دمشق - ابراهيم حميدي


جدار laquo;العزلةraquo; الذي حاولت ادارة الرئيس جورج بوش تشييده حول سورية في السنوات الاخيرة، بدأ يتفكك. وآخر حلقات laquo;التفكيكraquo; قيام وفد برلماني اوروبي برئاسة النائب الاشتراكي جوهانس سووبودا بزيارة دمشق وتقديمه التزاماً الى المسؤولين السوريين بالتصويت ايجاباً لدفع المجلس الوزاري الاوروبي الى توقيع اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية.

وكانت سورية وقّعت مع الاتحاد الأوروبي اتفاق الشراكة بالأرف الأولى في تشرين الاول (اكتوبر) 2004. لكن الرئيس الفرنسي جاك شيراك تزعم تياراً لمنع توقيع هذا الاتفاق في شكل رسمي في إطار التناغم مع الضغوط الأميركية التي ترجمت في laquo;سلة العقوباتraquo; الواردة في laquo;قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنانraquo; في ايار (مايو) 2004.

واستخدمت واشنطن وباريس اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري للسعي الى فرض laquo;عزلةraquo; على دمشق بتحديد تصالات سياسية رفيعة المستوى وبتجميد توقيع اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية، بعد سحب الرئيس بوش سفيرته مارغريت سكوبي من دمشق.

لكن الشهور الأخيرة شهدت بداية تصدع جدارraquo;العزلةraquo; لأسباب عدة. وساهمت في ذلك نتائج الانتخابات في عدد من الدول الاوروبية بينها فوز رومانو برودي في الانتخابات الايطالية مقابل خسارة سلفيو برلوسكوني، وهزيمة خوسيه ماريا اثنار امام خوسيه رودريغيز ثاباتيور في اسبانيا، وتشكيل انجيلا ميركل حكومة بديلة من حكومة غيرهارد شرودر، إضافة الى تدني شعبية الرئيس شيراك وقرب خروجه من قصر الاليزيه في أيار (مايو) المقبل.

يضاف الى ذلك زيادة القناعة داخل الاتحاد الأوروبية بأن laquo;فرض العزلة ادى الى نتائج عكس الاهداف المرجوةraquo;، اذ جددت دمشق laquo;التحالف الاستراتيجيraquo; مع طهران وتمسكت بدعمها السياسي لـ laquo;الجهاد الاسلاميraquo; و laquo;حركة المقاومة الإسلاميةraquo; (حماس) التي انتصرت في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة. وجاء انتصار laquo;حزب اللهraquo; في الحرب الاخيرة، ليوجه ضربة قاسية لمحاولات laquo;عزلraquo; سورية وبدء الحديث على ضرورة جلب دمشق الى laquo;داخل اللعبة، لتكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلةraquo;.

عليه، قام وزير وزير الخارجية الاسباني ميخيل انجيل موراتينوس بزيارة دمشق في تموز (يوليو) الماضي ليطوي صفحة العزلة السياسية ومقاطعة الوزراء الاوروبيين لسورية. في هذه الزيارة جرى التفاهم على ست نقاط هي: laquo;اولاً، ان الوضع في الشرق الاوسط خطر ويمكن ان يؤدي الى منعكسات خطرة لكن لايزال هناك متسعٌ للخروج الى افق رحب. ثانياً، يجب إشراك جميع الأطراف لممارسة نفوذها في ايجاد حل. ثالثاً، ليس هناك حل عسكري يمكن انجازه في الشرق الاوسط. رابعاً، وقف إطلاق النار الفوري (الذي حصل في القرار 1701). خامساً، دعم وحدة جميع القوى اللبنانية والحكومة اللبنانية. سادساً، يجب ان يكون هناك ارساء سلام عادل وشامل في المنطقة في فلسطين ولبنان وسورية وان يكون السلام شاملاً وعادلاًraquo;.

وعلى رغم الإشكالية المتعلقة بنفي laquo;مصدر اعلاميraquo; سوري ما قاله موراتينوس من ان دمشق ستستخدم laquo;نفوذهاraquo; على laquo;حزب اللهraquo;، وعلى رغم اعلان وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتانماير laquo;الغاءraquo; زيارته بعد خطاب الرئيس بشار الاسد، فان قطار تفكيك العزلة استمر سائراً على سكته، فقام وزير الخارجية السوري وليد المعلم بزيارة رئاسة الاتحاد الاوروبي للقاء وزير الخارجية الفنلندي اركي توميويا فنلندا في هلسنكي نهاية الشهر الماضي، ليجدد التاكيد رغبة بلاده في لعب laquo;دور بناءraquo; وان تكون laquo;جزءاً من الحلraquo;.

