طوني فرنسيس

كان مسؤولون في تنظيمات فلسطينية مسلحة مقيمة في لبنان، ومعهم laquo;أنصارraquo; في تيارات سياسية لبنانية، يرفعون الصوت جهاراً، حرصاً على مدنيين فلسطينيين في مخيم نهر البارد، وفي خلفية الصورة كانت مدن قطاع غزة تشتعل في حريق تولت أثناءه حركة laquo;حماسraquo; إنجاز ما سمته التحرير الثاني وطرد وقتل واعتقال رموز laquo;الاحتلال الفتحاويraquo; في معركة لم تكلف اكثر من 700 قتيل وألوف الجرحى...

لم ينتبه الحريصون على مدنيي مخيم نهر البارد، من فلسطينيين وخصوصاً لبنانيين، الى ان الجيش اللبناني حرص في رده على جريمة laquo;فتح الاسلامraquo; على اجلاء اكثر من 35 ألف فلسطيني الى اماكن آمنة، وانه لم يبدأ المعركة لجلب أفراد عصابة المرتزقة الى العدالة إلا بعد ان ضمن أمن المدنيين وكان ذلك على حسابه، ما أدى الى ان يدفع ثمناً غالياً من حياة ضباطه وجنوده (نحو 70 شهيداً) فيما لم يقع في صفوف مدنيي المخيم سوى 17 ضحية دفعوا ثمن الاختراق الارهابي لأحياء لجوئهم وحياتهم.

كانت الصورة مختلفة ومفجعة تماماً في غزة، عناصر laquo;حماسraquo; يقضون على الذين اطلقوا الثورة الفلسطينية في العصر الحديث مُستظلين شعارات ولافتات تصنّف رفاق السلاح والوطن عملاء للأميركيين والاسرائيليين، متناسين انهم وشركاءهم في المصير ما زالوا على أرض محتلة وان الأولوية هي للخلاص من الاحتلال وتوفير ظروف بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه وليس دفعه الى اللجوء الى اسرائيل او الى معابر رفح.

في الحصيلة، اصبحنا اليوم أمام دولتين فلسطينيتين. واحدة في غزة تقودها حركة laquo;حماسraquo;، وأخرى في الضفة الغربية تقودها حركة laquo;فتحraquo; وسيستمر الصراع الداخلي في الدولتين: حماس ستحاول إكمال مسيرتها laquo;التحريريةraquo; في الضفة في مواجهة laquo;فتحraquo; و laquo;فتحraquo; ستحاول استرداد ما أخذ بالقوة... بالقوة في غزة! وسيكون الباب مفتوحاً على مصراعيه امام اسرائيل للتدخل في الطريقة التي تناسبها هنا وهناك كما سيكون للإطار الذي وضعت laquo;حماسraquo; نفسها فيه دوره البارز: فالحركة التي تتخذ من دمشق مقراً لقيادة مكتبها السياسي ومن طهران مرجعاً داعماً في المجالات السياسية والمعنوية والمادية، ستكون حققت للمحور السوري ndash; الايراني نقلة في سياق خلافه مع laquo;الاعتدال العربيraquo; والسياسة الاميركية ndash; الاوروبية، وأمّنت له موقعاً متقدماً على ساحل البحر الابيض المتوسط، ما جعل laquo;يديعوت احرونوتraquo; تعنون افتتاحيتها (15/6/2007) بالتالي: laquo;إيران على بعد 5 دقائق من عسقلانraquo;.

طبعاً، للمبالغة الاسرائيلية أهدافها، لكنها ليست من دون أساس فتحرير غزة من laquo;فتحraquo; ليس مسيئاً الى اسرائيل بقدر ما هو مسيء الى اتفاق مكة والى مقررات القمة العربية، ومحاولات الانقلاب على الرئيس محمود عباس تمس خصوصاً laquo;النظام العربي الجديدraquo; الذي حاولت قمة الرياض ارساءه استناداً الى قواعد التضامن والتمسك بمبادرة السلام العربية والتشجيع على استعادة الأوضاع الطبيعية في العراق.

