الجمعة 9 فبراير 2007


سعد محيو

ldquo;المسألة أصبحت أشبه بخلط الأوراق التي يكون من المستحيل إعادتها إلى سابق عهدها إلا بمعجزة إلهيةrdquo;.

هذا المثل الأوروبي ينطبق بحرفيته الآن على الوضع في العراق وإيران وبقية مناطق الخليج. فأوراق اللعب السياسية والعسكرية اختلطت بشكل لا يصدق. والجهود لإعادة الأمور إلى سابق عهدها تبدو، حتى الآن على الأقل، صعبة للغاية. وفوق هذا وذاك، بات واضحاً ان إدارة بوش وصلت في أزمتها مع إيران إلى مرحلة لم يعد في وسعها معها إلا التقدم إلى الأمام.

إلى أين إلى الأمام؟

الخيار العسكري، كما قال نائب الرئيس تشيني، وارد. لكنه لا يبدو حتى الآن الخيار الأمثل أو الأكثر جاذبية، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الأولويات القصوى الأمريكية الراهنة في العراق. الوارد على الأرجح هو الخيار النفطي الاقتصادي. أي تجويع إيران حتى الموت. كيف؟

ليس فقط عبر مواصلة إحكام حبل الحصار الاقتصادي الشامل حول رقبتها، بل أولاً وأساساً بحرمانها من البترودولار عبر خفض أسعار النفط.

إيران تنفق الآن مئات ملايين الدولارات على سياساتها الخارجية في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين. وهي لم تكن لتفعل ذلك لولا الارتفاع الشاهق في أسعار البترول. بخفض السعر، تنخفض حيوية هذه السياسات إلى ما يقرب الصفر، وتنفتح أبواب جهنم على النظام الإيراني، أو هذا على الأقل ما تراهن عليه الولايات المتحدة وبعض الدول العربية ldquo;المعتدلةrdquo; التي قد تنحو هي الأخرى النحو نفسه وهو رهان في محله.

فحتى مع ارتفاع أسعار النفط، كان النظام الايراني يحقق الفشل تلو الآخر في تقديم خطط تنمية ونمو اقتصاديين قادرين على تلبية الطلب المتزايد على فرص العمل، من جانب شعب فتي يبلغ عدد الشبان فيه (ما دون سن الخامسة والعشرين) أكثر من 65 في المائة، كما أنه كان يفشل أيضاً في وقف مسلسل هجرة الشباب إلى الغرب (200 ألف شاب خلال العام الماضي) وحده، وفي الحد من التضخم (17 في المائة) وفي مكافحة المخدرات (مليونا مدمن)، وبالطبع في التصدي للفساد الكاسح.

في ما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة، أي الفساد، لا تزال الرسالة المفتوحة التي نشرها أحد أقطاب الثورة الإسلامية، جلال الدين الطاهري، تدق أكثر من ناقوس خطر، فقد حملت رسالة الطاهري، الذي رقاه الامام الخميني إلى رتبة آية الله، على ما وصفته بrdquo;اليأس، والبطالة، والتضخم، وارتفاع الأسعار، والفجوة الجهنمية بين الفقراء والأغنياء، والمسافة التي تتعمق يومياً بين الطبقات، وجمود الدخل القومي وتدهوره، والاقتصاد المريض، والفساد البيروقراطي، والإدارة الضعيفة، والثغرات الكبرى في البنى السياسية، والاحتيال والرشوة والادمانrdquo;.

ولم يكتف الطاهري بذلك، بل هاجم أيضا من وصفهم بrdquo;القابعين فوق جمل السلطة، الذين يحكمون بفاشية ويتكوّنون من عناصر إما فاشية أو مجنونةrdquo;.

هذه الرسالة التي نشرت قبل نحو السنتين، تحولت إلى وثيقة تاريخية كان يفترض أن تنطلق منها ldquo;الثورة على الثورةrdquo; في إيران. بيد ان هذا لم يحدث بسبب الارتفاع المفاجئ آنذاك في أسعار النفط، الأمر الذي منح النظام فرصة ذهبية لrdquo;شراءrdquo; ولاء العديد من قطاعات المجتمع.

والآن، إذا ما عاودت أسعار النفط الانخفاض، فسيكون النظام على موعد مع كوابيس قد يعرف أولها، لكن لن يكون في مقدوره معرفة آخرها.

إنه سلاح النفط إياه، وقد دخل مجدداً على خط إعادة خلط الأوراق في منطقة الخليج، وهو سلاح سيثبت بعد حين أنه أخطر وأشد مضاء بكثير من الحرب العسكرية.