وبين هذا وذاك جرت اتصالات هاتفية عدة بين برودي والرئيس الاسد وقيام الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان بزيارة الى دمشق. ولم تنجح مساعي بعض الأطراف الاوروبية لـ laquo;دق اسفينraquo; بين برودي او انان ودمشق، ذلك ان برودي واصل تصريحاته الايجابية نحو سورية. كما الأمين العام للأمم المتحدة اقر بأن سورية laquo;بدأت بارسال قوات لضبط الحدود مع لبنانraquo;.

وباعتبار ان laquo;الاجندة المكثفةraquo; تشمل قيام المعلم بلقاء نظرائه الاوروبيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل قيام مسؤول شؤون الخارجية خافيير سولانا المكلف وضع laquo;خطةraquo; لدعم القوات السورية لضبط الحدود مع لبنان بزيارة دمشق، فإن laquo;الامتحانraquo; هو مدى قدرة الجانبين السوري والاوروبي الى استعادة جو الثقة. بالنسبة الى اوروبا، يكمن الامتحان في مدى التزام دمشق بـ laquo;وعد الأسدraquo; بقبول مساعدة فنية وخبراء اوروبيين لضبط الحدود مع لبنان. الجانب السوري قال بوضوح إنه يرفض وجود قوات اوروبية على حدوده مع لبنان، لكن قبل مساعدات وتدريباً للقوات السورية التي سيزداد عددها على الحدود. لذلك، فان الجانب الاوروبي laquo;يتطلعraquo; الى لقاءات المعلم ووزراء أوروبيين.

بالنسبة الى سورية، يكمن الامتحان في مدى قدرة اوروبا على laquo;النزول من القطار الاميركيraquo;. دمشق تدرك ان laquo;الهرولةraquo; الاوروبية حصلت بعد قرار الدول الأوروبية ارسال laquo;أبنائهاraquo; الى جنوب لبنان. لكن الجانب السوري، يراقب بدقة ما اذا كانت اوروبا ستفي بـ laquo;وعودهاraquo; التي تتضمن اطلاق عملية سلمية لتحقيق تسوية شاملة تشمل الجولان السوري المحتل والسعي جدياً لتوقيع اتفاق الشراكة وتقديم مساعدات مالية وفنية.

وبالنسبة الى دمشق، اذا كان هدف اوروبا من laquo;الهرولةraquo; احداث laquo;شرخraquo; بين سورية وايران والبدء بنزع سلاح laquo;حزب اللهraquo; فإن هذه الجهود ستصاب بالاحباط على ارض الواقع، لان العلاقات بين الدول والاطراف السياسية تعيش على التقاطعات في المصالح المشتركة وليس التطابق الكامل. وهذا ما يفسر عدم الارتياح الايراني الأولي لإعلان دمشق رغبتها في استئناف المفاوضات مع طهران. وقال سووبودا لـ laquo;الحياةraquo; إن معاون وزير الخارجية السوري احمد عرنوس laquo;تحدث عن الجهود التي بذلت كي يكونوا ايجابيين تجاه قرارنا العمل على استئناف عملية السلامraquo;، قبل ان يشير الى ان اوروبا laquo;تريد من دمشق استخدام علاقتها مع طهران في شكل بناءraquo;.

لا شك أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد بوصلة المستقبل ومدى انسيابها على مسارها بعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أيار المقبل.

لذلك فان الوفد الاوروبي الذي زار دمشق قبل يومين برئاسة سووبودا سيزور برلين للقاء ميركل وشتانماير في بداية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لأن المانيا ستلعب دوراً اساسياً باعتبارها سترأس الاتحاد الاوروبي في النصف الاول من العام المقبل والدول الثماني الكبرى خلال العام المقبل. لكن الهدف الاساسي هو السعي الى ترتيب اجماع داخل الاتحاد الاوروبي laquo;الحساسraquo; لقضايا حقوق الانسان، يدعم الانخراط وتوقيع اتفاق الشراكة. ومن هنا تأتي اهمية قيام كل طرف بمساعدة الطرف الاخر. مؤيدو الحوار داخل اوروبا يجب ان يساعدوا المتحمسين الى العلاقات مع اوروبا داخل الحكم السوري. والعكس صحيح. لذلك قال سووبودا :raquo;يجب توقيع اتفاق الشراكة لأن عدم فعل ذلك يعزل التيار غير المتشدد في سوريةraquo;.