5/1/2007

د.محمد قيراط

تميز عام 2006 بتصاعد الإسلاموفوبيا والإساءة إلى الإسلام حيث انتشر التشويه المنهجي للإسلام والمغالطات الكثيرة التي اُرتكبت وتُرتكب في حق الإسلام والمسلمين منذ عقود من الزمن، وكيف تضاعفت هذه الصور النمطية وعمليات التشويه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. من جهة أخرى تكاثرت المضايقات والاعتداءات على الجاليات المسلمة في الدول الغربية حيث أصبحت أوساط أمنية وإعلامية وفكرية تربط كل ما هو عنف وإرهاب وقتل وجرائم بالإسلام والمسلمين.

وقبل عدة شهور نُشرت رسوم كاريكاتورية في جريدة دانمركية، وبعد ذلك في جرائد عديدة في العالم، لتعبر عن الاستهتار والاستهزاء بمقدسات المسلمين ولتعبر عن الحقد والكراهية التي تنتشر في بعض الأوساط المعادية للإسلام. هذه الرسوم أثارت استياء كبيرا عند المسلمين في جميع أنحاء المعمورة. في هذه الأجواء المشحونة بالحقد والكراهية وسوء الفهم والالتباس طالبت العديد من الجهات العلمية والفكرية الأكاديمية ضبط النفس والتحلي بالأخلاق العالية وباحترام الآخر وبالحوار البناء. وطالب الكثير بحوار الحضارات والثقافات من أجل التفاهم والتسامح ومن أجل بناء جسور المحبة بين مختلف الديانات والحضارات.

في هذه الظروف المكهربة والصعبة والأجواء غير الطبيعية وبعد أشهر من استفزاز الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، يأتي بابا الفاتيكان بندكتوس السادس عشر، ومن خلال محاضرة علمية قدمها في راتيسبون بألمانيا أمام عشرات الآلاف من الأشخاص ليدلي بمعلومات مغرضة ومضللة تمس الرسول صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي وخطورة الموقف هنا تتمثل في أن الكلام جاء على لسان مرجعية دينية وليس مجرد صحافي أو شخص بسيط. انتشرت وتضاعفت في السنوات القليلة الماضية حملات التفتيش والاعتقالات والمضايقات على العرب والمسلمين الزائرين والمقيمين في العديد من الدول الغربية من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة بسبب وبدون سبب. فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبحت العمليات الإرهابية والجرائم مقترنة بالعرب والمسلمين وانتشرت بذلك ثقافة الخوف من الإسلام. هذا الدين الذي تم تصويره وتقديمه للرأي العام من قبل الصناعات الإعلامية والثقافية على أنه دين القتل والعنف والإقصاء وعلى أنه دين غير متسامح.

كما استهدفت حملات إعلامية ودعائية مغرضة ومضللة عديدة الدين الإسلامي من خلال التخويف من الإسلام والمسلمين والتحريض ضدهم ومطالبة أجهزة الأمن من تكثيف حملات التوقيف والسجن والتدخل في تفاصيل الحياة الشخصية للمسلمين المقيمين في الدول الغربية ومراقبة تنقلاتهم ونشاطهم وحتى تصرفاتهم اليومية. وهكذا انتشرت صناعة الخوف وتفننت فيها بعض الدول والجهات التي تستهدف كل ما هو عربي ومسلم.

لقد اهتزت صورة الإسلام والعرب في السنوات الأخيرة في الرأي العام الدولي بصورة خطرة جدا ساهمت في العديد من المرات في اتخاذ مواقف معادية وسلبية ضد الشعوب العربية والإسلامية. وكنتيجة لهذه الحملات المنهجية والتشويه والتضليل المنظم أصبحت شعوب العديد من دول العالم معادية ومتخوفة من الإسلام والمسلمين والعرب وأصبح ووفق الصور النمطية التي قدمت لها تؤمن بصراع الحضارات وصدامها.

والأخطر من هذا فإن قادة الرأي وصناع القرار والساسة وحتى نسبة كبيرة من المثقفين انضموا إلى قافلة مهاجمة الإسلام واستهدافه وتشويهه. وأصبح العديد ينّظر ويفسر ويفتي في قضايا وشؤون الإسلام والمسلمين والحضارة الإسلامية عن جهل وبثقافة الحقد والكراهية والانتقام.