وعندما تسيطر laquo;حماسraquo; كتنظيم laquo;إسلاميraquo; على قطاع غزة، ستواجه المشاكل المعتادة مع اسرائيل، لكن مشكلتها الأكبر ستكون مع العالم العربي المعتدل: مع مصر التي تخوض معركة سياسية مع تنظيم laquo;الاخوانraquo; ومع الاردن الذي يخشى laquo;حمسنةraquo; إخوانه، أما امتداد سيطرتها السياسي والمعنوي فسيحسب على ايران البعيدة وسورية القريبة، ولكن التي يفصلها عن غزة غَزَلٌ مُعلن مع laquo;العدوraquo; يمكن ان يتحول في لحظة الى علاقة ود وفي لحظة أخرى ndash; ربما يكون الصيف موعدها ndash; الى علاقة حرب.

لم تعطِ laquo;حماسraquo; معنى لمعركتها في غزة غير رغبتها في laquo;فرض الأمنraquo; و laquo;منع التجاوزاتraquo;، وعندما تحدثت في السياسة اتهمت الرئيس الفلسطيني وقادة laquo;فتحraquo; بأنهم ينفذون أوامر كوندوليزا رايس.

هناك فارق كبير، بل تناقض بين مبررات laquo;التحريرraquo; وشعاراته، خصوصاً ان برنامجاً سياسياً موحداً يحكم علاقات الفصائل الفلسطينية تُرجم في حكومة الوحدة الوطنية، الأمر الذي يبرر طرح السؤال السياسي الذي يلمح إليه مسؤولون فلسطينيون ويمتنعون عن طرحه بقوة كما عن تقديم الجواب عليه.

لقد نقل عن الرئيس السوري بشار الأسد في معرض تهديده بالرد على السياسة الاميركية ndash; في مجال حديث عن المحكمة الدولية ndash; ان الارض ستشتعل من البحر المتوسط الى قزوين.

واشتعلت الحرائق في أماكن محددة، وكان يفترض لو نجح بعض الخطط ان تحكم laquo;تنظيمات دينيةraquo; من لون معين سيطرتها على laquo;اماراتraquo; الساحل الممتد من طرابلس في الشمال اللبناني الى العريش في اقصى حدود غزة الجنوبية مع مصر.

فلو نجح شاكر العبسي في تحقيق مشروعه بالسيطرة على مخيم البارد ومن ثم توسيع امارته لتشمل مدينة طرابلس، لكان لبنان الآن امام وضع laquo;اسلاميraquo; شبيه بما جرى في غزة اقله في المخيمات الفلسطينية ومحيطها. فتجربة البارد أرادها العبسي نموذجاً laquo;اسلامياًraquo; للمخيمات الأخرى، والربح في البارد سيعني نقلاً للتجربة الى عين الحلوة ثم الى صور، وفي المكانين سيتم الحسم ضد laquo;فتحraquo; ومنظمة التحرير، ويمكن لـ laquo;حماسraquo; الضعيفة نسبياً في مخيمات لبنان ان توفر عبر انتصارها في غزة ووجودها في رئاسة الحكومة الفلسطينية غطاء معنوياً.

إلا ان الأخطر من ذلك هو ما كان laquo;يؤملraquo; من تداعيات داخلية لانتصار العبسي. وبحسب بعض laquo;سيئي النيةraquo; فإن أطرافاً في المعارضة اللبنانية لم يروا في laquo;غزوةraquo; شاكر العبسي إلا فرصة لتشديد ضغطهم على الحكومة اللبنانية، وهم في موقفهم المتردد من قرار الجيش الرد على المعتدين على جنوده والحفاظ على الأمن الوطني، أملوا بأن لا يحقق الجيش انتصاراً جدياً على الحالة التخريبية الطارئة، بما يؤدي الى تكريس laquo;الإمارةraquo; وشل آخر سلاح في يد الشرعية اللبنانية. ساعتها يمكن للساحل اللبناني ان يتصل تماماً بساحل غزة، في سياق مشروع واحد عنوانه مواجهة السياسة الاميركية في انتظار ما ستؤول اليه المفاوضات المرتجاة بين laquo;محور الشرraquo; و laquo;الشيطان الأكبرraquo;.

... وفي الأثناء يمكن للبنان السيد الحر ان يذهب الى صيفه الملتهب وللمشروع الفلسطيني المستقل ان يستقر في براد أحد مستشفيات القطاع.