سمير عطا الله
كان فرانسيس كوبولا من أهم مخرجي هوليوود. انه صاحب فيلم laquo;العرابraquo;. قصة السطوة والانتقام. الإخاء والقتل. المسدس الذي يقتل الرفاق والسكين الذي يذبح الخيول فوق أسرتهم. وهم نائمون. وإذ يفيقون فإنما يفيقون في بركة من المياه الباردة.
الذي اعدم صدام حسين كان عراقيا. ولم يرد أن يترك أي شك في ذلك. أي شك. انتقى جلادين ضخمين سمينين لهما وجهان غليظان حتى تحت اللثام. هكذا يكون الانتقام. هكذا يجب أن يبدو. النهاية الفظة لمن أنهى. جعل العادم الحبل غليظا على نحو مضحك. وعقدته غليظة على نحو ثقيل مرعب وبارد. شديد البرودة. وترك العادم كل شيء آخر للمخرج.
كانت هذه فرصة العمر وفرصة المجد بالنسبة إلى فرانسيس كوبولا. هيأ الإضاءة المناسبة للمشهد الفظ الأخير.
اعد الكاميرات وآلات التسجيل التي تلتقط الأنفاس. وترك البطل يتحرك دون أي تعليمات. كان يعرف انه سوف يثور. وانه سوف يرسل نظرات التيه في المكان الضيق. وكان يعرف انه لن يصدق، حتى أمام هذا النوع من غلاظ الجلادين، انه لم يعد رئيس العراق. لذلك تراه يتحرك. يتقدم ببطء ويتطلع إلى حارسيه اللذين يدفعانه كأنهما رفيقا درب وعر يساعدانه على تخطي الحجارة وتفادي الانزلاق. الانزلاق الأخير من الحبل الغليظ.
اعد كوبولا العدة لتسجيل اللحظات وليس فقط الدقائق. هذه لحظات لا تصدق. هذه أمثولة نادراً ما تتكرر. هذا صدام حسين يموت متدليا وليس في نوبة قاتلة كما فعل سلوبودان ميلوشيفتش مفسدا نهاية الفيلم والإثارة الأخيرة. هكذا نقل كوبولا، فرانسيس كوبولا، كل مهارة هوليوود إلى مشنقة بغداد. ووزع مصوريه في الداخل والخارج وكل الزوايا. ووزع معهم شهود العيان. وعندما وضع صدام حسين في نعش خشبي من صنع نجار غير محترف، في شاحنة وانيت من النوع الذي يعيش منه فقراء العراق، لما حدث ذلك، تولت الكاميرات تصوير النعش المسجى في الشاحنة الوانيت، من فوق، لكي لا يفوتها من الصورة شيئاً.
كان هذا الجزء الثاني والأخير من فيلم المستر كوبولا، فرانسيس كوبولا. الجزء الأول صوره في مكان مجهول من العراق، في بستان نخيل، في حفرة. وكان بطله أشعث الشعر، كث اللحية. وركزت الكاميرات على فمه وأسنانه، للتأكد من انه على ما يرام. لن يخون المخرج ويستغفله ويموت ميتة سلوبودان. المستر كوبولا في حاجة إلى بطله حتى اللحظة الأخيرة. في حاجة إلى حفرتين: حفرة الأسر وحفرة الردم. ولا يهتم المخرج كثيراً للمشاعر والمناسبات. يهتم فقط بالمردود. لذلك ترك الهتاف لمقتدى الصدر واضحاً. ممنوع التعديل.
العنوان الأصلي للمقال : فرانسيس كوبولا
التعليقات