في الأفراد والشبكات. وتتذرع بالوقاية الى المبالغة والإفراط وتخطي ما كانت تفعله في أثناء الحرب الباردة. وبعض المقترحات أشارت بالرد على اعتداءات 7 تموز عن طريق تعيين أئمة مسلمين معتدلين، وإصلاح التعليم الديني، وتقريب المفاهيم الليبرالية من laquo;إسلام الشارعraquo;. ويعود العلاج الوقائي هذا الى عهد الاستعمار، ولا سيما الجزء المتعلق بتعيين قادة معتدلين. فهؤلاء مخولون القفز فوق القانون، ومباشرة التنفيذ من غير وسيط ولا رقيب. وفي العهد الاستعماري زعم أن المؤسسات التربوية والليبرالية مقصرة. والحق أن منفذي تفجيرات لندن لم يكونوا على جهل بالليبرالية ولا بتطبيقها. ومنفذو تفجيرات لندن هم نتاج هذا الاصلاح الديني الذي قوض السلطات الدينية منذ القرن التاسع عشر. ولعل الديموقراطية التي أدخلت على الإسلام هي التي جوزت لأشخاص مثل محمد صديق خان أن يزعم لنفسه ولأفعاله شرعية دينية. والقياس على الإسلام الشيعي غير قائم، فالتطرف الشيعي لم ينفذ اعتداء واحداً على نمط laquo;القاعدةraquo;. ومثال القتال الشيعي هو القتال المنظم، مثال العراق ولبنان.