انتقد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السابق إلى العراق الأخضر الإبراهيمي الاحتلال الأميركي للعراق بشدة واعتبر قرار الاحتلال قراراً خاطئاً، معتبراً انه laquo;منذ احتلال العراق وحتى الآن لا يوجد أي قرار قد اتخذ بطريقة صحيحةraquo;.
وأعرب الدبلوماسي المخضرم، وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي، عن أسفه من القيام بمهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى العراق. وقال في حوار مع laquo;الشرق الأوسطraquo; جرى في مكتبه بمعهد الدراسات المتقدمة القريب من جامعة برنستون في نيويورك، حيث يحل زائراً: laquo;اعترف بأن قراري بالموافقة هو خطأ وأرفضه الآن وكان غير صائب على الإطلاق لأنه لم يثمر أية نتيجةraquo;. وانتقد الإبراهيمي سلسلة الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون في العراق واعتبر الانتخابات التي جرت خطأ كبيراً، قائلاً: laquo;كان من الممكن الانتظار لفترة حتى تتوفر الشروط الملائمة لهاraquo;. ووصف الابراهيمي حكومة المالكي بحكومة المليشيات وليست حكومة الوحدة الوطنية. وأعرب الإبراهيمي عن أسفه من استخدام المصالحة الوطنية كموضوع لـlaquo;التهريج والمساومةraquo; على حد تعبيره، وقال: laquo;إنه لم يثمر أي شيء على الإطلاقraquo;. ورأى الإبراهيمي أن حل المشكلة العراقية الآن ليس بيد الأميركيين إنما بيد دول الجوار ودول المنطقة. وأوضح أن الأميركيين الآن لا يعملون على حل المشكلة العراقية وإنما يفكرون فقط بحل مشكلاتهم الناجمة عن احتلال العراق. وهنا نص الحوار:
* مضت فترة الآن على انتهاء مهمتك كمبعوث خاص للأمم المتحدة كيف ترى العراق اليوم؟
ـ الوضع في العراق الآن سيئ جداً ولا يوجد اثنان يختلفان على هذا، وفي حقيقة الأمر يمكن القول إنه منذ اتخاذ قرار احتلال العراق لا يوجد قرار قد اتخذ بطريقة صحيحة، وأن قرار الاحتلال نفسه كان قراراً خاطئاً وظالماً، وكان من الممكن فيما بعد اتخاذ بعض القرارات الصحيحة وهذا لم يحصل أبداً. وتراكمت الأخطاء واحداً بعد واحد وهذا ما أوصل العراق إلى الجحيم الذي نراه الآن.
* قبل تسلم مهمتك كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة كنت متردداً جداً لتسلم المهمة بل كنت رافضاً، ما الذي جعلك توافق على هذه المهمة الصعبة للغاية؟
ـ كنت رافضا لأني كنت ببساطة ضد الغزو الأميركي للعراق، وأعرف أن كل ما قام به الأميركيون قائم على خطأ، وعندما عرض علي في المرة الأولى قبل أن يذهب (المبعوث الخاص الاول الذي قتل بتفجير مبنى بعثة الامم المتحدة في بغداد) سيرجي دي ميللو قلت إن الأمم المتحدة يجب أن لا تشارك في العملية لأن هذا البلد قد احتل بالقوة وبدون أي قرار يجيز هذا الاحتلال سواء من قبل الجمعية العامة أو من قبل مجلس الأمن. يضاف إلى ذلك أنه بعد احتلال العراق جاؤوا (الأميركيون) إلى مجلس الأمن واتخذوا قراراً يصادق على إدارتهم للبلد كقوة احتلال. فأين إذن في هذه الحالة دور الأمم المتحدة ؟ وقد أبلغت الأمين العام السابق (كوفي انان) بعدم الذهاب إلى العراق، وأذكر اني قلت له سيأتي وقت يأتي فيه الأميركيون إليك ويطلبون منك المساعدة وسيكتشفون أنهم لا يستطيعون إدارة البلد بدون مساعدة الأمم المتحدة، حينذاك يمكن للأمم المتحدة القيام بدور. وفي يناير (كانون الثاني) 2004 جاء (الحاكم المدني في العراق) بول بريمر ومعه أعضاء مجلس الحكم العراقي إلى نيويورك وأبلغونا بأنهم الآن لا يستطيعون إدارة العراق بدون مساعدة الأمم المتحدة، وبسبب الضغوط التي مورست علي والتي رضخت لها وافقت على تسلم المهمة. واعترف الآن ان قراري بالموافقة كان خطأ وأرفضه الآن وكان غير صائب على الإطلاق لأنه لم يثمر أية نتيجة. الخطأ الثاني كان أني اقترحت تشكيل حكومة من التكنوقراط ورفض هذا الاقتراح . وكان من المفروض أن أترك مهمتي منذ ذلك الوقت. ولكني لم أترك لأني كنت أمنّي نفسي بالأمل، وحتى أن الحكومة المؤقتة التي شكلت على الورق كانت أفضل من تشكيلة مجلس الحكم العراقي لأنها كانت تضم بعض العناصر من التكنوقراط. والأهم من ذلك اقتراحنا بعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية، وللأسف جعلوا من هذا الاقتراح مهزلة بل استخدموه لإعادة كل الأفراد الذين خرجوا من مجلس الحكم مثل أحمد الجلبي وعبد العزيز الحكيم.
