الخميس 11 يناير 2007

مـرسي عطـا اللـه



rlm;هذا الانشغال المصري ـ الذي يراه البعض انشغالا زائدا عن الحد ـ تجاه هذه الحزمة المتشابكة من القضايا العربية والإقليميةrlm;,rlm; لا ينبغي النظر علي أنه نوع من الترف السياسي الخارجيrlm;,rlm; علي حساب الهموم والمشكلات الداخليةrlm;...rlm; وأيضا فإن الانشغال المصري بما وراء الحدود ليس فقط تعبيرا عن تضامن تفرضه التزامات أخلاقية وتاريخية وجغرافية علي مصرrlm;,rlm; إنما هو في المقام الأول يعكس إحساسا صادقا بخطورة وتشابك وغليان الأوضاع في منطقتنا التي باتت أشبه بمرجل يغلي ويوشك علي الانفجار من شدة البخار المكتوم بداخلهrlm;...rlm; بل إنني أعتقد أنه ليس بمقدور مصر ـ حتي لو أرادت ـ أن تبقي بعيدا عن ذلك الذي يجري مخيفا ومرعبا خصوصا في فلسطين وإقليم دارفورrlm;,rlm; وما يمكن أن ينجم عن ذلك من تداعيات مستقبلية عند أقرب خطوط التماس لحدودنا الشرقية والجنوبيةrlm;.rlm;

والحقيقة أن هذا الانشغال فضلا عن أنه قدر مصر ودورهاrlm;,rlm; فإن ما نراه بأعيننا علي امتداد هذا الإقليم المضطربrlm;,rlm; يؤكد أن مصر لم يسبق لها ـ علي طول تاريخها ـ أن واجهت مثل هذا الكم الهائل من المخاطر والتحديات دفعة واحدةrlm;.rlm;

ولست أظن أنه يمكن أن يغيب عن فطنة أحد أن كل دروس التاريخ وكل ثوابت الجغرافياrlm;,rlm; التي تمثل أحد أهم مرجعيات صياغة استراتيجية الأمن القومي لأي دولةrlm;,rlm; تحتم علي مصر مثل هذا الانشغال بقضايا الخارج المحيط بهاrlm;,rlm; ومن ثم فإن مصر لا تستطيع أن تعزل نفسها عن أي صراع إقليميrlm;,rlm; خصوصا أن الامتدادات الإقليمية لمصر أكبر من أن تقاس علي أنها امتداد عربي فقطrlm;,rlm; لأن مصر التي تقع جغرافيا في إفريقيا هي نفسها مصر التي ارتبطت حركتها السياسية عبر التاريخ في آسياrlm;.rlm;

وأظن أنه في مثل هذه القضايا المتعلقة بالحاضر والمستقبلrlm;,rlm; والمستندة الي التاريخ والجغرافياrlm;,rlm; ليست هناك مشاعر وعواطف تحكم بوصلة الاتجاهrlm;,rlm; وإنما هناك حقائق يصعب تجاهلها أو التوهم بإمكان الاستغناء عنهاrlm;!rlm;

وأظن أيضا أنه لا يمكن لأحد أن يصادر علي مصر حقها في الإحساس بمشاعر الخطر تجاه ما يجري ملاصقا لحدودها الشرقية في فلسطين بوجه عامrlm;,rlm; وقطاع غزة علي وجه الخصوصrlm;,rlm; أو تجاه ما يجري في إقليم دارفور السوداني عند الخاصرة الجنوبية لمصرrlm;,rlm; فضلا عن أن الإطار القومي الذي يحيط بنا بوحدة الدين واللغة وتشابه الثقافات والمصالح لا يسمح لنا بالانسلاخ عن جلدناrlm;!rlm;

ويعزز من أهمية ما أقول بهrlm;,rlm; أننا في عصر لا أظن أنه كان له شبيه في التاريخ من حيث أحادية القوة من ناحيةrlm;,rlm; وبشاعة هذه القوة التي تفوق كل خيال من ناحية أخريrlm;,rlm; والتي أصبحت ـ لأول مرة ـ قابلة للاستعمالrlm;,rlm; بل جري استعمالها بالصدمة والترويع في العراق وأفغانستان ببشاعة ووحشية غير مسبوقةrlm;...rlm; ومازالت إشارات التلويح بإمكانية الاستخدام الفج وغير المشروع للقوة تتوالي برغم فشل رهانات القوة في العراق وفلسطين حتي الآنrlm;!rlm;

