الخميس 22 فبراير 2007


الياس سحّاب

إن نتيجة الاستفتاء الامريكي الذي تبوأ فيه الرئيس الحالي صدارة قائمة اسوأ الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة وأقلهم ذكاء، تستحق وقفة وتحليلا أعمق من مجرد شماتة أي مواطن عربي او غير عربي، من الذين يعتبرون اوطانهم ضحية سياسات الرئيس الامريكي الحالي.

إن مثل هذه النتيجة للاستفتاء بشأن رؤساء الولايات المتحدة عبر التاريخ، من الاسوأ ومن الاحسن، من الاكثر ذكاء ومن الاقل ذكاء، لا يمكن أن تفهم اتجاهات الرأي العام الامريكي فيه، إلا إذا وضع على خريطة مجموعة الاخبار الفظيعة القادمة من الولايات المتحدة، والتي تكشف لنا في كل يوم عن مسؤول ما، من مجموعة المحافظين الجدد الحاكمة في امريكا منذ مطلع القرن، في موقع ما من الادارة او المخابرات، بتزوير اخبار مختلقة واحصاءات كاذبة، واخفاء اخبار حقيقية، لدفع الجالس في البيت الابيض، وهو اعلى سلطة قرار في النظام الرئاسي الامريكي، الى اتخاذ اخطر القرارات العدوانية التي تناسب المخططات الشريرة للمهووسين في مجموعة المحافظين الجدد، الذين أثبتوا أن لا مانع لديهم، عمليا وليس نظريا فقط، من اشعال نار الحرب في العالم بأسره، لتحقيق نبوءات رؤاهم المهووسة.

واذا كان جورج بوش الابن قد حظي بالمرتبة الاولى بين اضعف رؤساء امريكا في قدرات الذكاء لديهم، فما من شك ان مجموعة المحافظين الجدد، في السياسة (مثل وولفوفيتز وفيث) وفي الفكر التاريخي والسياسي (مثل البروفيسور برنارد لويس)، هم من أدهى دهاة الكواليس السرية والعلنية، في تاريخ السياسة الامريكية. وهكذا، فإن التكامل بين نسبة الدهاء والخبث والشر المرتفعة التي يتمتع بها راسمو الخطط، ومنظرو الفكر السياسي، وطهاة الاخبار المخابراتية (الصادق منها والملفق)، ونسبة الذكاء المنخفضة التي يتمتع بها الجالس في البيت الابيض، حاملا أختام الامبراطورية الامريكية العظمى، لثماني سنوات متواصلة، هذا التكامل هو الذي يجعل دولة كبرى في حجم ومسؤولية الولايات المتحدة، تندفع الى حربين مجنونتين ضد أفغانستان والعراق، بناء على حفنة من الأكاذيب الدولية، التي تتداعى وتنكشف امام رؤساء الدول والرأي العام العالمي يوما بعد يوم، وتفكر فيما تبقى من شهور معدودة من حرية الحركة الفعلية التي يتمتع بها الرئيس الامريكي الحالي حتى نهاية العام الحالي، في شن حرب على ايران إن أمكن، وبالأساليب إياها.

مناسبة هذا الكلام، هي المعلومات التي يدلي بها من وقت إلى آخر (لا فض فوه) الرئيس جورج بوش، عن الاعتدال والتطرف في الاسلام، ثم عن المذاهب في الاسلام، ثم عن العنصرية التي يمارسها العراقيون ضد انفسهم في العراق اليوم. المضحك- المبكي هو اسلوب حديث الرئيس الاقل ذكاء في تاريخ امريكا، عن هذه المواضيع شديدة الحساسية. لكن ذروة المأساة تتجاوز اسلوبه المضحك في الكلام عما لا يفقه، الى اتخاذ أخطر القرارات السياسية والعسكرية بناء على هذا ldquo;الفهمrdquo;، وهي قرارات تكاد تدمر الكرة الارضية بما فيها امريكا نفسها، فيما لو قدر لها، لا سمح الله، ان تستمر من دون اي ضوابط، او من دون اي تغيير جذري في الاتجاه.

يتحدث بوش في هذه المواضيع شديدة الحساسية وكأنه البروفيسور برنارد لويس، او السفير الخبير زلماي خليل زاد، وهو الذي اذا وجه إليه سؤال في اختبار الذكاء (على الطريقة الامريكية الشهيرة IQ) في تعداد اسماء الخلفاء الراشدين، لما عرف اسما واحدا منها.

الرئيس جورج بوش يريح نفسه، منذ سنوات طويلة على ما يبدو، من ldquo;إرهاقrdquo; قراءة التاريخ والجغرافيا (وربما من قراءة اي موضوع ثقافي عميق) ويكتفي بتصديق ما يرفع له من دراسات وتحليلات فكرية، ومن اخبار في تقارير اجهزة مخابراته، فإذا تضارب تحليلان فكريان، يميل الى الاكثر تعصبا وانغلاقا، واذا تضارب خبران، يصدق الذي يحك له على هوسه الرؤيوي، الذي يهيئ له أن الله جل جلاله، يوحي له برؤاه وبقراراته.

مناسبة هذا الكلام المباشر، مرة أخرى، هي شكوى الرئيس بوش الساذجة مؤخرا من أن ما يعرقل خطته الجديدة في العراق هو التعصب الطائفي والمذهبي.

هكذا قالوا له ان يقول، فقال. لكن هل يجهل المحافظون الجدد حقا، من مفكرين ورجال مخابرات واقتصاد وسياسة، ان المارد الطائفي والمذهبي في العراق، رغم مسؤولية دكتاتورية النظام البائد السابق عن رعايته وتغذيته، فإن النظام السابق ابقاه، مع ذلك، ماردا في قمقم.

وهل يجهل دهاة المحافظين الجدد، أنهم كما اخرجوا مارد الأصولية الاسلامية ليحاربوا بها النفوذ السوفييتي السابق في افغانستان، قبل ان يرتد عليهم على شكل نظام ldquo;طالبانrdquo;، فقد كسروا (بغزوهم) القمقم العراقي الذي كان يكبت داخله مارد التعصب الطائفي والمذهبي، لعلهم بذلك يثأرون من راعي القمقم والمارد (النظام الدكتاتوري السابق)، فإذا بالمارد، وقد خرج من القمقم برعايتهم وبتشجيعهم، يرتد عليهم.

دهاة المحافظين الجدد كانوا حتما يعرفون كل ذلك قبل الغزو، لكنهم كانوا يطمعون بأن يظلوا قابضين على زمام اللعبة الشريرة حتى نهايتها. أما مستوى ذكاء الرئيس بوش، ومستوى ثقافته، ومستوى اطلاعه على تاريخ الشعوب (بما في ذلك شعبه الامريكي نفسه) فلم يكن يسمح له في يوم من الايام بفهم احتمالات غزو بلد عريق كالعراق، وشعب متعدد الاعراق والجذور الحضارية، كالشعب العراقي، لذلك، فإنه يرطن بأي حديث بشأن هذه الامور الحساسة، قبل أن يدرك ldquo;شهرزادrdquo; البيت الابيض الصباح، فتسكت عن الكلام المباح، وغير المباح.