الجمعة 16 فبراير 2007
جورج المصري
جسدت جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري علامة فارقة في التاريخ الوطني للدولة اللبنانية، فقد مثلت حياته وانجازاته وأطروحاته الفكرية نبراساً للقيم الوطنية الأصيلة التي تعتمد أساساً على الفهم المعنوي والقيمي لإقرار الحق والخير والجمال والنهوض بالقوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير لنهضة لبنان، فلم تكن أطروحاته الفكرية والتطبيقية إلا ترجمة حقيقية لقناعاته ورغبته في احتلال لبنان مكانة جيوبوليتيكية متميزة في النظام الاقليمي العربي والساحة الدولية زمن العولمة.
مثّلت القناعات الأساسية لدولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله النموذج والمثل في تجسيد قيم الحق والعدالة والوحدة والسلام. إن هذه هي القيم العربية الإسلامية الداعية لمواصلة البناء والعطاء والتعاون بين أبناء لبنان لخدمة العروبة والاسلام وتعزيز النشاط الاقتصادي بعد التحرير. فالقائد رفيق الحريري رحمه الله لا ينفرد باتخاذ القرارات كالدول الأوتوقراطية التسلطية بل يفسح المجال لمشاركة الجاهير مرحباً بالمناقشة العامة واقتراح الحلول والبدائل لامتلاكه القدرة على التفاعل الايجابي مع شعبه. وهو ما أثبتته نتائج الانتخابات التشريعية السابقة ودوره الحيوي بين نخبة الوزراء في قيادته لمجلس الوزراء واقتناعه بكافة الآراء بديموقراطية كاملة.
ومن المعروف في علم اجتماع القيادة أن الظواهر القيادية تحتمل في تفسيرها لرؤية واسعة تفرضها طبيعتها من حيث تعقدها وتشابكها بالظروف الاقليمية وتداخل عناصرها المؤثرة. ولقد تخطت قيادة دولة الرئيس رفيق الحريري مرحلة التفسير العلمي الأحادي في تعبيره عن رؤى لبنان مما يوفر للباحثين مساحة أوسع وأعمق دلالة لرؤية الظاهرة القيادية سوسيولوجياً. ويلاحظ أن النموذج القيادي دولة الرئيس رفيق الحريري يحدد ثلاث قوى أساسية يمكنها أن توفر فهماً دقيقاً لحركة النهوض الوطني والقومي زمن العولمة وهي:
1 ـ القيادة الكاريزمية المستندة إلى الصفات الشخصية لدولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله بتوفر سمات نصرة الحق والعدل والايمان بقدرة الله سبحانه وتعالى وكفاحه النضالي منذ الصغر في سبيل مكانة اجتماعية متميزة تعتمد على الجهد الشخصي وليس القبلي أو العائلي أو الطائفي. وقد جعل ذلك الشهيد الرئيس يلعب دوراً حيوياً في صيرورة لبنان نحو الرخاء. أما الأمر الثاني فهو دور موقع لبنان الجيوبوليتيكي الذي تظهر فيه قيادة دولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله شهيد الارهاب ولنصرة خيار المقاومة لانتفاضة الأقصى وتأييد حقوق الشعوب المظلومة في عدالة التواجد ضمن النظام الدولي لتكوّن لبنان ذات شروط الدولة / القاعدة / المحور في زمن العولمة.
2 ـ تاريخية الظاهرة القيادية لدولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله شهيد الارهاب حيث تطورها التاريخي وحركتها الزمنية الجدلية المتواصلة على المستويات السياسية والاقتصادية. فنجد تأكيداً لفاعلية دور لبنان في صياغة مجتمع التماسك الوطني والمستويات الاجتماعية بالحرص على ادخال القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في ثروات البلاد إلى حيز المشاركة الشعبية في اتخاذ قرارات النهضة الحديثة ثم المستويات القومية والدولية بتأكيد عنصر السيادة الوطنية للبنان ومكانتها الريادية في النظام الاقليمي لصياغة محددات دورها الطليعي المتناسب ودورها الطبيعي والحرص على استعادة مزارع شبعا.
3 ـ تقدم لبنان تحت قيادة دولة الرئيس ذاتها كواجهة للأمن والاستقرار العربي والاندماج في آليات المجتمع الدولي. لقد استقرأ دولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله التاريخ فأدرك أن الشعوب لا يمكن أن تستمر حرية قوية دون أن تجمعها الوحدة ويؤلف بين قلوب أبنائها الحب والفداء فكانت التجربة التجمعية لكل فئات المجتمع اللبناني تحت قيادته من أجل النهضة الاقتصادية.
وتشير الظواهر القيادية لقيادة دولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله أن القادة لا يدخلون التاريخ حتى اذا كانوا ابطالاً ولكن الذين يتركون تأثيرهم على جيوبوليتكيا المنطقة وتطوراتها هم أولئك الذين يمثلون قوى اجتماعية حقيقية تملك ارادة التغيير نحو رفعة شعوبهم وتحقيق طموحاتها. وانفراد دولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله بقدرات كبيرة على قراءة امكانات لبنان الاقتصادية وحيوية دورها كقوة اقليمية متنامية تسعى إلى أداء الدور التنويري على الصعيد العربي. ولكل ذلك فإن دولة الرئيس رفيق الحريري قاد دفة لبنان من الموقع الأمامي لساحة العمل الوطني انطلاقاً بها نحو الخير والرفاهية والقوة والسلام زمن العولمة.
ويعتبر فهم دولة الرئيس رفيق الحريري لديناميكية هذا التفاعل الخلاق على استيعاب حركة السياق التاريخي وقوانينه المتميزة وقواه الفاعلة. فالألفية الثالثة تشهد عصر الثورة التكنولوجية الثالثة وثورة الاتصالات وانفتاح دول العالم على بعضها للوصول إلى عالم واحد بهموم مشتركة. وتأتي ممارسات دولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله باهتمامه الشديد بالثورة المعرفية لترمز إلى فهم العولمة بتراث عربي/ إسلامي متطور يتحرك به على عدة محاور محلية واقليمية ودولية متأثراً بجيو ـ استراتيجية المنطقة العربية والعالم الاسلامي. ولئن يجسد دولة الرئيس رفيق الحريري صورة نموذجية للرجل التاريخي كما هو الحال للعظام في حياة الأمم فإنه متجاوباً وظروف لبنان وملبياً لاحتياجاتها وتعبيراً عن سعيها النهضوي.
التعليقات