quot;الخليجquot; تتجول داخل حي quot;الجنجويدquot; بدارفور



نيالا - ldquo;الخليجrdquo;

لم يكن الرجل، الذي كان يتحدث بحذر، يهدف لتخويفنا بل إلى جذب اهتمامنا، هكذا شعرنا من خلال ارتفاع وانخفاض نبرة صوته وهو يصف حي (الجنجويد).. مؤكداً أن الحي عبارة عن عالم قائم بذاته، وأن لون البشرة هو تأشيرة الدخول والسكن في الحي الذي يحده من الغرب حي التضامن ويحده جنوباً حي الدباغة بينما يحده من الاتجاه الشرقي معسكر عطاش للنازحين الواقع شمال مدينة نيالا.. ويذهب محدثنا أكثر من ذلك حينما يؤكد أن محاكم خاصة أنشئت داخل الحي وان ساكنيه يأخذون حقوقهم بيدهم.. وأن أصغر طفل فيه درب على استخدام السلاح.

وقبل وصولنا إلى مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور طرق اسماعنا وجود حي يطلق عليه (الجنجويد)، وبمجرد أن وطئت أقدامنا أرض المدينة كان اسم الحي المرتبط بأحداث دارفور وما يحيط به من غموض أكبر محفز لاقتحام هذا الحصن والإحاطة بما يدور داخله، على الرغم مما ذكره محدثنا الذي فضل عدم الكشف عن اسمه بأن الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود.

هناك أسئلة محيرة محتاجة إلى إجابة.. هل ما يشاع عن هذا الحي حقيقة أم أنه مجرد قصص من نسج الخيال؟ وهل صحيح أن جاناً يمتطي صهوة جواد ويحمل (جيم 3) يسكن هذا الحي المماثل لاسم العاصمة السعودية واحد أرقى أحياء العاصمة السودانية الخرطوم؟ وللبحث عن أسئلة منطقية استعنت بالعمدة إبراهيم صالح معالي أحد أعيان حي (الرياض)..

ومنذ اللحظة الأولى لدخول (الرياض) أجبرت شمس منتصف النهار، أغلب ساكنيه الذين يفوق عددهم ال15 ألف نسمة على الاحتماء بمنازلهم التي تختلف طريقة بنائها وترتيبها، بين المواد الثابتة كالطوب والاسمنت والطبيعية (القش).. وعند السؤال عن منزل العمدة سعيد وعن منزل العمدة علي بلة قالت ابنة الأخير (منال) التي لم يتعد عمرها الثانية عشر أنه غيرة موجود في المنزل.

وعند السؤال عن منزل بقية العمد الذين تجاوز عددهم الثمانية لم أجد الإجابة إلا عند الدليل في العاصمة الخرطوم. وحين أعجز عن الوصول إلى منزل الرجل استعين به. يسأل عبر الهاتف (دريج)، الطفل الذي لم يتجاوز عمره الخامسة عشرة أين أقف؟ وحين يخبره عن مكاني، يطلب منه الذهاب معي إلى منزل العمدة، لكن الطفل يكتفي بالإشارة إلى المنزل الذي كان بالقرب منا في صمت ويذهب، ما حدث كان أمرا مخيبا للآمال، فالرجل غير موجود بمنزله، تخبرتي المرأة الثلاثينية التي تطل من خلف فتحة الباب أن الرجل غادر الحي منذ وقت مبكر لكنها تدعوني لانتظاره داخل المنزل، ومرة أخرى لا أجد بدا من الاتصال بدليلي الذي يوجهني بالذهاب إلى منزل آخر ويعطيني وصفا كاملا لمنزله.

وبعدها.. اعرف من الرجل يطلب مني عدم ذكر اسمه أن قبائل كثيرة تقطن الحي، فإضافة إلى قبيلة الرزيقات العربية التي ينتمي إليها محدثي والتي تمثل أغلبية السكان توجد قبائل عربية أخرى كالمسيرية والبني هلبة والسلامات والحمر جنبا إلى جنب قبائل أخرى غير عربية كالفور والزغاوة والفلاتة والتنجر.

يقول محدثي وهو يشير للمنزل الذي يجاور منزله، ويعقبه بالإشارة إلى المنزل الذي أمامه: (هؤلاء فور وأولئك تنجر. وما يقال عن سيطرتنا على المكان ومنع القبائل غير العربية من السكني فيه محض هراء)، ربما، لأن زيارة قصيرة سجلتها لهذين المنزلين بناء على طلب من الرجل أثبتت لي أن ما يقوله صحيح، وأكثر من ذلك يخبرني الفكي عمر حسن يوسف صاحب دكان في وسط الحي من خلف المنضدة الضخمة التي تفصله عن الزبائن انه ينتمي لقبيلة الفور وقدم للمكان قبل 3 سنوات وان العلاقة بينهم والقبائل العربية (عال العال)..

من جانبه يقول لي صاحب دكان قريب من دكان الفكي عمر ينتمي هو الآخر لقبيلة الفور كتب عليه بخط واضح (بقالة قطر الندى)، إن الجميع داخل الحي يتعايشون بسلام ويتفقدون بعضهم البعض في الفرح والترح.. قطعا.. هذا ليس كل شيء، فصاحب دكان ثالث يبعد عن الدكانين قدم من ولاية الجزيرة بوسط السودان يكرر ذات الحديث الذي أثاره زميلاه ويزيد عليه بالقول إن الحياة تسير بصورة عادية وان الناس متساوون كأسنان المشط.. ويوضح لي العمدة إبراهيم صالح معالي أن سكان الحي الذي أنشئ بداية ثمانينات القرن الماضي مثلهم مثل غيرهم من سكان المدن مدنيون ومتحضرون ومسالمون وان ما يشاع بشأنهم عبارة عن عنصرية وجزء من الهجمة الشرسة على القبائل العربية باعتبار أن أغلبية ساكنيه من القبائل العربية ولم ينس الإشارة إلى ان شيخ الحي ينتمي لقبيلة الزغاوة.