وفي حدود علمي وفهميrlm;,rlm; فإن الذي يمنح مصر هذه المكانة المضافة الي مكانة الموقع والوزنrlm;,rlm; هو أن لغة الخطاب السياسي المصري في التعامل مع ما لحق بالأمة من أزمات ونكبات لم تكن لغة استسلام بأحاسيس العجزrlm;,rlm; وإنما كان لسان مصر يري أنه مع التسليم بأننا في مأزق إلا أننا قادرون علي الخروج منه وليس هناك ما يمكن أن يقعدنا عن الحركة الواجبة التي تعطل خروجنا من المأزق سوي أن نسرف في البكاء علي الأطلال ونندب حظنا التعسrlm;,rlm; بينما نحن قادرون بالعمل تحت مظلة العقل والفهم أن نتجاوز كل ما ألم بناrlm;!rlm;

وعظمة مصر أنها تؤمن بأنها جزء من أمة عظيمةrlm;..rlm; والأمم العظيمة هي التي تستطيع أن تمتص أقوي الصدمات وأن تحولها الي طاقة عمل وبناء كي تصحح ما فات وتنطلق لتلبية كل ما هو آتrlm;!rlm;
rlm;
***rlm;
ولكن يبقي السؤال الضروري هوrlm;:rlm;
هل يمكن لمصر وحدها أن تتحمل عبء ومسئولية القيام بدور رجل الإطفاء في المنطقة بينما الحرائق تتواصل وتفوق قدراتها وإمكاناتها وحدها؟

وجوابي هوrlm;:rlm;
أن مصر يمكن لها أن تلعب دورا طليعيا في التنبيه وإضاءة المشاعل ولكنها لا تستطيع وحدها أن تتحمل عبء الدفاع عن قضايا الأمةrlm;,rlm; في وقت تتزايد فيه حدة الاتهامات المدعومة بقدرات خارقة علي التلفيق وخلط الأوراقrlm;!rlm;

أريد أن أقول بصراحةrlm;,rlm; إن الأوضاع العربية والإقليمية والدولية الراهنة لم تعد تسمح لأحد بأن يواصل السباحة في بحر الأوهامrlm;,rlm; وأن يتجاوز خطوطا معينة تمثل انفلاتا يتجاوز الحقائق المؤكدة خصوصا اذا تعلق الأمر بطموحات لا تستند الي قدرات راهنة ولا تعزز بأي ثوابت جغرافية وتاريخية مؤكدةrlm;!rlm;

ومعني ذلك أن المطلوب لنا في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ البشريةrlm;,rlm; هو صحة اليقين بأنه قد آن الأوان لكي ندرك أن العلاقات الدولية لا تعرف منطق المجاملة وسياسة تبويس اللحي التي نلجأ إليها لاحتواء الأزمات في العلاقات العربية ـ العربيةrlm;,rlm; وانما هي علاقات المصلحة بكل ما في الكلمة من معانrlm;,rlm; وأنها تكاد تكون تجسيدا لثقافة التكتيك الكروي المعروفة باسمrlm;:rlm; هات وخدrlm;!rlm;

بوضوح شديد أقولrlm;,rlm; إنه اذا لم يستطع العمل العربي المشترك أن يفرز منهجا جديدا يوفر للأمة قدرة الضغط بعيدا عن شبهة التهديدrlm;,rlm; فإن الرهان علي عودة الاهتمام العالمي بأي من قضايانا الأساسية خصوصا القضية الفلسطينيةrlm;,rlm; سوف يظل رهانا به من الخيال ما هو أكثر من الحقيقةrlm;!rlm;

إن العمل العربي المشترك الذي أتحدث عنهrlm;,rlm; هو ذلك العمل الذي يستند الي رؤي جديدة وأفكار مستحدثة تستعيد بها الأمة أسلحتها المشروعة وأوراقها الرابحة في سوق السياسة الدوليةrlm;,rlm; الذي لم يعد فيه سر مخفيrlm;,rlm; وانما كل الأوراق معلنة ومكشوفة ومطروحة للتداول في بورصة عصر القوةrlm;.rlm;

