سعد محيو


ldquo;سنقاتل ضد الفقر المدقع، ونعتبر أن فشل الديمقراطية والرأسمالية في إنقاذ عشرات الملايين في أمريكا اللاتينية من براثن العوز والجهل والمرض ldquo;فضيحةrdquo;. العمال الفقراء يحتاجون إلى التغيير، وثورة المحرر الكبير سيمون بوليفار يجب أن تستكمل لتحقيق العدالة الاجتماعية في المنطقةrdquo;.

لا، هذا ليس هوغو شافيز، الرئيس الفنزويلي اليساري، مخاطباً الجماهير الأمريكية اللاتينية ليحرك فيهم الأمل بrdquo;اشتراكية القرن الحادي والعشرينrdquo;. إنه الرئيس الأمريكي جورج بوش المتهم أصلاً في وطنه الامريكي بالانحياز إلى كبار الرأسماليين على حساب الطبقتين الوسطى والفقيرة.

لماذا قرر الرئيس بوش ارتداء هذه القلنسوة اليسارية المفاجئة؟

لأنه قرر منافسة شافيز في عقر داره على قلوب الأمريكيين اللاتينيين وعقولهم، عبر الجولة السداسية التي بدأها في المنطقة. لكن الأرجح، وبإجماع المحللين في واشنطن، بأنه لن ينجح. لا بل وصفت ldquo;واشنطن بوستrdquo; توجهاته الجديدة هذه بأنها ldquo;مضحكةrdquo;.

هذا في حين كان البعض في المنطقة العربية يشبه خطاب بوش إلى اللاتينيين بالرسالة التي وجهها الامبراطور نابليون إلى المصريين عشية غزوه لبلادهم في أواخر القرن الثامن عشر، حين قال انه ldquo;جاء لنصرة الإسلام والمسلمينrdquo;.

بيد أن بوش لن ينجح ليس فقط بسبب أزمة الصدقية، بل أولاً وأساساً لأن أمريكا اللاتينية تغيرت بشكل جذري خلال العقدين الأخيرين.

في أواخر السبعينات، ظن الكثيرون أن أمريكا اللاتينية، التي كانت تعج طيلة قرنين بكل أنواع الحركات اليسارية المسلحة وغير المسلحة، طوت بهدوء هذه الصفحة اليسارية وفتحت صدرها طيلة حقبة ثمانينات القرن العشرين لأحزاب اليمين المحافظ التي طبقت كل تعليمات ldquo;إجماع واشنطنrdquo; الخاصة بالخصخصة الكاملة، وإطلاق حرية السوق، وإلغاء الضمانات الاجتماعية والسلع المدعومة للفقراء.

وهكذا، انحسرت خلال هذه الفترة الأحزاب اليسارية عن الساح، وانتصرت الاحزاب اليمينية في كل دول أمريكا اللاتينية بلا استثناء، سواء بأقلام الاقتراع أم بأقدام الجنود.

ثم جاء انهيار الاتحاد السوفييتي العام 1991 وتحّول الصين نحو اقتصاد السوق، ليقلبا هذا الانحسار إلى شبه اندثار لليسار. آنذاك، بدا بالفعل أن فرانسيس فوكوياما على حق، وأن التاريخ استكمل دورته وانتهى لمصلحة الرأسمالية الليبرالية.

بيد أن النقلة من اليسار إلى اليمين لم يتجاوز عمرها عمر الورود، وسرعان ما حلت مكانها موجة يسارية جديدة أشبه بتسونامي عملاق اجتاح جنوب القارة الأمريكية من أدناها إلى أقصاها: من كولومبيا نزولاً إلى الأرجنتين.

لكن هذه المرة، جاء اليسار بطبعة جديدة مختلفة كلياً عن طبعته السابقة، وبنكهة شعبية لا تشبه بشيء نكهته التاريخية السابقة.. كيف؟