جاسر الجاسر


لاأحلم بمنافسة الكويت في الحرية الإعلامية رغم الانتكاسات الأخيرة التي تعرضت لها، ولا أرجو أن أحظى بامتيازات الصحافة اللبنانية لأنها ذات أساس هش ومتهالك، وهي إن حلقت عالياً فإنها كثيرة السقوط، ولكن أتمنى أن تترسخ الحرية الإعلامية محلياً، وأن يكون لكل خطوة دورها في ترسيخ هذا الحق وتأصيله من أجل تأكيد نمو المجتمع وانفتاحه، وتقرير حقيقة أن الخلل عابر أما الأصل فهو التنوع في الأراء، واحترام حرية الصحافة باعتبار أن محصلتها الأساسية هي دعم منافذ الانفتاح والحيوية والتعدد في المجتمع، وأنها أهم أدوات حقوق الإنسان، وأبرز الراعين لها.

الصحافة السعودية متقلبة في سعيها الحرية، وكثيراً ماترتبك خطواتها، والمؤسف أنها لم تستطع أن تبني لنفسها صورة متماسكة متنامية، بل إنها رغم تاريخها الطويل، نسبياً مقارنة بمسار المجتمع، سجلت تراجعات حادة ومؤلمة، وانكمشت، في فترات مختلفة، لتكون مجرد نشرات باهتة، ولاجدال أن مظاهر حريتها النسبية اليوم لاتتجاوز محاولة استعادة تاريخها القديم، وأيام نشأتها الأولى، إضافة إلى أن هذه الحرية لاتحسب كلياً للصحافة وليست ثمرة جهدها فهي مكتسب ظرفي متصل، بالضرورة،بمتغيرات العالم وسرعة تداخله ولعلها، وفق هذه الرؤية، تبدو ساكنة لأن المهم هو تجاوزها الوضع وليس مجرد الاستجابة لمؤثراته.

من أسباب الركود في الصحافة السعودية مجافاتها للإشتراطات المهنية إذ أنها المؤسسات الوحيدة في البلد التي يدخلها العاملون، في أحيان كثيرة، تبعاً لحالات الرضا والقبول الشخصي بعيداً عن المهارات والقدرة. وهذا الوضع الغرائبي يشكل أبرز معوقات تطور الصحافة ونموها فهي مهنة موقف ورؤية ووعي، وريمكن أن تدرجضمن الوظائف التقليدية وإلا فإنها تصبح نشرة رسمية لاعلاقة لها بالصحافة إلا من خلال قرابة الشكل والمظهر أما الحمض النووي فإنه يكذّب الصلة بينهما.

باستثناء صحفيتين فإن البقية تمارس دور الرقابة كأنها مسكونة بفيروسه، وتحارب العمل المهني، وتضغط من أجل أن لاتعمل فتخطيء، ولذلك حُرمت البلد، ظلماً ودون قرار سياسي، من صورتها الصحافية الفعلية، وتميزت أكثر صحفها بالرتابة وإن كان تشابه هذه الرتابة، والتطابق في المحظورات الجزئية يثير الشك في أنها تخضع لسلطة رسمية توجهها حرفاً بحرف وتضبط مسارها حسب الرغبة الرقابية، إلا أن المضحك أن هذه الرتابة ظهرت سبب تقليد الصحف لبعضها خاصة أن ظنت بعض الصحف أن لرئيس تحرير صحيفة بعينها صلة وثيقة بمركز السلطة فيتبعونه طلباً لموقعه وليس مجرد رغبة بريئة في اجتناب المحظور، ولأن كثيراً من القائمين على الصحافة لايعشقون المهنة ولايتذوقون حلاوة عذاباتها فإنهم عملوا على أن يكونوا نسخة مكررة لوكالة الأنباء الأمر الذي أدى، بالحتمية، إلى مفارقتهم درب الصحافة.

الصحافة لاتكون أسيرة إلا حين تعي ذلك أما إن غاب وعيها فإن الحرية والقيد سيان!
[email protected]