منتصر الزيات


العبد لله من جيل توافق مع السادات حينا وانقلب عليه أحيانا كثيرة، وبات يدرك للرجل دهاءه السياسي وحنكته، بما لا يمنع من بقاء الاختلاف معه رحمة الله عليه، لكن ليس هذا كذاك وقال أصحاب الشأن في قتل السادات لو استقبلنا من أعمارنا ما استدبرنا ما قتلناه. لم تزل لدينا داخل دوائر الحركة الإسلامية اختلافات جذرية مع سياسات السادات، لكنه لم يكن بالرجل الذي يغلق الباب أمام التسويات ويتركه دائما موروبا للرجعة،

وأتصور رغم عنف قرارات التحفظ التي سوقها له بعض مستشاري السوء آنذاك وفي صدارتهم اللواء النبوي إسماعيل وزير داخليته آنذاك علي النحو المرجح من روايات القريبين منه أنه كان سيعاود النظر فيها ويطلق المعتقلين، هذه هي طبيعته كما يمكن أن نسترجعها، لكن سهم الله قد نفذ وقضاؤه وقدره حق لا يسعنا إلا الإيمان به وتصديقه.

المهم لا يمكن إغفال دور السادات وحقه في نصر أكتوبر ٧٣ فهو الذي قاد الجيش المصري في تلك الموقعة الحاسمة من تاريخ مصر وأزال عنا معرة الهزيمة واليأس من النصر، حتي لو كان نصرا محدودا عسكريا لكنه حقق الغرض الرئيسي منه في تحريك المواقف.

لا يمكن أيضا أن ننسي قراره المثير للجدل بزيارة القدس والتحدث أمام الكنيست وفتح الباب أمام العملية السلمية التي أوصلت بالضرورة لتحرير سيناء، لا يعني هذا أنني أوافق علي سياساته وإن كنا نترحم علي سياساته تلك قياسا علي تخبط القادة العرب الآن، لم أقصد مما سردت أن أدخل في تقييم أيام السادات أو سياساته،

لكني بمناسبة احتفالات اليوبيل الفضي بتحرير سيناء في الخامس والعشرين من ابريل كان لدي إحساس عميق أن قرارا بالإفراج سيصدر عن زميلنا الأستاذ طلعت السادات المحامي وعضو مجلس الشعب، ولم يتولد هذا الإحساس من فراغ، وإنما اعتمد علي أسباب وقرائن، منها ما أسلفت بيانه عن دور السادات في الحرب والسلام، ومنها أن الرئيس مبارك اعتاد في مثل هذه المناسبات إطلاق عدد من السجناء بمضي نصف المدة وتنفذ السلطات المختصة هذا القرار وفق اللوائح،

وقلت في نفسي إذا لم تتوفر الشروط أو الضوابط في حالة مثل حالة طلعت السادات فمن ؟ فالرجل ابن شقيق الرئيس أنور السادات ومن عترته وآل بيته، وخير من يراعي في بيته هو السادات في مناسبة ارتبطت به، والرجل أيضا نائب منتخب في البرلمان المصري لم يرتكب كبيرة من الكبائر، ولو افترضنا أنه أخطأ التقدير في الحسابات السياسية فيما خلص إليه في تحليلاته وقضي بمعاقبته بالعقوبة التي صدرت وهي ليست من الأحكام المانعة من الاستثناء المقرر في الإعفاء بمضي نصف المدة . وكنا قد علمنا بشفاعات قدمتها أطراف عديدة من أسرة السادات.

المهم أنني بهذه المناسبة ذهبت لزيارة طلعت السادات في سجنه العسكري، قلت لعلها آخر زيارة قبل الإفراج عنه، لاسيما أنني منذ الحكم عليه لم أتمكن من زيارته، أدهشتني مواقف العرفان بالجميل التي رأيتها في تلك الزيارة من أهل تلا ودائرته الانتخابية فقد وجدت أفواجا من البشر في زيارته أتوبيسين كاملين من الرجال والنساء من أهل دائرته و قيل لي إن هذا المنظر يتكرر كل أسبوع !! يتبادل الناس زيارته، وجدت مشاعر البسطاء تشد من أزر طلعت السادات وتعوضه مشاعر الحب عن جحود الآخرين ونكولهم به.

استقبلني السادات بابتسامة عريضة مداعبا حبستني وتركتني، وأتبعها بأخري: هو صاحبك عمرو أديب أصبح متخصصا في عائلة السادات، في إشارة ذات مغزي عن المواجهة العاصفة التي جرت في برنامج القاهرة اليوم بين شقيقه أنور عصمت السادات والأستاذ مصطفي بكري، بادلته الدعابة بأختها: ما تتنازلوا عن أموالكم للشعب، لكن الهزل تحول فجأة إلي جد علي غير مقتضي الحال وأصر طلعت علي إحضار ورقة كتب فيها تنازلاً للعبد الفقير عن كل أملاكه وأرصدته في البنوك علي أن أترك له مائة ألف جنيه صحيحة!!

لم يكن طلعت في حاجة لإبراز تقديره العميق للمؤسسة العسكرية التي خرج منها عمه السادات وللمسؤولين علي السجن العسكري علي رعايتهم له وحسن المعاملة التي لا يمكن أن تصدر بغير توجيهات مباشرة من المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع .

أعتقد أن المقام يسمح بأن نقول للرئيس مبارك وطلعت السادات يا ريس في حاجة إلي استخدام حقك الدستوري في العفو بنصف المدة، وفي حاجة إلي أن يعود إلي بيته وأولاده ويؤدي دوره في خدمة دائرته التي انتخبته وكفاية كدا يا ريس.