* مع إلحاح المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني على إجراء انتخابات عامة وأنت كنت معارضاً لها، فهل تعتقد أن الانتخابات التي جرت في وقت مبكر هي التي جرّت البلد إلى ما هو عليه الآن؟
ـ صحيح أن أغلبية العراقيين كانوا يريدون الانتخابات باعتبارها أمرا ضروريا ولكن قلنا بوضوح وقتذاك إنها ضرورية شرط أن تجري في الوقت المناسب ووفق شروط معقولة على رأسها الوضع الأمني. وحاولنا آنذاك وبالقدر الممكن والمستحيل مع الأميركيين بتأجيل انتخابات يناير (كانون الثاني) عام 2005 وقلنا لهم إن إجراءها في ذلك الوقت خطأ وأنكم لم تبذلوا أي جهد من أجل المصالحة الوطنية، لا أنتم ولا حكومة أياد علاوي. فالمصالحة كانت أمراً ضرورياً قبل إجراء الانتخابات وكانوا يقولون إن السيستاني يرفض هذا التأجيل. وفي تقديري كان من الممكن إقناع السيستاني بتأجيل الانتخابات ولا اعتقد أنه كان سيرفض موضوع المصالحة الوطنية. وكانت الرغبة بتأجيل الانتخابات ليس من أجل التأجيل وإنما من أجل خلق مناخ تتمكن فيه هذه الانتخابات من المجيء بالنتائج التي كان يتمناها السيستاني، كما كان يقول.
* ما هي قراءتك لآية الله السيستاني؟
ـ هو رجل بدون شك يتمتع بذكاء عال وعلى اطلاع جيد ولديه عدد من المستشارين الجيدين، وكان دائماً يكرر بأنه ليس عراقياً، وما يعنيه أنه لا يريد أية دور سياسي وهذا أمر صحيح. ولكن من المؤكد أن اسمه استخدم سياسياً.. وهل هذا الاستخدام السياسي تم بإرادته أو بتخطيط منه أم بالضد منه، هذا أمر لا يمكن البت به، والله أعلم.
* كم مرة التقيت به ؟
ـ مرة واحدة فقط، وهذه المرة لا تكفي بالتأكيد بالخروج بأحكام قاطعة عنه.
* هل تعتقد أن الانتخابات التي جرت في العراق سواء قبل الدستور أو بعده كانت خاطئة؟
ـ معلوم أنها كانت خاطئة، والمشكلة أن كل الدول التي تعيش فترة ما بعد النزاع كلها تتطلع إلى الأمم المتحدة لإجراء انتخابات وكأنها الحل السحري. ورغم أهميتها وضرورتها لا يمكن أن تأتي إلا في الوقت المناسب، ومن الضروري توفير جملة من الشروط وأن يصاحبها وضع أمني معقول، لأن الانتخابات في النهاية تفرق الناس. فكيف يمكن اجراء انتخابات في بلد مقسم والناس يحملون السلاح ضد بعضهم البعض؟ الانتخابات في هذه الحالة تزيد من الانقسام والفرقة.