الصراع بين التشويه والتضليل والتلاعب بمعتقد ودين الآخر والحقيقة والواقع ليس وليد سنة 2006، فالإساءة إلى الإسلام والمسلمين والعرب تمت وتتم بطريقة منسقة ومنظمة من خلال ما يُبث ويُذاع ويُنشر في العالم منذ عقود من الزمن من خلال المنتجات الإعلامية والصناعات الثقافية. فالصراع الموجود حاليا بين الغرب والشرق وبين الشمال والجنوب وبين الديانات وبين الثقافات ما هو في حقيقة الأمر سوى صراع مفتعل. الصراع هو صراع دلالات، صراع معان، صراع نوايا أما الحضارات فتوجد لتتكامل وتتناغم وتتوافق من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء. الصراع الموجود سببه الالتباس والتشويه والتضليل وعدم فهم الآخر أو انعدام النية لفهم الآخر.

فإذا كان هناك حوار ونقاش وتواصل واتصال فهذا يؤدي لا محالة لفهم الآخر ومحاورته والاستفادة منه وإفادته. قنوات الاتصال والتواصل والتفاهم غير موجودة وغير قائمة أساسا بين الدول والأمم وإن وُجدت فإنها تسيطر عليها صناعات ثقافية وإعلامية تنبذ الحوار والنقاش ومحاولة فهم الآخر ومحاولة فهم الدلالات والمعاني وتؤمن بمنطق واحد هو منطق العولمة ومنطق ثقافة الأقوى.

محاورة الآخر وإقناعه وتبصيره بحقيقة الأمر بحاجة إلى خطة منهجية منظمة ومستمرة لعمل طويل المدى بهدف التواصل والحوار مع الآخر من خلال الفكر والعلم والمنطق والتاريخ والأدلة والحجج والبراهين. فأحسن طريقة للرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والتلاعب هو إعطاء البديل وإعطاء الدليل القاطع وتوفير المعلومة حتى تتم عملية القضاء على الإشاعة وتصحيح المغالطات والتشويه والتحريف. وهنا يأتي دور الإعلام وهنا نتساءل: ما هو دور وسائل الإعلام في مثل هذه القضايا؟ أهو التشويه والتضليل وخلق المشكلات والصور النمطية؟ أم القيام بدور حضاري مبني على الالتزام والأخلاق من أجل خدمة القيم الإنسانية والأمن والاستقرار والتفاهم والمحبة في أرجاء المعمورة؟

التحدي كبير ولا يجب أن تتوقف المساعي الحميدة من ملتقيات وندوات ومؤتمرات ليس في العالم العربي فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. الموضوع بحاجة إلى برنامج عمل منهجي وعلمي واستراتيجي مبني على المنطق والحجج والبراهين وبلغة الآخر ولغة العصر. فالأمة الإسلامية، وأكثر من أي وقت مضى، مطالبة بأن لا تتوقف عن عملية تعريف الآخر بالمصطفى وبالأنبياء والرسل وبالدين الحنيف وبالقرآن الكريم ومعانيه وعبره وأحكامه.

كما من واجب الأمة الإسلامية كذلك نشر الرسالة والدعوة وتاريخ الحضارة العربية الإسلامية وعالمية الدين الإسلامي ومحاسنه ونعمه على البشر والإنسانية جمعاء. في عصر العولمة والمجتمع الرقمي يتوجب على المسلمين أن يضاعفوا مجهوداتهم ومساعيهم من أجل تجنيد وتسخير وسائل صناعة الرأي العام ـ وسائل الإعلام ـ لتلعب دورا إيجابيا بنّاء وليس دورا سلبيا هداما ـ نشر الصور النمطية ورسائل الحقد والكراهية والضغينة والمكائد للآخر.

يجب على وسائل الإعلام العالمية أن تتحلى بالمسؤولية والالتزام لخدمة العلم والمعرفة والحقيقة والقيم الإنسانية وأن تعمل جاهدة من أجل نشر الأمن والأمان والطمأنينة والتفاهم بين شعوب وأمم ودول العالم. ما نلاحظه في أيامنا هذه هو أن وسائل الإعلام أصبحت وسائل ووسائط لتلويث المحيط الفكري والثقافي على المستوى المحلي والدولي. وبدلا من تلطيف الأجواء وإقامة قنوات التفاهم والتواصل والتسامح والتعارف من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء، نجدها تتفانى في خدمة حفنة من أباطرة المال والسياسة، حفنة لا يهمها سوى الفتن والحروب والصراعات من أجل بيع الأسلحة والسلع والخدمات واستغلال وابتزاز الشعوب لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والأرباح.