داوود الشريان

المحادثات الاسرائيلية - الفلسطينية التي استضافتها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في القدس يوم الاثنين الماضي كانت لرفع العتب، وانتهت بوعد مبهم للاجتماع مرة أخرى فلم تذكر رايس موعدا محددا، وقالت انها تتوقع العودة الى المنطقة قريباً، تاركة عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة في مهب الريح ومن دون احراز اي تقدم. وزاد من غموض الموقف وبؤسه ان أولمرت وضع شروطاً اضافية على شروط الرباعية لإنهاء مقاطعة حكومة الوحدة الوطنية، من بينها وقف الهجمات الصاروخية التي ينفذها نشطاء فلسطينيون من قطاع غزة والافراج الفوري عن الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليت.

اولمرت لم يكتف بوضع الشروط بل قام، وفق وسائل الاعلام الاسرائيلية التي نقلت تفاصيل الاجتماع، بـ laquo;توبيخraquo; رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بسبب توقيع اتفاق مكة المكرمة بين حركتي laquo;فتحraquo; و laquo;حماسraquo;، ولم تشر هذه الوسائل الى موقف رايس من رفض اولمرت اتفاق مكة، ما يشير الى ان الادارة الاميركية لديها تحفظات على النتائج التي قد يفضي اليها هذا الاتفاق الذي تم برعاية سعودية مطلع الشهر الجاري، فضلاً عن عدم حماسة رايس لمواصلة العمل مع الفلسطينيين والاسرائيليين في المرحلة الراهنة، وبدا وكأن الاجتماع المفاجئ تم لايصال اعتراضات اسرائيل ومطالبها، وتبريد الحماسة الفلسطينية والعربية للاتفاق الذي كان من المفترض ان يفتح آفاقاً سياسية للحل.

بات من المؤكد ان واشنطن ليست على استعداد للاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية التي نتجت عن اتفاق مكة، حالياً على الأقل، فهي اتفقت مع الاسرائيليين على مقاطعتها وعدم التعامل مع اي من وزرائها، ايا كانت انتماءاتهم، بحسب تصريحات اولمرت للصحافة الاسرائيلية. والادارة الاميركية التي رحبت بحذر بنتائج الاجتماع قبلت منه الجانب الامني، فضلاً عن حرصها على دعم الرئيس عباس، ورغبتها في رفع الحظر الذي فرضه الكونغرس على تمويل حرسه الرئاسي بمبلغ 128 مليون دولار تخصص من أجل تسليحه وتدريبه، ولكن هذا الدعم مشروط بعدم الدخول في اي مشاركة سياسية مع حركة laquo;حماسraquo; تؤدي الى دعم صلابة الجبهة الفلسطينية امام اسرائيل. والنتيجة التي يمكن استخلاصها من الاجتماع الثلاثي المفتعل، هي ان الادارة الاميركية اصبحت تتعامل مع الملف الفلسطيني من منظور حربها على ما تسميه laquo;الارهابraquo;، و laquo;حماسraquo; في نظر واشنطن منظمة تدعم الارهاب مثلها مثل تنظيم laquo;القاعدةraquo;، علماً ان laquo;حماسraquo; تصرفت في مكة بمرونة سياسية فاقت كل التوقعات، وقبلت مبدأ المشاركة في الحكم رغم فوزها في الانتخبات التي اعترفت واشنطن بنزاهتها.

الاكيد ان اتفاق مكة جدد حرص الفلسطينيين والعرب على تطوير العمل السياسي في الاراضي الفلسطينية والتمسك به، وفي المقابل كشف عدوانية اسرائيل وتعنتها وغياب الجدية الاميركية في الوصول الى حل يعيد للفلسطينيين بعض حقوقهم. لكن هذا الموقف من الادارة الاميركية يجب ان لا يقلل من اهمية ما حدث في مكة، فللمرة الاولى تتصرف laquo;حماسraquo; كحزب سياسي، وتقر مبدأ التنازل في العمل السياسي. صحيح ان laquo;حماسraquo; لا تزال على مسافة بعيدة من شروط الرباعية، لكن موقفها هذا رهن بالثمن والوقت وقدرة laquo;فتحraquo; على استيعاب مبدأ المشاركة، ولعل القمة العربية التي ستعقد في الرياض في أواخر الشهر القادم تتبنى الموقف الفلسطيني الذي رشح عن اجتماع مكة، وتعاود صوغ هذا الموقف بمبادرة عربية تضمن تمثيل كل الطيف الفلسطيني في العملية السياسية، وتسعى لتقديم دعم مادي لحكومة الوحدة الفلسطينية لحماية اتفاق مكة، ووقف التدهور المحتمل جراء المقاطعة السياسية الغربية لهذه الحكومة.