منتصر الزيات


أعتقد أن التأريخ بصورة محايدة لاندلاع أحداث العنف المسلح في مصر بشكل منظم لابد أن يقف مليا عند 5 سبتمبر 1981 وهو تاريخ إصدار الرئيس الراحل أنور السادات قرارا بالتحفظ علي 1536 مواطنا مصريا ضمت نسبة الثلثين من تلك القائمة تقريبا رموز التيار الإسلامي بكل فصائله وشخصيات فاعلة داخلها. كانت قائمة الاسلاميين تضم تلك الأسماء التي شغلت الدنيا بعد شهر واحد من صدور هذا القرار الشهير الذي سمي بقرار التحفظ وهم الذين ضمهم بعد قرارات الاتهام سواء في قضية اغتيال الرئيس السادات نفسه أو قضية الجهاد الكبري التي ضمت ثلاثمائة واثنين متهم.

كانت المناوشات بين السادات والجماعات الاسلامية آخذة في التصاعد منذ قرار السادات زيارة القدس ثم توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مرورا باستضافته شاه ايران المخلوع محمد رضا بهلوي واعتراضات حادة في الشارع الإسلامي علي مشروع قانون الاحوال الشخصية الذي تردد تدخل السيدة جيهان السادات في إصداره.

كان صدر السادات يضيق شيئا فشيئا، كان شعوره بالعظمة بعد انتصار اكتوبر يقلل من هامش الديمقراطية داخله ويدفع به ناحية الرفض لأي انتقادات لسياساته، والمؤكد أنه وجد في بعض معاونيه ما كرس لديه هذه النزعة الاستبدادية ويأتي علي رأس هؤلاء اللواء النبوي اسماعيل وزير الداخلية آنذاك الذي لعب دورا محوريا في تهييج السادات ورسم صورة قاتمة لديه عن المعارضة المصرية علي اختلاف ألوان طيفها السياسي، والتيار الاسلامي علي وجه الخصوص، الأمر الذي وضح تماما من تلفيق قضايا مختلفة لبعض السياسيين الوطنيين مثل قضية التفاحة الشهيرة، التي أودت بحياة رمز وطني مهم مثل الدكتور محمود القاضي، الذي اتهم بالتخابر مع سفارة دولة أجنبية، لم يحتمل الرجل هذا الاتهام فبقي منكسرا مهموما حتي مات، لم تشف جراحه كل ما حدث بعدها، ورغم اسهام الحركة الوطنية المصرية في رد اعتباره ضد هذه الاتهامات الرخيصة التي رددها الجنرال اسماعيل.

دخلت قاموس الحياة السياسية مفردات خارجة رددها السادات في خطبه الأخيرة والتي كشفت عن حجم السخط داخله والرفض لأي نقد يوجه إليه، شتم داعية إسلامي شهير وذائع الصيت هو الشيخ أحمد المحلاوي وقال أهو مرمي في السجن زي الكلب وأيضا اتهم الحاج حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في حرب اكتوبر بالسويس بالجنون حينما قال في خطبته الشهيرة إياها والمجنون بتاع السويس ، ثم جاءت قرارات التحفظ أعقاب فشل اسماعيل في معالجة أحداث الفتنة الطائفية التي وقعت في الزاوية الحمراء بالقاهرة لتكون الصدمة داخل عقل وقلب الملازم أول خالد أحمد شوقي الاسلامبولي الذي لم يكن اعتقال شقيقه الأكبر محمد هو السبب الوحيد في تحركه نحو الاغتيال، إن خالد الاسلامبولي تابع تلك الأحداث عن كثب، فقد كان يعرف كل الاسماء التي شملها قرار التحفظ، كرم زهدي وفؤاد الدواليبي وناجح ابراهيم وطلعت فؤاد قاسم ورفاعي طه والشيخ عبدالله السماوي ومحمد عبدالسلام فرج، كان يراهم في منزل العائلة وهم يترددون علي شقيقه محمد ، كان يتردد علي مساجدهم أيضا، لذلك حينما تم اخطاره بالاشتراك في العرض العسكري يوم السادس من اكتوبر 81 كان قد اتخذ قرارا فوريا باغتيال السادات، وخرج من وحدته العسكرية إلي منزل محمد عبدالسلام فرج في بولاق الدكرور ليبلغه قراره سأقتل السادات وحاجته إلي معاونين ثقاة في تنفيذ المهمة.

