الخميس 15 مارس 2007


د. أحمد جميل عزم

لا زال مبكراً الحكم على دقة التقارير التي أشارت إلى أنّ من ألقي القبض عليهم، أول أمس، في لبنان، بتهمة الوقوف وراء تفجيرات حافلتين في بيروت، في 13 فبراير الماضي، يتبعون تنظيماً اسمه quot;فتح الإسلامquot;، سواء من حيث حقيقة انتمائهم لهذا التنظيم، أو لجهة حقيقة هذا التنظيم، وانتمائه وعلاقاته. واسم quot;فتح الإسلامquot; تم تداوله مؤخراً، في معرض خلافات داخل حركة quot;فتح- الانتفاضةquot;، التي انشقت عن تنظيم quot;فتحquot; الأم، عام 1983، وتتواجد قيادتها في دمشق، وتحديداً صلة هذه المجموعة مع الشخص الثاني، في quot;فتح- الانتفاضةquot;، موسى العملة (أبو خالد)، وقد حققت سلطات الأمن السوري مع العملة، بهذا الشأن، مدة ثلاثة أيّام، كما أوضح العملة ذاته في بيان صادر عنه، وقد تحدث عن علاقته مع المجموعة، أو ما أسماه quot;ظاهرة فتح الإسلامquot;، ولخّص موقفه من المجموعة بالقول quot;الساحة تتسع للجميع، ولم يسيئوا لأحد؟ لكن المؤكد أنها ليست من فتحquot;. وقد نشرت صحيفة quot;الشرق الأوسطquot; في مطلع مارس الماضي، لقاءً مع مؤسس ورئيس التنظيم، واسمه شاكر العبسي، ويستدل من اللقاء، أنّ العناصر الأساسية، من التنظيم كانت بالفعل في quot;فتح-الانتفاضةquot;، وقد يكون بعضها، كان أصلاً في quot;فتحquot; الأم، ويعزز اللقاء الاعتقاد بأنّ بعض هؤلاء كانوا يتبنون أصلاً فكراً يسارياً، فعلاوة على أن quot;فتح الانتفاضةquot;، أصلاً، كانت تكتلاً يسارياً، داخل quot;فتحquot; ذاتها، قبل انشقاقهم، فإنّ مما يدلل كذلك على أنّ عناصر هذا التنظيم كانوا quot;يساريينquot; أنّ العبسي، يتباهى في اللقاء المذكور، أنه قاتل يوماً في quot;نيكاراجواquot;. ومثل هذه التنظيمات المنشقة، في التجربة الفلسطينية، كثيراً ما تنشق بدورها على نفسها بسرعة كبيرة، فيكون هناك أكثر من مجموعة تحمل ذات الاسم.

وتذكّر حالة quot;فتح الإسلامquot;، وخطابها، بحالة أخرى في قطاع غزة، هي حالة quot;جيش الإسلامquot;، الذي هو أيضاً مجموعة منشقة، عن لجان المقاومة الشعبية، التي هي كذلك إطار جسمه الأساسي منشق عن quot;فتحquot;، وأعلن هذا quot;الجيشquot; مسؤوليته عن اغتيال شخصيات فلسطينية رسمية. وكلتا المجموعتين (quot;فتح الإسلامquot; وquot;جيش الإسلامquot;) جاء أصلاً من تنظيم يفترض أنّه quot;غير أيديولوجيquot;، لتتبنيا خطاباً، يبدو للوهلة الأولى، هو خطاب تنظيم quot;القاعدةquot;، وقيادات كلتيهما، لا تدين إرهاب quot;القاعدةquot;، في لقاءاتها الصحيفة. ولكن التدقيق في خطابهما، يشير إلى أنّه لا يمكن أن تكونا على علاقة عقائدية وعضوية كاملة مع quot;القاعدةquot;، فعلى سبيل المثال، في مقابلة تلفزيونية مع quot;ممتاز دغمشquot;، الناطق باسم quot;جيش الإسلامquot;، استخدم عبارات مثل quot;الأخ الرئيس الراحل ياسر عرفاتquot;، وهذا لا يمكن أن يكون خطاب quot;القاعدةquot;، كما رفض التنظيم قتل الأسير الإسرائيلي، جلعاد شليط، لأسباب شرعية، وهذا تباين واضح مع ممارسات quot;القاعدةquot;. كما أنّ quot;القاعدةquot;، تسارع عادة للإعلان عن ارتباط أي مجموعات بها، كما حدث فيما يتعلق بالجماعات السلفية في المغرب العربي، وبعض عناصر الجماعة الإسلامية في مصر.

هذا كلّه لا يلغي احتمال ظهور جماعات تمارس الإرهاب، والتخريب، والاغتيال، بأسماء إسلامية، ولعل التجربة أوضحت أنّ أخطر عناصر الإرهاب، هي تلك التي تنتقل لتبني شعارات وخطاب إسلامي عنفي، دون عمق فكري وثقافي، وبحيث تنتقل من تنظيمات غير إسلامية، أو تنتقل من عالم اللهو والانحراف، لتنبي شعارات إسلامية. وهذه الجماعات لا مواقف محددة لها، وقد تغير اتجاهاتها، بحسب الظروف. وفي الحالة الفلسطينية، يبدو اليأس من نجاح المشروع الوطني، وتحديداً بين عناصر حركة quot;فتحquot;، والحركات اليسارية والعلمانية، بمثابة خطر حقيقي لظهور مجموعات مغامرة، كما أن بعض هذه المجموعات تعيش يأساً شخصياً بسبب أوضاع مادية ومعيشية سيئة للغاية. وكل هذا يمكن أن يكون مدخلاً لـquot;القاعدةquot;، ولأجهزة مخابرات، وغير ذلك، لتوظيف مثل هذه المجموعات. إنّ خطر التحول من التنظيمات غير الإسلامية إلى تنظيمات إسلامية، تمارس أعمالاً غير مخططة، وغير مدروسة، وربما إرهابية ومأجورة، ربما يكون الأكثر احتمالية في الحالة الفلسطينية، وكل هذا يجب أن يضيف سبباً جديداً للإسراع في التوصل لحل للموضوع الفلسطيني.