* ما هي قراءتك للعملية السياسية في العراق باعتبارك ساهمت في وضع اللبنة الأساسية فيها؟
ـ في الحقيقة لا يصح تسمية ما قمنا به باللبنة الأساسية وهو غير صالح في أن يكون لبنة لأي شيء في العراق. وفي حقيقة الأمر أن المطلوب هو شيء آخر ولا بد من الأميركيين أن يعترفوا بأنهم اخطأوا في كل مرحلة وهذا ليس للتشفي بهم لأنه لا يمكن حل أية مشكلة إذا لم تعترف بالخطأ. والأمر الثاني أنه يوجد في المنطقة الآن نوع من التوجه يقول بأن الأميركيين خربوا البلد وهو موقف المتفرج وهذا لا يصح ـ ويعتمدون سياسة، كما يقول المثل الاميركي you break it, you own it (انتم كسرتموه، انتم تملكونه). ويجب على دول المنطقة عدم قول مثل هذا الكلام، بل يجب القول إنهم (الأميركيين) كسروا البلد ولكننا قد ورثناه، وأن العراق هو لنا وإن كان مكسراً والعراقيون هم أهلنا. ولهذا فإن الكلام الذي قاله مختار لماني (ممثل الجامعة العربية في العراق) في غاية الأهمية لأنه اعترف بأن العرب لم يعطوه أي شيء يمكن أن يساعد العراق من خلاله. وفي حقيقة الأمر أن رد العراق لمبادرة الجامعة العربية مشجع إلى أبعد الحدود وان جميع الأطراف، بما فيها السيستاني والحكومة والشيعة والسنة ولأكراد والمعارضة والمقاومة، قد أشادوا بلماني.
* ماذا يمكن فعله الآن؟
ـ المفروض في هذه المرحلة أن يلعب أهل المنطقة الدور الرئيسي وليس الأميركيون، واعتقد ان من الضروري أن تتفق إيران وتركيا والدول العربية على وحدة العراق واستقراره كضرورة قصوى بالنسبة لهم جميعاً، وأن لا يكون التحرك من أجل الحصول على مواقف أو مكاسب آنية مؤقتة، بل أن يكون التحرك من منظور تحقيق مصلحة العراق، وإذا تحققت مصلحة العراق فمصالح الجميع ستتحقق. فإذا اقتصر التدخل على دولة واحدة كالسعودية مثلا سيكون رد الفعل معارضة عدم التدخل في الشأن الداخلي أو لمساندة طرف على حساب الأطراف الأخرى وكذلك الحال مع إيران أو تركيا، ولكن لو ذهبت جميع دول المنطقة مع بعض سيكون رد الفعل إيجابياً.
مثلاً، ما حصل في لبنان بموضوع الطائف كان ينطلق من هذا الموقف الجماعي الموحد، ففي سنة 1987 عندما خرج أمين الجميل لا حظنا لأول مرة يفشل اللبنانيون في انتخاب الرئيس ولأول مرة كانت توجد حكومتان في لبنان. وعند ذاك رأى العرب أن البلد في حالة خراب وبادروا آنذاك بتشكيل اللجنة الثلاثية المكونة من ثلاث دول هي السعودية والمغرب والجزائر وليس هناك أي طرف لبناني يشكك في موضوعية مواقف الدول الثلاث. وقد اجتمعت هذه اللجنة الثلاثية في جدة يوم 13 حزيران (يونيو) وقرروا الاتصال بسورية والعراق باعتبارهما الطرفين اللذين كانا يغذيان النزاع في لبنان وكذلك تم الاتصال بكل الدول الكبرى والفاتيكان، وكان الغرض من هذه الاتصالات التأكيد على أن العمل يكون باسم الجميع ولا ينحصر على دول اللجنة الثلاثية. وهذا ما أدعو إليه بجلب كل طرف له مصلحة أو مشاغل معينة تخص بلد ما، فيمكن القول إن جميع دول المنطقة لديها إما مخاوف أو مصالح في العراق. ويجب أن ينطلق هذا العمل الجماعي على أساس أن الوضع الراهن في العراق غير مقبول إطلاقا لجميع دول المنطقة، لا تفجير المساجد الشيعية ولا السنية ولا قتل الأطفال في الشوارع ولا قتل الناس على الهوية، ولا مقبول أيضا تصرف الحكومة الراهنة لأنها تتصرف أحيانا كميليشيا. ومن الضروري أن يتم هذا التحرك ليس على أساس الانحياز إلى طرف على حساب الطرف الآخر، فالأكراد مثلا يحتاجون إلى الضمان مع تأكيد أن موضوع الحكم الذاتي يجب أن يكون مضمونا لهم مائة بالمائة، وكذلك بقية الأطراف الأخرى في العراق. ولن يكون الأميركيون ضد هذه العملية. وأيضاً لا يمكن لهذه العملية أن تنجح بدون مساندة الأميركيين رغم أنهم فقدوا مصداقيتهم في العراق وفي المنطقة، ولكن علينا أن لا ننسى أن لديهم حوالي 150 ألف جندي. وعلينا أن نفهم أن آخر استطلاع للرأي العام العربي كشف عن تدني شعبية الرئيس الأميركي بنسبة 42 في المائة قياساً بشارون أو اولمرت. وهذا أمر غير جيد على الإطلاق لمنطقتنا ولأول مرة تتدنى شعبية رئيس أميركي إلى هذه الدرجة.
