مسألة المحكمة في شأن الحريري تدخل مرحلة حرجة

بيروت - الخليج

تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالة مراوحة مع انحسار المبادرات الإقليمية وتعطل لغة الحوار المحلية باتجاه حل الأزمة السياسية الحادة المستمرة منذ شهور، وتمحور السجال حول موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والذي دخل في دائرة حرجة، بعد إيكال أمر نظام المحكمة رسمياً إلى الأمم المتحدة. وكان لافتاً تحذير الرئيس اللبناني إميل لحود أمس من أن إقرار نظام المحكمة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سيؤدي إلى حرب أهلية في لبنان، وصعد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لهجته، وشدد في معرض قوله عن ldquo;انتصار معنى الدولةrdquo; على عدم التسامح مع ما سماه ldquo;احتلالrdquo; وسط بيروت وإقفال مجلس النواب المنتخب. وأفيد بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري قلق من الاحتقان القائم.

وقال الرئيس إميل لحود أمام زواره أمس إن اللبنانيين المخلصين لن يسمحوا لأحد بأن يعيد وطنهم إلى الحرب الأهلية في ،1975 وأضاف أن بعض المواقف التي تصدر في هذه الأيام والتهديدات التي تطلق والممارسات التي فيها شحن طائفي وتمييز بين فئة وأخرى لا تخدم وحدة لبنان ولا وحدة اللبنانيين. وأعرب عن أسفه في استمرار فئة من اللبنانيين في التنكر للانتصار الذي حققته المقاومة الوطنية على ldquo;إسرائيلrdquo; مرتين في العام 2000 وفي حرب يوليو/ تموز الماضي، واعتبر هذه المواقف دلالة على مؤامرة.

ورأى لحود أن إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي بشأن قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يعني حربا أهلية في لبنان، لأن ذلك يعتبر افتعالا لمشكلة داخلية تستفيد منها ldquo;إسرائيلrdquo; التي ستستغل تنازع اللبنانيين مع بعضهم، ليتم تمرير مؤامرة توطين اللاجئين الفلسطينيين، والنيل من سلاح المقاومة وقلب الأوضاع رأسا على عقب. وأضاف ldquo;أنادي بقوة لبنان وبحق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم، فهل هذا جرم، وأقول للأكثرية التزموا بمبدأ ldquo;إن قوتنا في قوتناrdquo;، ونسير إذ ذاك وراءكم، والتزموا برفض التوطين ونسير أيضا وراءكمrdquo;.

ونقلت وكالة ldquo;أخبار لبنانrdquo; عن مصدر رسمي، وصفته بالرفيع، قوله إن مصير المحكمة بات على المحك بمجرد نقلها إلى مجلس الأمن الدولي، وأكد أن فعالية المحكمة وقدرتها على الفعل تتطلب ظروفاً موضوعية خارجة عن إطار الفرض والإجبار والإلزام، خصوصا في ظل تعقيدات الواقع اللبناني وتوازناته الدقيقة. وشدد على ضرورة إخراج المحكمة من دائرة الصراع السياسي، ودمجها في سياق الوفاق الداخلي الذي من شأنه أن يمنحها قوة دفع تتيح لها الانطلاق من دون عوائق.

وشدد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على ضرورة انتصار ما سماه ldquo;معنى الدولة وتحرر مؤسساتها من ldquo;التعطيل والارتهانrdquo;، وعلى ألا يكون الوطن ساحة لصراع الآخرين. وقال في كلمة تلفزيونية، جرى بثها في حفل افتتاح الدورة الخمسين لمعرض الكتاب في بيروت أمس إن اللبنانيين لن يقبلوا التضحية بوطنهم على مذبح الصراعات الإقليمية، ولن يتسامحوا مع ما وصفه باحتلال وسط عاصمتهم بالحواجز، ولا بإقفال مجلس نوابهم المنتخب لمنع إقرار المحكمة، وإحقاق العدالة في جرائم ارتكبت بحق كبار من لبنان. ودعا اللبنانيين إلى الالتفاف حول الدولة في وجه ظواهر التفكك الداخلي بالاستناد إلى الخارج.

وقد أجرى السنيورة مساء أول أمس اتصالا هاتفيا بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتركز البحث في الاتصال على مشروع البيان الرئاسي المزمع أن يصدره مجلس الأمن بخصوص تطبيق قرار المجلس 1701. وأفيد بأن كي مون أبلغ السنيورة اهتمامه بالرسالة التي تلقاها منه والتي تتطلب عرض مسألة إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي على أعضاء مجلس الأمن لدراسة الوسائل التي ستؤدي إلى التعجيل بإنشاء المحكمة.

وقد صرح السفير الروسي في لبنان سيرجي بوكين بأن بلاده تتحاور مع شركائها في مجلس الأمن الدولي حول مضمون البيان الرئاسي المحتمل صدوره عن المجلس بخصوص القرار ،1701 وأضاف في تصريح بعد لقائه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أمس بأن روسيا تؤيد مواصلة الحوار الوطني بين اللبنانيين من أجل إيجاد تسوية سياسية للمسائل المتنازع عليها.

ونقلت مصادر إعلامية عن نبيه بري قلقه من الاحتقان السياسي والنفسي والأمني المتفاقم بعد انسداد أفق الحوار، وخشيته من أن يؤدي الشحن الراهن إلى انفلات الأمور من عقالها ومن أيدي الجميع. وأفادت بأن بري يرى أن لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطها، وهو يتأثر كثيراً بما يجري حوله، ولذلك فإنه يدعو إلى تدارك الأمر لئلا ينسحب ما يجري في العراق والمغرب والجزائر على الأوضاع في بقية الدول العربية، ومنها لبنان المكشوف أمنياً، والمفتوح أمام مختلف التيارات والمخابرات. ويلفت بري، وفقاً للمصادر، إلى خطورة غياب القرار السياسي في لبنان راهناً، في ظل ما يجري على أرضه وحوله من مخططات، يرى أنها تصب كلها في المشروع الأمريكي المدرج تحت عنوان الفوضى البناءة.

ونقلت ldquo;وكالة الأنباء المركزيةrdquo; عن مصادر سياسية مطلعة أن التشاؤم الغالب على موقف بري ينبع من ملاحظاته أن المساعي التوفيقية التي تقودها تحديداً السعودية والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى تبدو متوقفة، وليس في الأفق ما يشير إلى إمكان استئنافها قريباً.

وقال النائب عن حزب الله حسين الحاج حسن إن عدم إعلان المعارضة ملاحظاتها على نظام المحكمة المطروح أن تجربة الرئيس لحود في هذا المجال ليست مشجعة، حيث اتهم بمجرد إعلان ملاحظاته أنه يتستر على القتلة، وأضاف أن للمعارضة ملاحظاتها القانونية، وهي لا تريد جعلها مادة للإعلام، ورأى أن إصرار الولايات المتحدة وفرنسا على إقرار نظام المحكمة عبر مجلس الأمن الدولي يؤكد خضوعها للتسييس.

وحمّلت مصادر في الأغلبية مسؤولية التعطيل الحاصل في لبنان إلى المعارضة الداعمة للرئيس لحود الذي يمتنع عن توقيع أي مرسوم وعن نشر أي قانون، بذريعة عدم اعترافه بالحكومة، وإن أحد أبرز أركان هذه المعارضة، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري يقفل المجلس أمام النواب للتشاور والنقاش في المشاريع المطروحة.