قرار التحفظ نقل الجماعة الوليدة من مرحلة التأسيس والاعداد إلي مرحلة المواجهة، بعد الشعور بأن السادات اتخذ القرار وبدأ في مواجهتهم وطلب التحفظ عليهم. تولد شعور قوي داخل تلك الشخصيات بضرورة سرعة التحرك للتخلص من السادات الذي بدا واضحا أنه عقد العزم علي التخلص منهم فكانوا الأسرع.

أسهم قرار التحفظ في إبعاد بعض الذين تم التحفظ عليهم من التيار الجهادي من منطقة الخطر ولذلك كانت مواقفهم مخففة في المحاكمة رغم دورهم المهم في بناء التنظيم، أحد أهم الأسماء التي شملها قرار التحفظ من قيادات الجماعة الاسلامية المهندس طلعت فؤاد قاسم عضو مجلس شوري الجماعة والذي تولي رئاسة المجلس في فترة لاحقة، كان بلا شك أحد ابرز الذين أسهموا في تأسيس التنظيم وتعبئة أعضائه وتدريبهم عسكريا وأمنيا، عندما صدر قرار التحفظ كان أبو طلال قد تعرض لحادث أدي لكسر قدمه ووضعها في الجبس، زرته وقتها في بيته بمدينة نجع حمادي أثناء توجه وفد من مجموعة أسوان إلي جبل قريب منها للتدرب علي السلاح وفنون القتال، وجدته يرقد علي سرير المرض وقد وضعت قدمه في الجبس ولكنه كان ذا عزيمة قوية وابتسامة صافية، لم يكن في مكنته الفرار وهو حبيس الجبس الذي يعطل حركته، لذلك تم القبض عليه مبكرا في أول طلعة لقوات الشرطة التي تحركت لتنفيذ قرار السادات، كان القبض علي طلعت فؤاد قاسم سببا في عدم مشاركته في كل الأحداث التي تلت صدور قرار التحفظ سواء مداولات قرار اغتيال السادات وإعداد خطة الاستيلاء علي الحكم أو اقتحام مديرية الأمن بأسيوط وكان ذلك سبباً في صدور حكم مخفف بالسجن سبع سنوات فقط قضاها ليخرج بعدها من مصر ويذهب إلي أفغانستان ويؤسس نشرة المرابطون لسان حال الجماعة الاسلامية قبل أن ينتقل للدانمارك ويحصل علي اللجوء السياسي بها ثم اختفي فجأة بعد القبض عليه أثناء دخوله زغرب أثناء حرب البوسنة.

أيضا محمد شوقي الاسلامبولي استفاد كثيرا بسبب القبض عليه في 3 سبتمبر 81 رغم كونه من القيادات المؤسسة للجماعة الاسلامية وعضو مجلس الشوري بها، إلا أن القبض عليه حال دون اتهامه في وقائع الاغتيال أو العمل المسلح الذي حدث بعده، وكان معي في قضية الانتماء لتنظيم الجهاد، وأفرجت عنه المحكمة في أول جلسة للمحاكمة ضمن أربعين أخرين بينما بقيت وأخرون قرابة عام ونصف بعدها رهن المحاكمة.

كنت قد خضت تجربة مثيرة في الهروب الكبير منذ 5 سبتمبر 81، وكان بصحبتي الأخ رفاعي طه قيادي الجماعة الإسلامية فرج الله كربه، وأذكر أننا لجأنا لصديق بأسوان يمتلك تاكسي بيجو ركبنا معه وانطلق بنا من أسوان حيث كانت محطتنا الأولي في الاختباء والهرب وقضينا تلك الليلة في الطريق من اسوان حتي سوهاج وبتنا ليلتنا داخل السيارة حتي دخلنا علي قرية في سوهاج بها اقارب لصاحب السيارة البيجو، فلم نكد ندخلها وبتنا بها ليلة حتي امتلأت القرية أن ببيت قنديل ارهابيين ففرنا منها وعدنا مرة أخري إلي أسوان حيث أقمنا في بيت تحت الانشاء بمنطقة نائية حتي ليلة اغتيال السادات.

تلك ذكريات مبتسرة عن سبتمبر القديم عام 81، أما حكاياتنا عن سبتمبر الأخر الذي غير مجري التاريخ عام 2001 فلنا معه وقفة في العدد القادم.