* هل تدعو مثلا إلى إلغاء كل العملية السياسية في العراق بما فيها تجميد العمل بالدستور ؟
ـ ليس بالضرورة إلغاء كل العملية السياسية ولكن نقطة البداية هي الدستور لأن فيه فقرة واضحة وهي دستورية تدعو إلى ضرورة مراجعة الدستور. لأنه لو بدأ العمل على مراجعة الدستور من الممكن لهذه المراجعة أن تشكل بداية لإرضاء الغاضبين عليه.
* إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن في العراق هل سيقود إلى تقسيم البلد ؟
ـ أقول أحيانا لبعض الناس إنه لو كان التقسيم ممكنا ويؤدي إلى قيام ثلاث دول متجاورة ومسالمة فهو قدر، والله غالب، ولكن هذا التقسيم ليس البديل للعراق الموحد. فلن يؤدي التقسيم إلى ثلاث دول وإنما سيقود إلى الفوضى والاقتتال ومرشح أن لا ينحصر داخل العراق فقط وإنما إلى خارجه. وبوادر الحرب الأهلية قد بدأت، فالآن السني يقتل السني والشيعي يقتل الشيعي ومن بعد ستمتد إلى أن يقوم العربي بقتل الكردي بسب موضوع كركوك ومن ثم الكردي سيتقاتل مع الكردي. ودورة العنف هذه إذا حدثت ستمتد إلى خارج البلد . وقد قلت للسيستاني في لقائي معه إن هناك قتالا بين الشيعة والسنة في مساجد باكستان، وحذرت من اندلاع مثل هذه العنف الطائفي بدءا من الهند ومرورا بالعراق ولبنان. وقال حينها إن هذا الأمر لن يحصل، وقلت له laquo;يا سيدنا لماذا لا تضمنون عدم حصول هذه الفتنة الطائفيةraquo; واقترحت إجراء اتصالات وحوار مع الأطراف والمشايخ السنية من أجل تحصين الناس ضد الفتنة الطائفية وأبلغت نفس الاقتراح لعلماء السنة. وقد حذرت من الفتنة الطائفية في مؤتمر صحافي، وقامت القيامة آنذاك ضدي داخل العراق وخارجه.
* من المؤكد أنك اطلعت على تقرير بيكر ـ هاملتون عن العراق.. هل تعتقد أنه يشكل مخرجا لمأزق العراق الحالي؟
ـ منذ فترة وأنا احذر من الآتي وهو أنه طالما أن الأميركيين يقودون الآن عملية ايجاد الحلول المطلوبة في العراق فإنهم مع البريطانيين لا يفكرون بإيجاد حل للعراق وإنما التفكير بإيجاد حلول لمشكلتهم. فهم ذهبوا إلى العراق على أساس وجود مشكلة وهم لم يحلوا مشاكله بل زادوا منها كثيرا،ً وفي الوقت ذاته خلقوا مشاكل ضخمة لأنفسهم، وعلى مدار اليوم لم يفكر الأميركيون إلا بمشكلتهم. وحتى تقرير بيكر ـ هاملتون، بالرغم من بعض إيجابياته، لم يقدم حلولا لمشاكل العراق وإنما قدم حلولاً لمشكلة الأميركيين. وأول ما لفت نظري في التقرير أن من تحدثت إليهم اللجنة مجموعة من الضباط والخبراء العسكريين إضافة إلى بعض الأكاديميين وأغلبهم من الأميركيين، في حين لم نجد أي شخصية عراقية سوى بعض المسؤولين. وعندما ذهبوا إلى العراق مكثوا هناك ثلاثة أيام في بلد لم يعرفوه وقرروا الاكتفاء بمقابلة أقطاب الحكومة ومن ثم تركوا العراق. فلم يقابلوا عراقيين سواء من الذين كانوا في الخارج أو في الداخل ولم يلتقوا بأكاديميين أو خبراء أو حتى ناس عاديين من العراقيين.
