روبرت مالي وآهارون ميلر - واشنطن بوست
بعد أن كانت قد اعتنقت وهماً واحداً، وهو أن بإمكانها المساعدة في عزل حماس، تبدو الإدارة الأميركية قريبة، وعلى نحو خطر، من اعتناق وهم آخر: غزة ماتت، فلتعش الضفة الغربية. ويبدو هذا الاتجاه مغرياً: اغمروا الضفة الغربية بفيض من الأموال، ساهموا في ازدهار قوات فتح الأمنية، واصنعوا عملية تفاوضية ذات معنى، وستجدون الشعب الفلسطيني، منجذباً إلى الضفة الغربية المتعافية، ومنزعجاً من كابوس غزة المعدمة، وهو يلتف حول الفلسطينيين الأكثر براغماتية.
تبدو هذه النظرية متأخرة بضع سنوات وبعيدة خطوات عن الواقع. وإذا ما كانت الولايات المتحدة ترغب بمساعدة الرئيس محمود عباس، فإن الوقت المناسب لفعل ذلك كان عام 2005، عندما فاز بمنصب الرئاسة بأغلبية ساحقة، وظهر بوصفه الزعيم الفلسطيني الذي لا ينافس وكان في وضع يستطيع منه تسويق التسويات الصعبة على شعبه. أما اليوم، فإن عباس بات يواجه بتحدي عدد أكبر من الفلسطينيين، وأقل قدرة بما لا يقاس على تأمين إجماع على أي قرار يعتد به.
لكن المشكلة الأكثر أساسية في هذه النظرية هي الافتقار إلى الأرضية. فهي قائمة على فرضية الفكرة القائلة بأن فتح تسيطر على الضفة الغربية. ومع ذلك، فإن الضفة الغربية لا تشكل نقيض غزة. فعلى عكس غزة، يظل وجود الضفة الغربية بالنسبة لإسرائيل أكثر إرباكاً، وعلى عكس حماس، كفت فتح عن الوجود بوصفها حركة متناغمة إيديولوجياً وتنظيمياً. وخلف العلامة التجارية للحركة تقع العديد من الفروع، والإقطاعيات والمصالح الشخصية. ومعظم الهجمات التي شنت على إسرائيل منذ الانتخابات كانت قد أطلقتها كتائب القسام، المليشيات العنيدة الموالية لفتح، وبصرف النظر عن دعوات عباس المتكررة لها للكف. وبهذه المعطيات، لماذا قد توافق إسرائيل على تخفيف القيود الأمنية بشكل ملحوظ؟
تستند نظرية quot;الضفة الغربية أولاًquot; أيضاً إلى فكرة أن عباس ndash;أو أي زعيم فلسطيني آخر- يستطيع تحمل تبعات التركيز على الضفة الغربية على حساب غزة. صحيح أن هناك غضباً يمور في أوساط الفلسطينيين، ولكن الغبار ما إن ينجلي حتى نجد عباس وهو يرغب بأن يُنظر إليه كرئيس لكل الفلسطينيين، وليس على شريحة جغرافية أو سياسية منهم. كما أن قبوله بأموال يمكن إنفاقها في الضفة الغربية وحسب، أو بتعاملات دولية تستثني غزة، سيفضي إلى تهديد وضعه على نحو خطر بوصفه رمزاً للأمة الفلسطينية.
وأخيراً، تفترض النظرية أن حماس تتمتع بتأثير قليل في الضفة الغربية. وعلى أن لحماس بنادق أكثر هناك، لكن حماس تحتفظ بدعم سياسي يعتد به هناك. أما الأمر الأكثر أهمية، فإنه الحاجة إلى بضعة مسلحين ليشنوا هجمات على إسرائيل وإلى بضع هجمات من هذا النوع لتحريض إسرائيل على القيام برد فعل عسكري. وإذا ما كانت حماس مقتنعة بأن هناك جهداً يستهدف خنق حكمها، فإن من المرجح كثيراً أن تعاود ممارسة العنف ضد إسرائيل إما مباشرة أو من خلال واحدة من العديد من الجماعات المسلحة، بما فيها المنشقون عن فتح. ولن يكون هناك افتقار إلى المسلحين الغاضبين من تعاملات قادة فتح مع إسرائيل أو الجائعين للنقود. وإذا ما حدث مثل هذا العنف، فإن الأمل في إحراز تقدم في الضفة الغربية سوف ينهار حتماً.
منذ انتخاب حماس في بواكير عام 2006، تصرفت الولايات المتحدة وحلفاؤها كما لو أن عزل الحركة الإسلامية يمكن أن ينقض انتصارها، وأن دعم فتح سياسياً وعسكرياً يمكن له أن يسرع من هذه النتيجة. لكن تهافت تلك السياسة بات واضحاً للعيان. ومع ذلك، نجد هؤلاء، وبينما يشهدون تداعيات تلك الخرافات، يسارعون لتبني خزعبلات جديدة. ذلك أن الجهود التي تبذل لتوسيع الشق بين حماس وفتح أو بين غزة والضفة الغربية سوف تفاقم الكارثة، لأنه لن يكون هناك أي أمن، ناهيك عن عملية سلمية، من دون وحدة وإجماع فلسطينيين بالحد الأدنى.
ربما ينبغي للولايات المتحدة والآخرين أن يساندوا عباس ويشجعوا التقدم في الضفة الغربية، ولكن بذكاء. ذلك أن منح العصي لغزة والجزر للضفة الغربية سوف يقسم الفلسطينيين، ويذهب بالغزيين إلى التطرف، ويحرض العنف على أيدي أولئك الذين تركوا خارجاً ويقوض صدقية أولئك الذين تتبناهم الولايات المتحدة. كما أن تقسيم الفلسطينيين جغرافياً لا يعتد به كوصفة لنجاح فكرة تقسيم الفلسطينيين سياسياً.
ينبغي لنا أن لا ننخدع بخطابة عباس. فهو سيجبر، عاجلاً أو آجلاً، على السعي من أجل اتفاقيات جديدة لتقاسم السلطة بين حماس وفتح ولاستعادة الوحدة فيما بين الفلسطينيين. وبينما تسعى الولايات المتحدة والآخرون إلى تزويده بالقوة، فإنهم ينبغي أن يدفعوا باتجاه وقف شامل لإطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة والضفة الغربية على حد سواء، الأمر الذي يتطلب التعامل، -بشكل غير مباشر على الأقل- مع عناصر من حماس. كما أن على هذه الأطراف أن تقاوم إغواء فكرة عزل عزة وينبغي أن تعمل على الإيفاء بحاجات سكانها. وإذا كان لا بد من إقامة حكومة وحدة وطنية، فإن عليهم هذه المرة أن يرحبوا بالناتج وأن يتخذوا خطوات للأخذ بيدها. عندئذ فقط سيكون للجهود المبذولة للتوسط في إقامة مفاوضات سياسية موثوقة بين عباس ونظيره الإسرائيلي حول حل الدولتين أن تحظى بفرصة للنجاح.
إن المكافئ الدبلوماسي للوصفة الطبية لن يأتي بأي أذى. فمنذ انتصار حماس الانتخابي، ساعدت سياسات الولايات المتحدة في تقوية القوى الراديكالية، وأضعفت المؤسسات الفلسطينية، وأوهنت الإيمان بالديمقراطية، وأضعفت عباس وأعاقت عملية السلام. فلماذا نطالب الآن بالمزيد من الشيء نفسه؟
التعليقات