د. عبدالحميد الأنصاري


لا أكاد أجد أمة منشغلة بتجميل صورتها كالعرب، ويكاد هذا الانشغال يصل لدرجة الهوس طبقا لتعبير - حسين شبكشي وسعد بن طفلة - العرب جميعا - شعوبا وحكومات - في شغل شاغل بتحسين صورتهم وصورة دينهم في أعين الغرب، منذ زلزال 11-9 الذي ضرب أمريكا، وتوابعه التي ضربت أوروبا.

نشطت اللقاءات وتعددت المؤتمرات التي تُعني بتعزيز التفاهم والحوار المثمر بين أفراد ومؤسسات المجتمعات الغربية والعالم العربي سواء علي المستوي السياسي أو الثقافي أو الديني، ووجدنا علماء المسلمين يعقدون لقاءات مع رجالات الاديان الاخري بهدف تعزيز القيم الدينية المشتركة ودعم جسور التواصل بين العرب والغرب وعقب الإساءات التي وجهت للإسلام ورسوله عليه الصلاة والسلام فتداعي القوم لجمع التبرعات من أجل نصرة الرسول وعقدت مؤتمرات للوسطية في أوروبا وأمريكا من أجل بيان وسطية الإسلام وسماحته وبهدف تغيير الصورة السلبية النمطية عن الاسلام ورسوله في الذهنية الجمعية الغربية.

وكان هاجس العرب القوي أننا قصرنا في الدفاع عن الإسلام ورسوله وتقاعسنا عن فتح قنوات الحوار مع الغرب لتعريفه بالإسلام وقيمه ومبادئه التي تنبذ العنف وتدعو للسلام والتسامح. وكان لسان حال العرب في كل تلك المنتديات: أيها الغرب، لا تفهمونا خطأ، ولا تؤاخذونا بفعلة سفهائنا، ولا تسيئوا فهم ديننا، فالإرهاب لا دين له ولا جنسية.

وتنتهي تلك اللقاءات ببيان ختامي يستعرض حملات الإساءة ضد الإسلام ويؤكد إنسانية الإسلام وبراءته من الإرهاب ويلقي اللوم علي الآخر ويطالب المسلمين بمزيد من التبرعات والدعم من أجل انشاء مواقع الكترونية تدافع عن الإسلام بلغات عالمية، وانتاج برامج متخصصة تلفزيونية تنصف الإسلام والمسلمين، وعمل دورات تعريفية للإعلاميين الغربيين لتعريفهم بالإسلام وانشاء مراكز للرد علي الشبهات الموجهة للإسلام ورسوله وتكثيف اللقاءات للدفاع عن الإسلام وتنشيط المكاتب الإعلامية في الخارج لتصحيح صورة العرب... الخ.

واضح من الجهود المبذولة والموارد المرصودة أن هم العرب الأكبر، مجرد تحسين الصورة التي شوهتها العمليات الإرهابية عبر الحملات الإعلامية والعلاقات العامة أي الدعاية ولكن هل بالدعاية نغير الصورة السلبية النمطية للعرب في أعين الغرب؟ ماذا عن الاصل ؟! ماذا عن أوضاعنا و سلوكياتنا ؟! كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟! واضح أن العرب يعتقدون أنه بتجميل الصورة يفلحون في تغيير قناعات الغرب عنهم. وأخشي أن تذهب الجهود والموارد سدي كما ذهبت علي امتداد 50 عاماً في شعارات دعائية لم تغير شيئا من واقع مجتمعاتنا هل - القضية - جهل الغرب بالإسلام حتي نعلّمه، أم عجزنا عن تمثّل قيم الإسلام في سلوكياتنا وترجمتها عبر أوضاعنا المجتمعية؟! الغرب لا يجهل الإسلام فعنده أكبر المراكز البحثية عن الأديان كلها وما أكثر الكتب والدوريات والبرامج عن الإسلام والمسلمين بلغته ولكن الغرب لايعبأ بما نقوله عن الإسلام وعن أنفسنا وإنما بما نفعله ويفعله الإسلام فينا!!

تلك هي القضية التي يتجاهلها البعض ويظنون أنهم بالحملات الإعلامية يفلحون في تغيير الصورة، ولكن هيهات لو أنفقنا مافي الأرض - ذهبا - ما تغيرت الصورة دون تغيير حقيقي للأصل!! إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم فالغربيون ليسوا سُذجا حتي يصدّقوا حديثنا الذي لا ينتهي عن سبق الإسلام والمسلمين لتقرير حقوق الانسان وهم يرون ويلمسون الانتهاكات المستمرة للحقوق والحريات في ديار العرب!!.

الغربيون غير مستعدين للإقتناع بكلامنا الطويل المكرر - عن تكريم المرأة في الإسلام وهم يرون شتي التمايزات الممارسة ضدها ويشاهدون عذابات المرأة المستمرة - علي أبواب المحاكم!!.
الغربي الجهول لا يمكن أن يفهم أن الإسلام دين المساواة وهو يقرأ في صحفنا أن القضاة يفرقون بين رجل وامرأته ويشردون أسرة لمجرد عدم تكافؤ النسب !!.

الغربيون ليسوا مغفلين كما نظن حتي يصدقوا كلامنا عن عدالة الإسلام والمسلمين، وميزان العدالة في مجتمعاتنا مختل لصالح الأقوي والأكثر نفوذاً!! لا يمكن للرأي العام الغربي أن يصدّق إعلامنا وفضائياتنا التي تتحدث عن إنصافنا للأقليات الدينية والمذهبية والعرقية وهم يسمعون أنينهم! كيف يصدق الغربي استنكارنا للعمليات الارهابية ونحن نبررها ودعاة الكراهية عندنا يجدون دعما وترحيبا؟! لا يصدق الغربي دفاعنا عن مفهوم الجهاد السامي اذ يجده مختطفاً من قبل جماعات الإرهاب التي تفجر في المدنيين باسم الجهاد طريقا للجنة!! لا يصدقنا الغربي في دعوتنا للإصلاح بينما لانبذل جهداً كافياً لتغيير مجتمعاتنا وأوضاعنا عبر تبني المنهج النقدي أسلوبا شاملا لمراجعة خطابنا التعليمي والديني والإعلامي والسياسي!

الغربيون يستمعون الي كم ، اللعنات التي تنهال عليهم وعلي أحفاد القردة والخنازير كل يوم جمعة من غير محاسبة أصحابها!! فكيف يغيرون الصورة السلبية عن العرب؟! الغربيون مندهشون من صراع المسلمين أنفسهم علي صورة الإسلام الحقيقية!! لقد صدمهم وصف الزرقاوي بالشهيد وتحوّل صدام الي بطل وشهيد!! ووصف الانتحاريين بالشهداء!! وكما يقول تركي الحمد الغرب ليس له إلا الظاهر ولا يمكن تغيير هذا الظاهر إلا بظاهر ملموس آخر أجدي منه وأكثر تأثيرا.ولكن لماذا الاهتمام بتجميل الصورة وإهمال الأصل ؟ ألأنه الاسهل ؟ أم بسبب عجزنا عن تغيير الأصل؟ أم بسبب ازدواج الشخصية العربية بين ظاهر وباطن؟ أم لأنه بأموالنا نشتري الحمد والثناء، وثوب الكرام ستار؟! أم لخلل في طريقة التفكير؟! أم لابراء الذمة بأننا فعلنا ما علينا وأرضينا الله ورسوله بالدفاع والنصرة؟! أم كل ذلك مجتمعة؟!.