الأربعاء 21 فبراير 2007

ماكس بوت - واشنطن بوست

بعدما عكف السياسيون في الولايات المتحدة على مناقشة ما إذا كان من المناسب إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى العراق، فإن الطريقة التي تعمل بها تلك القوات لا تقل أهمية عن مسألة نشرها. فقد كانت الزيادة في عدد القوات البريطانية في حرب quot;البويرquot; مفيدة على نحو كبير، لكن الزيادة فشلت في حرب فيتنام. والفرق أن بريطانيا كانت تملك استراتيجية سليمة ساعدتها على تحقيق النصر، بينما انتهجت الولايات المتحدة سياسة فاشلة. ولكي تكون استراتيجية الحرب سليمة وفعالة وبالتالي مفضية إلى النصر، لا بد من الاحتكام إلى دليل صغير صدر عام 1964 بعنوان quot;حرب مكافحة التمرد: النظرية والتطبيقquot; لمؤلفه الضابط الفرنسي quot;ديفيد جالولاquot; الذي خاض حروباً متعددة في الجيش الفرنسي، امتدت من الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الصينية، فضلاً عن خوضه لحروب في اليونان وهونج كونج والجزائر. وإذا كان هناك من مرجع رئيسي يشرح أساليب التعامل مع حرب العصابات، فإنه لن يخرج عن كتاب quot;جالولاquot;. ورغم أن العديد من الأمور تغيرت في العقود الأخيرة، فإن الكثير من التحذيرات التي جاء بها الكتاب مازالت تنطبق على وقتنا الحاضر، لذا يمكن تتبع صدى الكتاب من خلال الدليل الذي أعده الجيش وقوات البحرية الأميركيhن لمحاربة التمرد.
ولئن كانت القوات الأميركية قد تحسن أداؤها في التعامل مع حرب العصابات التي يشنها المتمردون في العراق، فإنهم إلى اليوم يعانون من بعض التخبط والارتباك في تحقيق النتائج المرجوة بسبب إغفالهم للأفكار الثمينة التي ضمنها quot;جالولاquot; في كتابه المعلمة. إحدى تلك الأفكار تقول: quot;من هي الجهة التي تؤمن حماية أكثر؟ ومن هي التي تطرح تهديدات أكبر؟ ومن هو الطرف المرجح انتصاره في الحرب؟ هذه هي الأسئلة التي تشغل بال السكان وتصوغ مواقفهم ... أما الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهي مهما بلغت أهميتها للسكان، لا تجدي نفعاً عندما يكون السكان خاضعين تحت سيطرة المتمردينquot;. وحسب هذه المقولة تكون الولايات المتحدة، قد بدأت بداية خاطئة تماماً، بحيث ركزت على إقامة البنية التحتية، وتنظيم الانتخابات، ثم إقرار الإصلاحات الأخرى في ظل بيئة لا تنعم بالأمن والاستقرار. والنتيجة أن مشاريع باهظة التكلفة مثل بناء محطات الكهرباء والماء تعرضت للتخريب وتبخرت جميع النوايا الحسنة في الهواء.
والصحيح هو التركيز في البداية على فرض حد أدنى من الأمن، ثم بعدها المضي في أعمال إعادة الإعمار. وفي كتاب الضابط الفرنسي يذكر أيضاً بأنه quot;إذا كان المتمردون، رغم رصدهم واعتقالهم من قبل الشرطة، يطلق سراحهم بموجب الحماية الاعتيادية التي يوفرها النظام القضائي، فإنه لا يمكن انتظار الكثير من الشرطةquot;. وهو ما يحدث في العراق إذ يدرك المتمردون الذين يتم القبض عليهم أنهم سوف يطلق سراحهم بعد فترة قصيرة دون أن تتم إدانتهم بسبب إمكانية شراء الشهود والقضاة، فضلاً عن تعرضهم للابتزاز. وحسب المحللين العسكريين quot;بينج ويستquot; وquot;إيليوت كوهنquot; quot;يتم الإفراج عن ثمانية معتقلين من بين كل عشرة، وبينما يوجد في الولايات المتحدة سجين من بين كل 75 رجلا، لا يوجد في العراق سوى سجين واحدة من بين 450 رجلاquot;. وبما أن quot;العراق ليس بست مرات أكثر أمناً من الولايات المتحدةquot;، فإن الخلل يكمن في النظام القضائي العراقي الذي يحتاج إلى تقويم عاجل. وما لم يتم إرسال المزيد من المتمردين وراء القضبان لن ينعم العراق بالأمن.
ويواصل الكتاب تقديم الدروس المفيدة قائلاً quot;إن حرب العصابات أكثر من أي حرب أخرى تستدعي احترام قيادة واحدة، بحيث يتولى قائد واحد توجيه العمليات من البداية إلى النهايةquot;. والواقع أنه في العراق لم يكن هناك قائد واحد يشرف على إدارة الحرب بعدما توزعت بين وزارتي الدفاع والخارجية وما استتبع ذلك من خلافات بينهما حول الطريقة الأفضل لإدارة الحرب. وقد زاد الوضع تعقيداً بعدما تعهد الرئيس بوش بنقل القيادة إلى قوات الأمن العراقية، وهو ما سيصعب الأمر على الجنرال quot;ديفيد بيتراوسquot; في العراق ويشتت عملية إدارة المواجهة ضد المتمردين.