ويشجعني علي كل ما قلت انني أعتقد أن هذه القدرة العربية موجودة وحاضرةrlm;..rlm; ثم إن إعادة تصحيح معادلة القوة العربية في المنطقة ليست بالأمر المستحيل ولكنها تحتاج الي أرقام وحسابات جديدة يصنعها مناخ جديد خال تماما من كل ما أصاب المنطقة من ضباب مؤقتrlm;!rlm;

ثم إنني أظن أننا يجب أن نواصل الثقة في التاريخ الذي يستطيع في النهاية أن يؤكد صحة مساره عندما يجري التعامل معه بالعقل وليس بمجرد الهويrlm;!rlm;

إننا بحاجة الي فكر سياسي عربي جديد يملك القدرة علي الانتصار للحسابات الاستراتيجية الدقيقةrlm;,rlm; وتجنب الألعاب التكتيكية في زمن لم يعد يسمح بترف المغامرة ولا بأي هامش محدود للمقامرةrlm;!rlm;
rlm;
***rlm;
وإذن ماذا؟

في اعتقادي أن الأمة العربية لم تكن يوما بحاجة الي اعتماد منهج سياسي جديد يستند الي تحكيم العقل من ناحيةrlm;,rlm; وإعادة بناء النفس والذات علي أسس سليمة من ناحية أخريrlm;,rlm; بمثل ما تحتاج اليومrlm;.rlm;

إن الأمة بحاجة الي سياسة رشيدة ترتبط بالمستقبل بأكثر من ارتباطها بالماضي ودون أن تنفصل عن الحاضر فلم يعد لدينا ترف الانشغال بالكلام في الوقت الضائع أو الجدل حول قضايا فات زمانها وانقضي أوانهاrlm;.rlm;

ولست ألوم أحدا عندما أقول إن مصر قد بح صوتها وهي تلح علي الجميع في ضرورة إدراك معطيات العصر الذي نعيشهrlm;,rlm; وما يستلزمه ذلك من تركيز الجهد علي صيانة وتدعيم كل أسباب القوة والتكامل والابتعاد تماما عن كل الهوامش والتفاصيل التي تغذي التناقضات والحساسيات وتوفر لأوضاع العجز والضعف كل ما تحتاجه من مقوماتrlm;.rlm;

وأيضا فإن مصر كانت ومازالت تلح علي الجميع أن يدركوا حاجتنا ـ كعرب ـ الي صنع التزاوج المطلوب بين حلم قوي ينبغي استمرار الاستمساك بهrlm;,rlm; وبين واقع دولي وإقليمي من الخطأ والخطر ـ معا ـ أن نتجاهله ثم نقع في محظور الاستدراج الي فخاخ الاستفزاز في مواجهة قوي لم تعد تخفي حماقتها ولا غشامتهاrlm;.rlm;

وفرق كبير بين التمسك بكل موروثاتنا الثقافية والدينية والحضارية وبين نزعات التزمت والتحجر التي تؤدي الي استمرار تخلفنا عن العصر واستحقاقاته التكنولوجية والفكرية والسياسيةrlm;.rlm;

ثم استدرك قبل النهاية وأعود الي نقطة البداية حول دوافع الانشغال المصري بقضايا أمتها وأقول ـ عن ثقة وعن يقين ـ إن المرحلة المقبلة سوف تؤكد أن مصر ليست وفية فقط لمواصلة دورها المحوري كعامل موحد لأمتها العربيةrlm;,rlm; وإنما سوف تنشط دورها كرائد مجددrlm;,rlm; لأن التجديد والتحديث هما سلاح الأمة العربية في مواجهة المحاولات المستمرة ـ والمرشحة للتصاعد ـ لكسر النظام العربي وخلخلته بأطروحات عديدة من نوع أطروحة الشرق الأوسط الكبير أو أطروحة الشرق الأوسط الجديدrlm;!rlm;

ومن يراجع الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي لنموذج الديمقراطية الحديثة في العراق ـ تحت رايات الغزو والاحتلال ـ سوف يكتشف أن بغداد قلب العروبة النابض لم تعد معنية ـ ولو بمجرد الكلام ـ بالإشارة الي قضايا الأمة أو حتي الإشارة الي جدية الانتساب لهاrlm;!rlm;