عبد الرحمن الراشد

توجد دول تفاخر بأنها ديموقراطية، وأخرى تقر بأنها ليست كذلك، وأنت لا تحكم إلا على من احتكم الى الصندوق الانتخابي. ولبنان ظل دائما يتمسك بصورته الديموقراطية حتى في أسوأ أوقاته وحروبه، لكن لم يهشم أحد المعاني الديموقراطية كما فعل البعض في لبنان اليوم. لقد شوهوها وجعلوها محل سخرية الجميع. فالرئيس الذي فرض بقاءه بالقوة يعير الحكومة الشرعية ويشكك فيها. ورئيس البرلمان، الذي يفترض ان يكون الحامي الأول للديموقراطية، هو من يقوم بدور الشرطي السيئ فيمنع النواب من الاجتماع. والمعارضة الديموقراطية تطالب بإلغاء الحكومة تعسفا لأنها لا تملك النصاب القانوني لإسقاطها، ثم ترسل أولادها لمحاصرة مقر الحكومة بدل الاحتكام الى القانون.

بذلك ُضم البرلمان اللبناني الى صف البرلمانات العربية محل السخرية. لقد أراد البعض ان يسخر من اللبنانيين، ومن ديموقراطيتهم، فنجح بجعلها مهزلة علانية ولسان حاله يقول، هذه هي ديموقراطيتكم التي تفاخرون بها، رئيس ليس برئيس، ومعارضة منتخبة تمارس التهديد بدل التصويت، وبرلماني ضد البرلمان. نواب الشعب اللبناني لم يستطيعوا ان يعقدوا جلسة لأن رئيس المجلس لا يريد الدعوة الى الاجتماع، ويصر على إبقاء باب المجلس موصدا. حالة غريبة في تاريخ البرلمانات في العالم كله، أن يمنع رئيس البرلمان البرلمانيين من الاجتماع، ولا أحد يستطيع فعل شيء ضده. فقد اعتدنا على ان يقوم العسكر، أو الاجهزة الامنية، بمنع الحركة الديموقراطية، لا رئيس النواب الذي يفترض انه حامي العمل الديموقراطي، وممثل ممثلي الشعب لا قامعهم.

وأغرب من هذا كله ان يخرج أستاذ جامعة، وسياسي متمرس، كالدكتور سليم الحص ليقول إن الحكومة غير شرعية لأن قطاعا واسعا من الشعب لا يعترف بها. هكذا؟ ومتى صارت الحكومات تلغى فقط لأن أحدا يعتقد أن لا شعبية لها؟ ومؤسف ان يختتم رجل محترم كالحص حياته السياسية ليلعب دور المبرر للفوضى، يبرر الآن الدعوة لإسقاط الحكومة بصفة غير قانونية. فامتناع المعارضة عن المشاركة في الحكومة عمل قانوني لكنه لا يكفي لإسقاط الحكومة، حتى لو قال الحص إنه يعتقد ان هناك قطاعا شعبيا غير راض عليها. كما ان محاولة سد المنافذ والتضييق على الوزراء لا يعدو كونه عملا بلطجيا سيبقى سبة في جبين المعارضة، وكذلك منع رئيس البرلمان زملائه البرلمانيين من ممارسة حقهم النيابي.

لن يقال غدا ان هناك معركة سياسية بين الاغلبية والأقلية، فهذا ديدن العمل السياسي، لكن يقال لقد شوه التعبير الديموقراطي ووظف بعض الساسة كعرائس في مسرح هزلي،وسخر من المجتمع كله، ومن تجربته الديموقراطية؛ ففي لبنان 18 طائفة ولا يوجد من خيار سوى حماية الممارسة الديموقراطية حتى للذين يختلفون مع نتائجها، لأنها الحامي الوحيد من التنازع في الشارع.

[email protected]