لذا أريد التأكيد مرة ثانية على أن تبادر دول المنطقة في إيجاد حل للمشكلة العراقية على اعتبار أنها مشكلتهم، ولا يجوز لدولنا ولأحزابنا ولمفكرينا النظر فقط إلى واشنطن في حين تكون مواقفنا ردود فعل فقط . وانا متأكد انه لو وجدت إرادة سياسية كما وجدت إزاء مشكلة لبنان في عام 1988 بعد 15 سنة من الحرب الأهلية لتم إيجاد حلول للمشكلة العراقية. مثلا، لماذا لا تعقد قمة عربية حول المشكلة العراقية ومن ثم عقد قمة مع قادة إيران وتركيا للنظر في هذا الموضوع؟
* كيف يمكن تخطي الحساسية الطائفية في العراق بعد تصاعدها؟
ـ المشكلة أن الاحتلال من البداية خلق هذه النعرة الطائفية وبدأ التعامل مع البلد على أساس عرب وأكراد وسنة وشيعة، وللأسف أن هذا الأمر قد أصبح حقيقة. وأتذكر أن عبد العزيز الحكيم قال لي ان الوضع الجديد ولد خوفاً لدى كل طائفة أو فئة، فمثلاً يخاف الشيعة على حقهم في أن يحكم البلد كأغلبية واعتقد أن هذا من حقهم، ومقابل ذلك خوف الأكراد الأزلي من عدم الاعتراف بخصوصيتهم وثقافتهم، وان ما تحقق لهم من مكاسب يجب عدم التراجع عنه. وبالمقابل هناك خوف السنة من أن يتحملوا الجرائم التي ارتكبها نظام صدام وأن يدفعوا ثمن ما اقترفه. واعتقد أن هذا الكلام صحيح، ولكن السؤال كيف يمكن أن تطمئن الجميع، هنا يأتي دور دول المنطقة وخصوصاً دول الجوار لطمأنة جميع فئات الشعب العراقي بمن فيهم التركمان.
* الأمم المتحدة حذرت من الخلاف الذي سيثار حول محافظة كركوك والآن أثيرت المسألة وهي تنطوي على أبعاد خطيرة؟
ـ من الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون هو تعيين أول محافظ لمدينة كركوك، شخص كردي ومن جماعة جلال الطالباني، ومن بين 20 مديرا عينوا في المحافظة كان بينهم عربي واحد ولا يوجد أي تركماني من بينهم. الوضع مرشح إلى الانفجار، واعتقد أن من حق الأكراد المشروع التطلع إلى خيرات كركوك الثرية بالمصادر خصوصاً النفط، ولكن على شرط أن لا يتم على حساب العرب والتركمان في المدينة.
* هل تعتقد ان من الممكن وضع العراق تحت حماية الأمم المتحدة بدلاً من القوات الأميركية والبريطانية لبدء مسار جديد في العملية السياسية؟
ـ لا اعتقد أن هذا ممكن ان يحدث الآن، ومن المبكر تماما الحديث عن اقتراح من هذا النوع، فأهم سبب يحول دون ترجمة هذه الفكرة هو عدم وجود أية دولة ستوافق على إرسال قوات لحفظ السلام إلى العراق. وهناك الآن أكثر من دولة مترددة في إرسال قوات إلى دارفور، فما بالك بالوضع المتدهور أمنيا في العراق. وثمة سؤال يطرح كجزء من الحل هو لماذا يشرع الأميركيون ببناء قواعد عسكرية في العراق، وهذا يعني أنهم يحاولون أن يفرضوا أنفسهم من خلال الحفاظ على هذه القواعد. وسؤال آخر يتعلق بموضوع البترول ويبدو أن الأميركيين يدفعون باتجاه اعتماد قرار وتشريع يمنح امتيازات النفط العراقي إلى الشركات الأميركية.
