مصطفى زين
أربع سنوات على غزو العراق واحتلاله. وأكثر من ذلك على اتخاذ إدارة بوش قراراً بخلق شرق أوسط جديد، بعد إطاحة الأنظمة المستبدة، والتصدي للإرهاب والفكر الظلامي. ونشر الديموقراطية.
تغيرت المنطقة كثيراً في هذه السنوات الأربع، لكن التغيير لم يكن لمصلحة المشروع الأميركي ولا لمصلحة الشعوب التواقة الى الديموقراطية فعلاً. إيران التي شهدت تحولاً مهماً في اتجاه الاعتدال، خلال حكم خاتمي، وحاولت التأقلم مع الأنظمة القائمة في المنطقة، ووقعت اتفاقات أمنية وتجارية معها، خصوصاً مع السعودية، وجدت نفسها في مواجهة الجيش الاميركي، وفي مواجهة مخطط لضربها وتغيير نظامها. وكانت كل المؤشرات والتحليلات تتوقع ذلك. لا بل ان المسؤولين في البيت الأبيض لم يبخلوا بإصدار التهديد تلو التهديد لطهران.
مدفوعة بقوة الحدث، تغيرت ايران، تراجع دور المعتدلين والمتنورين، وتقدم المتطرفون وبعض من الحرس القديم. وجدوا الفرصة سانحة للتدخل في بغداد، خصوصاً ان غباء بريمر، أو ذكاءه، عجل في تفكيك العراق الى دويلات طائفية تحكمها الميليشيات القادمة من طهران، وبعض laquo;المتعاونينraquo; القادمين من واشنطن ولندن، والأكراد. (أخيراً اعترف جون بولتون بهذا laquo;الخطأraquo; الاستراتيجي، مع إصراره على ان الحرب كانت ضرورية).
كان من الطبيعي ان تستفيد ايران من هذا الخطأ الاميركي. لكنها، على رغم تدخلها السافر في العراق ما زالت تخشى انقلاباً شيعياً ضدها يتصدره رجال دين عراقيون عروبيون أصواتهم خافتة، وسط هذه الفوضى والمذابح، لكن لهم حضورهم ويمكن ان يلعبوا دوراً كبيراً في تكوين رأي عام، إن لم يكن مناهضاً لطهران فهو على الأقل لا يرضى ان تكون بغداد أداة في يدها. وكلما تراجع دور الميليشيات كلما تقدم هؤلاء.
النظام الايراني الذي كان متوقعاً ضربه، بعد نظام صدام حسين، ما زالت تحكمه أواليات اللعبة الداخلية، وانقساماته بين محافظين واصلاحيين، مع بروز يمينيين من الشباب، بعضهم يرى ان المواجهة مع الولايات المتحدة، إذا حصلت، تدعم توجهاته، وبعضهم الآخر، وفي مقدمهم لاريجاني، يرى ان التفاهم مع واشنطن يمهد الطريق أمام طهران للعب دور مهم في الشرق الأوسط.
الطرفان يراهنان على الفشل الاميركي، وعلى نسج علاقات وطيدة مع الأنظمة العربية، من خلال التفاهم معها على بعض الامور، سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين. من هنا كانت زيارة نجاد للرياض.
هذا على المستوى الايراني. أما على المستوى العربي فالنظام السوري كان معرضاً لرياح التغيير الأميركية، أكثر من غيره. فماذا حصل؟
شرّع الكونغرس الأميركي قانوناً يقضي بـ laquo;تحرير سورية ولبنانraquo;، وفرضت واشنطن على دمشق بعض العقوبات، واستصدرت قرارات من الأمم المتحدة لتشديد العزلة عليها، وضغطت على الاتحاد الأوروبي ليوقف توقيع اتفاق الشراكة معها. واحتضنت بعضاً من المعارضة السورية، يلتقي المسؤولون في البيت الأبيض زعماءها بين الفترة والاخرى، وهم يذكروننا في أفضل الأحوال، بأحمد الجلبي والمعارضين العراقيين الآخرين الذين كانوا في الولايات المتحدة.
الحرب الاسرائيلية على لبنان كانت الفرصة الثمينة لدى واشنطن للتعجيل بزعزعة الأوضاع في سورية، فلجأت، مع فرنسا، الى المماطلة في استصدار قرار دولي لوقف الحرب، أملاً بأن تقضي اسرائيل على laquo;حزب اللهraquo;، الحليف الرئيسي لدمشق، لمحاصرتها سياسياً، وعسكرياً إذا كان لا بد من ذلك. لكن العدوان فشل في تحقيق الهدف. فتراجعت الطموحات. والمحاولات مستمرة. وقد تترجم حرباً أهلية مذهبية في لبنان، بدأ بعض مؤشراتها بالظهور، من خلال السيطرة على السراي الحكومي من جهة، ووقف أعمال البرلمان من جهة أخرى، والاحتقانات في الشوارع والحارات.
أربع سنوات على احتلال العراق، تغير الكثير في الشرق الأوسط. لكن بعكس ما كانت تطمح اليه الإدارة الأميركية الساعية الى الخروج من المأزق العراقي، عبر المفاوضات مع طهران ودمشق.
تغير الكثير، لكن الديموقراطية الموعودة تراجعت، والتطرف انتشر، والقبلية اتسع نفوذها، والوقت حان ليعلن الليبراليون العرب هزيمتهم أمام أنوار واشنطن وظلامية القرون الماضية.
التعليقات