المطلوب من الأميركيين أن يعطوا تعهداً بإنهاء وجودهم العسكري في وقت ما وأن يترك موضوع النفط إلى حين تثبيت حكومة العراق الموحد من أجل أن يكون لها الحق وحدها في التعامل مع نفط العراق. وفي تقديري هذان التزامان ضروريان على الأميركيين التعهد بهما كجزء من حل المشكلة الراهنة في البلد.
* إذا قارنت بين تجربتك في أفغانستان والعراق، كيف تجد الفارق بين التجربتين؟
ـ الوضع في أفغانستان يختلف كثيراً عن الوضع في العراق، أفغانستان كانت تعاني من حروب أهلية لمدة 25 سنة، بينما الحرب الأهلية في العراق خلقت بسبب التدخل الأجنبي. والأمر الثاني هو ان هناك إجماعا بين غالبية الأفغان، بمن فيهم حركة طالبان، على دور الأمم المتحدة هناك. وحتى التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان كان مفهوما حتى لو لم يكن مرحبا به. وحتى الأميركيون تصرفوا ضمن منطق معقول، فذهبوا إلى طالبان وقالوا لهم ليست لدينا أية مشكلة معكم، ولكن يوجد بينكم أناس اعتدوا علينا ولا يمكن السكوت عليهم. والأمر الثالث أن الأميركيين عندما شنوا الحرب على أفغانستان لم تعلن الولايات المتحدة بأنها دولة محتلة. وعندما قضوا على نظام طالبان أوضحوا بأن حربهم كانت حرب انتقام وأعلنوا منذ البداية أنهم لا يريدون احتلال البلد ولا يريدون إدارته وتركوا أمره للمجتمع الدولي. هذا يبين الفرق ما بين الوضع في العراق وأفغانستان وهو فرق واضح ما بين السماء والأرض. لذا نحن عملنا في أفغانستان عندما طلب منا وكانت هناك عمليتان، الأولى عملية الأمم المتحدة لمساعدة إعادة الإعمار ولبناء العملية السياسية، والثانية هي العملية العسكرية التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعيداً عن الأمم المتحدة رغم أن الوضع الآن قد تغير حيث تم دمج العملية العسكرية التابعة للأمم المتحدة والتي كان مقرها في كابول بالعملية العسكرية التي يقوم بها الأميركيون. ورغم ذلك جرت الانتخابات الرئاسية هناك بعد سنتين وتسعة أشهر، وحتى الدستور تم إقراره بعد مناقشات موسعة واستغرقت العملية سنتين كاملتين، وقد شارك في مناقشة الدستور 500 شخص من كل مناطق أفغانستان، وفي النهاية بعد مناقشات مستفيضة وموسعة تمت الموافقة من قبل 498 شخصا وهم من ممثلي كل المناطق فيما عارضه شخصان فقط. نعم يمكن ان تسمع الآن عن خلافات بين الأفغان وحتى استئناف القتال، ولكن ليس هناك من يختلف الآن على الدستور.
* لماذا إذن تم استبعاد طالبان من العملية السياسية؟
ـ عدم مشاركة الطالبان في العملية خطأ كبير، أهمها أنه تعذرت عليهم المشاركة في اجتماعات بون. ولكن بعد عودتنا إلى كابول بدأت أدعو إلى الاتصال مع طالبان كمحاولة لاستقطابهم داخل النظام، وفي الحقيقة انا ألوم نفسي لعدم إلحاحي على هذه المسألة نتيجة وجود معارضة شديدة لهذا الاقتراح، خصوصاً من قبل إيران وروسيا ومن تحالف فصائل الشمال ومن قبل الأميركيين، وحتى الرئيس (الافغاني حميد) كرزاي كان موقفه متردداً ما بين المؤيد والمعارض، وكان موقفي يمثل الأقلية ومع ذلك أنا ألوم نفسي الآن لعدم إلحاحي على تلك المسألة بما يكفي.
التعليقات